فن اقتصاد السِّياسة

آخر تحديث : الثلاثاء 12 أكتوبر 2021 - 9:38 مساءً
فن اقتصاد السِّياسة


هشام استيتو 

unnamed - قريش

خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب

في العلاقات القائمة بين الدول، يحضر التوازن، والمصلحة، بشكل يفرض على متخذ القرار النأي بنفسه وبلده عن المزايدات التي يمكن أن تعصف بالمصير السياسي للمسؤول، وكذلك بالمصالح العليا للدولة.

لذلك برز في العالم العربي، ما عرف باقتصاد السياسة والمؤسس على وجوب إخضاع الموقف السياسي لدراسة وتأني وبحث مستفيض؛ قبل الإقدام على أي خطوة وذلك في سياق اعتبار صانع القرار السياسي لما حدث في العراق بعد غزو الكويت.

لذلك، يمكن للمتتبع المتأني أن يلمس الحكمة في مواقف بعض الدول العربية، وعدم اتخاذ خطوات تصعيدية مع الجوار، مفضلة المصلحة على مطالب الشارع أحيانا، وعلى ما يمكن أن يعتبر شعورا قوميًا أدى إلى كوارث بسبب عدم اتباع بروتوكول إقتصاد السياسة، وهو ما أدى إلى تغير الأنظمة بشكل جبري ومن الخارج وتغير خارطة العالم في أكثر من موقف.

لقد انصاع حافظ الأسد لصوت المصلحة الوطنية، عندما استجاب لضغوط تركية بسبب استضافة الإقليم السوري لعبد الله اجولان، كما فضلت الإمارات تدويل مسألة الجزر الإماراتية المحتلة من إيران، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى، كما توصل الجانب المصري، والسوداني لتوافق حول مثلث حلايب ضمن استمرار الوضع على حاله، كما جنب السَّاسة في كردستان احتلال شمال العراق من تركيا، رغم الطموح الشعبي في الاستقلال كما تجنب العراق حمام دم جديد بسبب إقتصاد السياسة.

في الجهة الغربية من هذا الكيان، الممتد من المحيط إلى الخليج وخصوصا في العلاقة بين المغرب والجزائر يحتاج أحد الأطراف للخضوع لتكوين في فن إقتصاد السياسة.

وهذا موقف موضوعي استقرائي غير ناتج عن الإنتماء الوطني، والذي يمكن أن نتهم به، ذلك ومنذ العملية التقنية للمغرب في معبر الكركرات والتي انتهت بفتحه أمام العبور إلى أفريقيا من طرف المغاربة والمصالح التجارية والترفيهية الدولية وإعلان البوليساريو استئناف عمليتها ضد المغرب والذي حسم المعركة على الأرض حتى قبل بدايتها ، وتأكد الإخوة في المرادية أن أساليب تحركات البوليساريو لا يمكن أن تنفع مع التدابير المتخذة من المغرب، وبمَا يعني ذلك من انسداد تام لأفق مطامع الجزائر ومطامح وكلائهَا، وأمام الخسائر العسكرية التي بات يتكبدها هؤلاء انطلق مسلسل تصعيدي خطير من الجزائر بدأ من تحركات أحادية في وسط المنطقة الحدودية، ومرورا بمحاولة أحادية أيضا لترسيم الحدود في قطاعات الجزائر التي تحتضن البوليساريو، إلى الإعلان على إغلاق المجال الجوي وقبله قطع العلاقات الدبلوماسية.

إن هذه الافعال التي لم تخضع لمزايدات من الرباط التي تتصرف بثقة كبيرة في تدابير ها، وبما يعكس ضبط النفس لا يعني مطلقا عدم قدرة الرباط على الرد وهي التي تتمتع بإمكانيات مهمة للرد بما يفوق المثل، بل يعكس عمق نظرة صانع القرار المغربي لفن إقتصاد السياسة. 

إذن ما الجدوى من تصعيد مجاني يضر شعبين شقيقين رغم وضعه في الإعتبار غاية التصعيد والذي يأتي في سياق ايمان الإخوة في الجزائر بلا جدوى عمليات البوليساريو أمام التدابير المغربية، لذلك بات هدف هذا التصعيد المتوج بخرجة الرئيس تبون مؤخرا، وهو خلق ثغرة ضمن هذه التدابير بما يمكن وكلاء المرادية في تندوف من إنقاذ ماء وجههم.

لذلك تبقى مواقف بعض الأشقاء في المشرق، والموقف المغربي مدرسة في فن مدني اسمه إقتصاد السياسة، هو فن مدني، يكبح في كثير من الأحيان جماح العسكر الغير الخاضع لسلطة مدنية شرعية والذي لا يمكن أن يأبه للأطفال والنساء والشيوخ عبر الأوطان.

مقال خاص لصحيفة قريش –

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com