في راهن السياسة المغربية:
السوسيون الجدد في الحكم
د.إسماعيل علالي
كاتب وباحث في التراث السوسي / المغرب
1- دعوى مجملة:
” لفهم الحاضر و استشراف المستقبل، لا بد من تمثل الماضي الذي أفلَ، مادام الماضي سيرورة معنى أصيل يقيم في اللفظ المعاصر حاضرا و مستقبلا” إ.ع
2- مناسبة الدعوى و تطبيقاتها :
غني عن البيان أنه لا قياس مع وجود الفارق، لكن مع ذلك يجوز لنا قياس الشاهد على الغائب، و إن شئتم قلتم قياس الحاضر على الماضي، لفهم سيرورة التاريخ و تحولاتها.
و بما أن المناسبة شرط، مناسبة تنصيب السوسي عزيز أخنوش رئيسا للحكومة الجديدة، بعد فشل السوسي سعد الدين العثماني، في استحقاقات 2021 التي أطاحت بالتيار الإسلاموي، و كذا وجود زعماء سياسيين سوسيين على رأس أكثر الأحزاب حضورا في ساحتنا السياسية، وظفرا بالمقاعد -بغض النظر عن موقفنا من أدائها-، و أقصد فضلا عن عزيز أخنوش الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، و سعد الدين العثماني الأمين العام لحزب العدالة و التنمية ، الأمين العام لحزب الأصالة و المعاصرة ، السوسي عبد اللطيف وهبي، و كذا السوسي إدريس لشكر الأمين العام لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
فهؤلاء الزعماء السياسيون السوسيون، تأسيسا على ما سبق ذكره في الدعوى ، يمكن نسبتهم إلى تواريخ و إمبراطوريات تاريخية نشأت بسوس وساهمت في رسم ملامح التاريخ السياسي للمغرب في العصر الوسيط، لوجود خيط رفيع من التشابه الاعتباطي بالمفهوم اللساني السوسيري لمصطلح (الاعتباطية)…
من هنا، يجوز لنا نسبة سعد الدين العثماني السوسي إلى المرابطين، لأنه يشترك وحزبه مع المرابطين في الإعلاء من سلطة الفقهاء، و خير دليل على هذا التماهي السياسي خضوع مناضلي العدالة و التنمية التي يقودها العثماني لسلطة فقهاء حركة الإصلاح و التوحيد على غرار ما كان في عهد الدولة المرابطية التي كان الفقيه فيها يسود و يحكم.
أما زعيم الحمامة الملياردير السوسي عزيز أخنوش، فننسبه إلى الدولة الموحدية التي أنشأها ابن تومرت السوسي، بجبل الكست بسوس، واشتهر بعده سلاطينها بالثراء، و كثرة القوافل التجارية، خاصة في عهد المنصور والناصر والمستنصر، فهذا الثراء الموحدي في عهد هؤلاء السلاطين الثلاثة نراه اليوم أيضا في ثراء زعيم الحمامة السوسي المتحكم في سوق الذهب الأسود، و جمعه بين السلطة و المال على غرار كثير من السلاطين الموحدين.
أما زعيم الأصالة و المعاصرة الجديد عبد اللطيف وهبي، فيجوز لنا نعته بالمحمدي نسبة إلى محمد العالم حاكم المحمدية( تارودانت)، مادامت ثورته على القيادة السابقة ممثلة في حكيم بنشماس و تيارها، تشبه إلى حد ما ثورة محمد العالم على والده السلطان المولى إسماعيل، و رفضه لطريقة حكمه كرفض وهبي لتدبير بنشماش، و التبري من خطوط العماري الحمراء، مع فارق في النتيجة، اغتيال محمد العالم لغياب الديموقراطية وحرية التعبير قديما، ونجاح وهبي بفضل توفر المناخ الديموقراطي وطنيا وحزبيا في العصر الجديد.
أما سوسي الاتحاد الاشتراكي السيد إدريس لشكر، و نظرا للرتبة المتدنية التي احتلها حزبه في الانتخابات الماضية، فيجوز لنا نسبته لدويلة إليغ، نظرا للحال التي آل إليها وضع الاتحاد الاشتراكي الذي يقوده حيث خبا نجمه بسرعة في الساحة السياسية المغربية، كما وقع لدويلة إليغ السوسية التي ثار مؤسسوها على السعديين إبان ضعفهم، فصعد نجمها لفترة قصيرة ثم ما لبثت أن درست معالمها، و فشلت في توحيد المغرب، إلى أن جاءت الدولة العلوية الشريفة فكانت سعد السعود على السوسيين و المغاربة عامة – بتعبير المختار السوسي-.
وبهذا نكون أمام حضور سوسي سياسي جديد، يقوده خاصة ثلاثة أمناء سوسيين، هم سعد الدين المرابطي، و عزيز أخنوش الموحدي، و عبد اللطيف وهبي المحمدي.
واختلاف هؤلاء القادة السوسيين في الانتماء الحزبي و المرجعية الإديولوجية، يجعلنا نتساءل عن علة هذا الاختلاف، رغم الاشتراك في الدم و الانتماء الجغرافي و اللسني الأمازيغي؟.
وجواب السؤال مرده إلى أن سوس على مر العصور كانت أرضا تؤمن بالاختلاف، وتقدير الآخر كصنيعهم مع العرب، فضلا عن إيمان علمائها بقيمة الحوار، وما يزكي طرحنا، أن العلامة المختار السوسي تخرج على يديه رجال منهم من انتمى إلى أقصى اليمين كعبد السلام ياسين ومنهم من انتمى إلى أقصى اليسار كمحمد بن سعيد آيت إيدر.
و هذا السؤال المرجعي يتفرع عنه سؤال أخلاقي يرتبط بسيكولوجية الزعماء السياسيين السوسيين الجدد، وهل تشبعوا بخصال زعماء سوس التاريخيين، المشهود لهم بالنبل الأخلاقي و محبة الناس وفعل الخير و الإيثار و التواضع و خدمة الآخرين ؟ أم تبرأوا من تراث سوس السياسي الخلاق؟.
في تقديرنا إذا أراد هؤلاء الزعماء، خدمة المغاربة فعليهم أولا إعادة الاعتبار إلى سوس، والمناطق الجنوبية، بعيدا عن الحسابات السياسيوية الضيقة،قبل أي حملة انتخابوية، وذلك بإحياء التراث السوسي و إرث الجنوب المغربي الحضاري في مختلف مجالات المعرفة، وبخاصة الصحراء المغربية التي تربطهم بها صلات علمية تاريخية تعد خير شاهد على مغربية الصحراء ورجالاتها، و في هذا الصنيع ، خدمة كبرى للوطن ولكافة المغاربة، و هو أرقى من الوعود الكبرى التي اعتاد الزعماء نثرها في السوق الانتخابوية إذا حل موسمها.
و إجمال هذه الورقة المختصرة التي رمنا من خلالها تسليط الضوء على الحضور السوسي الجديد في مشهدنا السياسي المعاصر :أن سوس العالمة قد خرجت في مختلف مراحلها التاريخية رجالات دولة مخلصين للوطن في شموليته، ينغبي على سوسيي الزعامة السياسية الجدد، النهل من تجاربهم، والحفاظ على نقاء تاريخ سوس و رمزيته، و مكانته في قلوب كافة المغاربة.
و صفوة القول أن الانتخابات المقبلة ستعرف تأثيرا سوسيا ثلاثي الأبعاد، سيستفيد منه أيضا حزب الاستقلال، الذي يقوده الفاسي نزار بركة، لأن أهل سوس عبر التاريخ يجلون فاس و رجالاتها و يعتبرونها أُسْتَاذَتَهُمْ و أستاذة المغاربة كلهم، كما صرّح بذلك المختار السوسي في كتابه سوس العالمة. ما لم يظهر طرف رابع يرسم طريقا رابعا مغايرا تصحيحيا للمعهود من الممارسة السياسية الحالية التي كثرت آفاتها، لإعادة الثقة للمغاربة بجدوى الممارسة السياسية و تحصين المكتسبات و بناء مغرب المستقبل الذي ينشده كافة الوطنييين الصادقين المتشبثين بوطنهم و مقدساتهم، في ظل الدولة العلوية الشريفة.
عذراً التعليقات مغلقة