محمد عياش
– كاتب ومحلل سياسي
في التاسع من يوليو / تموز عام 2011 تم تقسيم السودان على قسمين شمالي وجنوبي ، وتم الاعتراف بدولة جنوب السودان ، التي لم تذكر بالأخبار إلا ما ندر ، أي أن هذا القسم المقسوم عن السودان الأم يعيش في استقرار ، عكس الشمال المتأزم بالانقلابات والقلاقل بين الفينة والفينة .
قد يقول قائل، أن الجنوب السوداني ليست له سواحل أو أية مشاكل مع الآخرين ، وبالتالي فإنّ الموقع الجغرافي وحساسيته يجلب الأزمات والمشاكل على الرغم من مرور نهر النيل وتفريعاته ، إلا أن هذا النهر يشكل هاجس جماعي للسودان ومصر ، والقضية مستعصية لهذه اللحظة مع أثيوبيا التي تصر على استكمال مشروعها لسد النهضة مع معارضة شديدة من مصر والسودان اللتان استعدتا لقيام حملة عسكرية من شأنها وقف المشروع ، وحماية المصالح المائية وذلك عبر المناورات المشتركة والتصريحات الموحدة .
الأحداث الجارية في السودان من انقلاب على التفاهم الثنائي بين الحكومة والعسكر، وفض الشراكة، ليظهر عبد الفتاح البرهان بالقابض على مقاليد الحكم، والحديث حتى اللحظة عن اعتقال رئيس الحكومة الدكتور عبدالله حمدوك وبعض الوزراء والولاة ، أصبح شبه مؤكد بالرغم من تطمينات البرهان عن حمدوك وتواجده وزوجته في منزله معززين مكرمين .
السؤال الكبير، لماذا يتم اعتقال أو الاحتفاظ برئيس الوزراء وإبعاده عن مسرح الأحداث؟ مع العلم بخروج معظم السودانيين إلى الشارع واحتجاجهم وامتعاضهم من سوء المعيشة وانهيار الاقتصاد السوداني وإحساسهم بعدم تلمس التغيير المنشود، بالرغم من رفع السودان من القائمة السوداء الأمريكية واتهامها بدعم الإرهاب..
الحديث الدائر في الخرطوم، عن قوات الدعم السريع والتي لا تنتمي للجيش مباشرة والتي يقودها الجنرال محمد حمدان دقلو والملقب ( حميدتي ) ، هي القوة الضاربة وتمويلها من دول غنية ، صاحبة الاعتقالات وملاحقة كل من تسول له نفسه بالاحتجاج أو التظاهر ضد الوضع العام ، حتى لو كانت الحكومة كما نشاهد الآن ، فهي صمام الأمان للمجلس العسكري الأعلى ، الذي يتخوف من تراث الانقلابات عبر التاريخ .
وبالعودة للوضع الجغرافي المهم للسودان، فإن هناك شبه شكوك بدخول إسرائيل على خط الأزمة ، سيما أن رئيس الوزراء المعتقل حمدوك طلب التريث بالبت بموضوع التطبيع مع الكيان الصهيوني ، الأمر الذي أزعج الاحتلال وأربك مخططاته بالإعلان عن بعض الدول التي ستطبع معه ، لأن الصهاينة يريدون موطئ قدم على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وذلك عبر التفاهمات وتوقيع الاتفاقيات الاقتصادية التي من خلالها تتسلل الخطط الصهيونية الماكرة للبحر الأحمر والسيطرة على باب المندب والتحكم بالتجارة فيه .
السودان الشقيق في خطر ، على الجامعة العربية ، أو الأمة الإسلامية والاتحاد الأفريقي ، النظر بالخطر المحدق بالسودان ، والعمل فورا ً ومن قلب الخرطوم على انعقاد مؤتمر دولي من شأنه رفع يد التدخلات الخارجية والعبث بمستقبل السودان ، والتأكيد على سلامة ووحدة أراضيه ، والبدء بمصالحة فورية وتصحيح المسار الكونفدرالي بين العسكر والحكومة ، وتغليب المصالح العامة على الشخصية الضيقة ، وتفويت الفرصة على المتربصين بمستقبل السودان والذي يعد استقراره عامل مهم ومساعد للقضايا العربية وعلى رأسها القضية الفلسطينية التي حظيت على اللاءات الثلاث ، والتي كانت بمثابة المبادئ الحقيقية والمزعجة للكيان الصهيوني الحاقد الذي لا ينس التاريخ ، وأتمنى أن أكون مخطئا ً وتكون مجرد غيمة وتمر ، ونقطة الاحتناك الصهيوني بدأت مع تقسيم السودان الذي لم يفهم لهذه اللحظة على اعتبار الجنوب لم يقسم على مبدأ الديمغرافية ، وغلبة طبقة على أخرى ، وأغلبية قبائل عربية ساحقة !!!
عذراً التعليقات مغلقة