الطابع التقليدي لميزانية المغرب في ظل حكومة جديدة

آخر تحديث : الأحد 31 أكتوبر 2021 - 9:47 مساءً
الطابع التقليدي لميزانية المغرب في ظل حكومة جديدة

هشام استيتو

0 10 - قريش

خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب

تقوم الديمقراطية المثالية على التنافس الانتخابي قصد الوصول إلى السلطة، عن طريق صناديق الاقتراع بعد مرحلة المشاركة في الشأن العام بتدرج طبيعي ، يبدأ من مرحلة ما قبل العمل داخل المجتمع المدني، ولا ينتهي بالانتقاء الانتخابي، وهو ما يضفي طابع السيرورة على الحياة السياسية لمدبري مختلف جوانب الحياة العامة من السياسيين صناع القرارات التي يجب أن تنعكس على الحياة العامة للمواطن البسيط.

والديمقراطية، تحتاج الى أدوات ترجمة الاختيارات الكبرى للمواطن، والتي ما هي إلا الوسائل يتيحها القانون للسِّياسي من أجل الوفاء بوعوده الانتخابية، وهي الوسائل التي يجب أن تكتسي صبغة التنوع والتعدد والمرونة، هذه الوسائل وبالنظر لحرية السياسي في التصرف فيها والمبادرة عبرها لاتخاذ القرارات، تعد المعيار الدقيق لتميز الديمقراطية الحقة عن الديمقراطية الشكلية التي يتخذها الحكم في عدة أنظمة من أجل تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي وللترويج الاستهلاكي له في الخارج والمحافل الدولية.

وتعتبر الميزانية العامة من بين أهم الأدوات التنظيمية التي يفترض وضعها رهن إشارة السياسي صانع القرار من أجل تصريف قناعاته السياسية وتحقيق وعوده الانتخابية، لان خصائص المرافق العامة للدولة، والتزاماتها المختلفة إزاء المواطن والمنظمات المحلية والدولية رهين بالخطوط التي صيغت الميزانية على ضوئها، علما أن صياغة هذا القانون ليس بالعملية الهينة، وتحتاج من الوقت والكفاءة البشرية ما يجعل مديريات الميزانية داخل وزارات المالية تعكف على صياغة بنود مشروعه بشكل تشاركي مع مختلف الأجهزة والادارات منذ اليوم الأول للسنة المالية.

ولكي يصل الفكر القانوني إلى إقرار قانون الميزانية كان على موعد مع محطات شعبية ضاغطة من أجل الفصل بين شخصية الحاكم ومالية الدولة، وهكذا ارتبط هذا القانون في إنجلترا بالماكنا كارتا، ليتحقق إخضاع الاختيارات المالية للملك جون الى المصلحة العامة، عوض تركها لمغامراته العسكرية في فرنسا والتي كانت تمول بجبايات ثار ضدها النبلاء الانجليز، وتتوالى التنقيحات والتقعيدات بعد ذلك في ربوع المعمور، إلى أن أصبحت مالية الدولة خاضعة للبنية الفكرية المسيطرة، والتي طبعت مالية الدول ولفترة طويلة بالفكر الكلاسيكي المحيد لتدخل الدولة في النشاط الاقتصادي الخاص، وهو ما تم تجاوزه بتطور النظريات المختلفة إلى أن استقر الحديث مطلع هذا القرن على الطريق الثالث كأساس فكري يضمن تدخل الدول عبر ميزانياتها في بلورة وتكريس دورها التنموي.

إن هذا الدور وبفعل التحديات الاقتصادية والتطورات التي فرضتها سرعة انتشار المعلومة، وطرق تشكيل المواقف الاجتماعية العامة، أصبح عصيا على التصنيف النظري وهو ما انعكس على الميزانية العامة كأداة ممكنة لتصريف الوعود السياسية، ولم يعد أحد يخضع لقيود التصنيفات بقدر ما أصبح همه الطاغي هو كيفية تحقيق ما وعد به منتخبيه رغم الإكراهات التي تقيده ويحقق أيضا كل الرضا للمؤسسات التمويلية الدولية التي تمتلك من وسائل الضغط ما يفرض اختيار الأمان المالي وفقا لما تمليه وتتصوره وترجحه على الطموح الشعبي.

يضاف إلى ذلك الإكراهات المالية البنيوية والمتسمة بالحدة والعمومية، وتلزم بالأساس السلطات النقدية، تماما كما تلزم السلطات المالية، وبالتالي فإن القيود الهيكلية تصبح نظاما عاما ماليا لا يمكن للسلطات النقدية أن تسمح بتجاوزه، كما يصبح السياسي صانع القرار خاضع له، تحت طائلة اعتبار ما يأتي به من تصرفات وقرارات من قبيل العبث التنظيمي.

والسلطات النقدية غالبا ما تستعمل لغة الأرقام الجافة والمستعصية عن الفهم بالنسبة للمواطن العادي، إذ تقدم نسب التضخم، والانكماش، وحجم الاحتياطي النقدي، ونسبة النمو، وغير ذلك من أسس يجبر على اعتبارها صانع القرار السياسي وتتحكم في تصوراته للميزانية، إضافة إلى استشرافه للمناخ الاقتصادي العام.

ولا تخرج الميزانية في جل الدول العربية عن هذا الإطار، إذ تعتبر هذه الفترة من السنة هي المجال الزمني الذي تطرح فيه قوانين المالية للنقاش، بما في ذلك المغرب، إذ طبقا للقانون التنظيمي للمالية المغربي يعرض في هذه الغضون على البرلمان قانون المالية للسنة المقبلة وجرت العادة على مواكبة ذلك بفتح نقاش عمومي حوله، تختلف مظاهر حدته من سنة إلى أخرى، لكن ما يفرض الخصوصية على هذا النقاش هذه السنة هو كونها سنة انتخابية عرفت تنصيب حكومة جديدة يرأسها رجل المال والأعمال الثري عزيز أخنوش، والذي شارك في عدة حكومات، كما أن حملة حزبه الإنتخابية وعبر قيادات في حزب الأحرار تجاوزت في خطابها تقديم الوعود السياسية إلى الحديث المباشر عن الوعود المالية عبر دغدغة مشاعر المواطنين الذين يعيشون الهشاشة بدخل قار قدره ألفان وخمسمائة درهم شهريا (حوالي ألفان وأربعة وتسعون أورو)، أو وعود مباشرة بالزيادات في الأجور لقطاعات من الموظفين أو بخلق مناصب شغل جديدة وبأعداد مغرية.

وبالعودة الى مشروع قانون المالية لسنة 2022 ومن أجل إعطاء نموذج لهذه الوعود وعلاقتها بالأداء الحكومي، نختار المناصب المالية، إذ بلغ عددها 26510 إضافة إلى 700 منصب يحدث لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار من أجل تسوية الموظفين الحاملين لشهادة الدكتوراه، وقد استحوذت حصة إدارة الدفاع الوطني من هذه المناصب على النصيب الأكبر بما مجموعه عشرة ألاف وثمان مائة منصب، وتأتي في المرتبة الثانية وزارة الداخلية بواقع 6544 منصب، ولم تحتل الوزارة المكلفة بالتعليم والرياضة إلا المرتبة الثامنة بواقع 344 منصب تليها وزارة العدل بواقع 250 منصب في حين خصص لقطاع الصحة 5500 منصب مالي، وقد استثني من إجمالي المناصب المالية ما ستحدثه الأكاديميات الجهوية للتربية والتعليم من مناصب في إطار التوظيف الجهوي.

هذه المناصب وإن فرضت بعضها الأولويات الوطنية والقضايا الكبرى والاستراتيجية للوطن وإن سقناها للمثال فقط فإنها تقدم مؤشرا حقيقيا لإمكانيات الحكومة وعبر قانون المالية من أجل تحقيق تغير طال انتظاره من المغاربة في بلد تشكل فيه البطالة نسبة معتبرة ضمن مؤشرات التخلف، رغم أن الأمر يتعلق فقط بجانب التسيير الذي يستنزف هذه الميزانية بشكل كبير، ولكون التوظيف الحكومي يعتبر مفضلا عند كثير من المغاربة، وهو ما استعمله الحزب المشكل للحكومة من أجل استدرار أصوات الناخبين في شكل وعود مباشرة.

أما بخصوص ابتكار وسائل الدعم الاجتماعي فلا نجد أثرا للوعود الانتخابية التي تم الترويج لها أثناء الحملة الانتخابية، خصوصا الصادرة من حملة حزب الأحرار الذي تنتمي إلى صفوفه السيدة وزيرة الاقتصاد والمالية، وبالتالي فإن ميزانية المغرب تبقى وطنيا ميزانية تقليدية لم تخرج عن سابقاتها والمتحكم الأساسي فيها هو ضعف ميزانية الاستثمار أمام ضخامة ميزانية التسيير المستحوذة على ما يزيد على النصف منها، وكذا المنحى التصاعدي للدين العمومي والذي يربك التوازنات المالية للحكومات المغربية المتعاقبة ومنها الحكومة الجديدة، والتي طالعتنا بعض التقارير الإعلامية إلى وجود مؤشرات تفيد توجه الى الاقتراض، وهو ما يؤثث للحلقة المفرغة والدوامة الهيكلية التي حكمت الاداء الحكومي منذ عقود، لذلك فإن التغيير الذي نشده المواطن المغربي يبقى مجرد تبرير للتقدم الى المناصب الانتخابية من طرف من يجيد تقديم الوعود وينئ بنفسه عن المكاشفة وتقديم الحقيقية للمواطن وبيان ما يجب أن يعمل قصد بلورة اي نموذج تنموي والذي يحتاج في جزء كبير من مخرجاته الى المال، الأمر الذي سيجعل الحكومة الحالية تعيد نفس أساليب من سبقها لتوفير هذا المال وصمام أمانها الضرائب والاستدانة في غياب أي استراتيجية واضحة من أجل النهوض بميزانية الاستثمار، هذه الأخيرة يجب أن تكون في صميم الإرادة السياسية الهادئة والمدعمة بوعي سياسي وطني مستعد للصبر والتضحية.

مقال خاص لصحيفة قريش – لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com