عبدالرحيم أريري *
كاتب وصحفي – المغرب
كان بإمكان مهندسي الحكومة الجديدة تعيين نبيلة ارميلي وزيرة مكلفة بالدارالبيضاء الكبرى، أو وزيرة منتدبة لدى رئيس الحكومة مكلفة بإقلاع العاصمة الاقتصادية، من جهة “لإرضائها” و”إرضاء” من يرغب في استوزارها، ومن جهة ثانية لوضع حد لسلوك نشاز يتمثل في إظهار رحم المغرب وكأنه عاقر وبأن المغرب دولة بدون نخب !!
لماذا؟
لأنه لا يعقل أخلاقيا ومنطقيا أن يزاوج المرء بين حقيبة وزارية ( الصحة)، كلها أعطاب ومشاكل تتطلب تفرغا وانكبابا “كاميكازيا” من الوزيرة ( أو الوزير) لرد الاعتبار للمرفق الصحي وللسهر على تدارك الخصاص الكارثي في المؤسسات الاستشفائية العمومية وفي تجهيزها وكذا النقص الفظيع في الأطباء والممرضين والأعوان، وبين رئاسة بلدية الدارالبيضاء التي تمثل ثلث الناتج الداخلي الخام للبلاد، والقلب النابض للمغرب.
فالوزيرة ارميلي ستكون مشتتة بين كازا التي تمثل “ثلث المغرب اقتصاديا”، وبين المنصب الوزاري الجديد. وفي نهاية المطاف سنكون أمام: ” لا ديدي لا حب الملوك”، لأنه سيكون هناك احتمال كبير من أنها “لن تزطط”، لا ملفات الصحة ولا ملف الدار البيضاء. علما أن بيضاوة لهم سابقة سوداء مع العمدة/ الوزير عبد العزيز العماري للدار البيضاء، إذ لم يتوفق هذا الأخير في المزاوجة ببن حجم الوزارة والاجتماعات وجلسات البرلمان ولقاء السفراء والتنقلات الدولية والوطنية، وبين تدبير عمودية البيضاء، فوقع التسيب وتجمدت الملفات والأوراش بالبيضاء، التي تمثل لوحدها حوالي خمس الساكنة الحضرية بالمغرب.
لنقارن بين حالنا وبين الآخر، فالوزير الأول الفرنسي فرانسوا فيون، كان ذكيا في هندسة الحكومة الفرنسية (2008 عهد ساركوزي)،إذ أمام التنافس القوي بين المدن الأوربية الكبرى في استقطاب الاستثمار والصالونات والمعارض الدولية، وخوفا من أن تتدهور باريس الى مراتب أقل من لندن وفرانكفورت ووروتردام وميلانو، بادر “فرانسوا فيون”، إلى خلق وزارة سميت “وزارة تنمية باريس الكبرى”، وأسند الحقيبة للوزير كريستيان بلان christian blan، للسهر على تقعيد وأجرأة مشروع باريس الكبرى le grand paris، الذي تضمن مجموعة من الأوراش العملاقة التي تمت برمجتها وأخرج معظمها اليوم إلى حيز الوجود ( أنفاق، خطوط جديدة للميترو لاستكمال ربط كل أحياء المنطقة الباريسية، منصات جديدة للشحن والإفراغ لتجويد اللوجستيك، تجديد الألياف البصرية لتحقيق الدورة الرقمية، تحسين جودة الهواء لخلق جاذبية زيارة المدينة، إلخ….). وبهذه الهندسة المؤسساتية لفرانسوا فيون، تكاملت وتقاطعت رؤية الحكومة الفرنسية مع رؤية مجلس باريس ومع تصور مجلس إيل دوفرانس. وكان الرابح الأول هو منطقة باريس وفرنسا ككل، لأن باريس حافظت على مكانتها الطلائعية مقارنة مع المدن الأوربية.
كان على المغرب أن يستلهم هذا النموذج، بدل أن يعطي صورة للعالم وكأنه بلد بدون أطر كافية لتدبير الشأن العام رغم مرور 65 سنة على الاستقلال : نفس الأشخاص يسيرون المدينة ويسيرون البلدية ويسيرون النقابة ويسيرون الجمعية بل ويحتكرون حتى تسيير “سانديك” العمارة !
قد ينهض قائل ليقول: ليست البيضاء هي المعنية، فهاهي مدن: أكادير وتارودانت ومراكش يسيرها رؤساء وفي نفس الوقت هم أعضاء في الحكومة. وهذا دفع معقول ووجيه ومقبول.
لكن بالنسبة للدار البيضاء الوضع مختلف، لأن ثقلها المالي والديمغرافي يجعلها ذات وضع خاص، وبالتالي كان لابد أن يتم الحرص(كل الحرص) على منع الجمع بين تدبيرها وبين تولي منصب آخر(حكومي أو غيره)، فبند واحد في ميزانية بلدية الدار البيضاء يساوي ميزانية وزارة ككل ( مثلا وزارة العلاقة مع البرلمان أو وزارة التضامن)!!
وإذا أسقطنا التعليم والجيش والبوليس والدرك والمخازنية، نجد أن عمدة الدار البيضاء هو سادس سلطة رئاسية على الموظفين بالقطاع العام بالمغرب ككل( موظفو البلدية المباشرين ومستخدمو القطاعات المفوض تدبيرها للخواص، بحكم أن هذه المرافق تخضع للسلطة المفوضة، أي للعمدة) ولا توجد وزارة توازي بلدية البيضاء في حجم مواردها البشرية، بما فيها وزارة الصحة !!
فلما الحرص إذن على مراكمة المناصب وتقليص حظوظ النجاعة والفعالية وتفويت فرص تجويد تدبير المرفق العام؟!
* مدير نشر جريدة أسبوعية “الوطن الآن” الورقية وموقع “أنفاس بريس” في الدارالبيضاء
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة