هشام استيتو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
تركيا في مواجهة ما اعتبرته تدخلا سافرا في شؤونها الداخلية، إذ بعد صدور بيان من عشرة دول طالبتها من خلاله بإغلاق ملف رجل الأعمال المعارض عثمان كافالا، والمعتقل احتياطيًا منذ حوالي أربع سنوات على خلفية اتهامه بالتجسس السياسي والعسكري وبالتواطؤ في محاولة انقلابية تصدى لها الأتراك في الشوارع بنفس الزخم الذي نزلوا به إلى الميادين معتصمين ضد الرئيس رجب طيب أردوغان، عندما كان رئيسا للوزراء في إطار ما عرف بحركة جيزي والتي تطورت من حركة بيئية احتجت على مشاريع مست حديقة، تحمل نفس الاسم، لتتطور إلى حراك سياسي كشف عن أهدافه المتمثلة في حماية قيم الدولة التركية الحديثة، من ما اعتبرته انتكاسة تدبرها قِوى قريبة من الحزب الحاكم ومن أجل إفراغ الديمقراطية التركية من محتواها.
أردوغان الذي استعمل لغة قوية للتعبير عن علاقة بلاده مع سفراء الدول العشر صاحبة البيان، أكد أن هؤلاء تعرفهم تركيا وسيعرفونها جيدا، أصدر تعليماته لطردهم من البلاد باعتبارهم أشخاصا غير مرغوب فيهم، وهو الإجراء الذي سيقابل حتما بتدابير مماثلة من الدول العشرة والتي من بينها فرنسا والولايات المتحدة، الحليفان اللذوذان لتركيا وزملائها في الناتو، والمتدخلتان الأكثر عراقة وسفورًا في الشأن التركي انطلاقا من القضية الأرمنية وليس انتهاء بالعلاقات مع إسرائيل، والقضية الكردية، وملف الطاقة والمياه والتوازن الدقيق مع إيران حول النفوذ في العالم العربي والحدود المسموح بها للتدخل في سوريا والعلاقات مع روسيا وغير ذلك من القضايا الحساسة.
الرئيس أردوغان الذي استخدام في أكثر من مناسبة مماثلة لغة قومية استعلائية، هو نفسه المؤمن بثوابت العلاقات الدولية المتوازنة والمؤسسة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الغير سبق أن أصدر تصريحات، وبيانات ومواقف، وتدابير عن الوضع في ليبيا وناكورني كرباخ، وقد دفعته الحمية العثمانية أحيانا إلى انتهاك السيادة السورية في أكثر من مناسبة.
إن مفهوم احترام الشؤون الداخلية للدول، عصي عن الخضوع للتحديد المعياري، وغالبًا ما تتحكم فيه قوة انتماء الدول لسياق نفوذ عالمي وقدرتها على فرض رؤيتها حول مسألة الشأن الداخلي ومدى مصلحتها في إثارته عالميًا.
وهكذا نلاحظ، أن الدول العشر، صاحبة بيان عثمان كافالا لم تتخذ نفس الموقف القوي إزاء تركيا في مسألة اغتيال الصحفي السعودي عدنان خاشقجي، داخل قنصلية بلاده في اسطنبول رغم وجود دلائل قوية على توافر تركيا على معطيات متعددة وحاسمة حول الحقيقة، كما لم تمارس أي ضغط على إسرائيل لإطلاقها سراح آلاف الأسرى الفلسطينين الموجودين في سجونها، تحت يافطة الاعتقال الإداري، وفيهم العديد من الأطفال، كما لم نجد لها موقفا من احتجاز عشرات الآلاف من المغاربة فوق التراب الجزائري باتفاق بين عناصر البوليساريو الإنفصالية والدولة الجزائرية المحتضنة لها.
وإذا كان هذا الاستقراء، يؤسس لحقيقة خضوع مبدأ عدم التدخل لمنطق الكيل بمكيالين، والخاضع بدوره لدوافع المصالح الوطنية، فإن المثير في الأمر هو حشد عشرة دول في موقف المطالبة بطيِّ ملف رجل أعمال وسياسي بشكل تجزيئي، وخارج سياق المؤسسات الدولية، في وقت توجد انتهاكات تُنسب لعدة أنظمة عبر المعمُور، بلغت في نمطيتها حدا يشكل بحق أساسا لتصنيف هذه الدول كمنتهكة لحقوق الإنسان.
إن حركة هذا البيان، ومع استعمال الرئيس أردوغان للغة التصعيدية والاستعلائية المشار إليها لن يفيد في شيء قضية عثمان كافالا ، ولا غيره بقدر ما يمكن الحزب الحاكم في تركيا والرئيس أردوغان نفسه من أسباب تنمية شعور قومي، ويضمن لهم نقاط قوة في أي مناسبة للبقاء في السلطة، خصوصًا وأن الأمر لم يمس بقواعد تبادل التفاعلات الدولية الغير القابلة للتجاوز، وهو ما يمهد أصلاً لفتح هوامش تبادل، بين تركيا والدول صاحبة النداء للوصول إلى توافقات وترضيات، تكشف الدوافع الحقيقية وراء مثل هكذا ضُغوط.
إن سلوك صانع القرار التركي المُحترِم لقواعد الاشتباك الدبلوماسي الثابتة منذ قيام الجمهورية التركية في علاقة الأخيرة مع محيطها، ورغم استلهامه في ردة فعله للتاريخ الوطني العثماني لم يأت إلاَّ في سياق استنهاض الطاقة الشعبية الداخلية، لذلك وجب التَّنبيه إلى مسألة مهمة وهي أن التدخل في شؤون الغير قد تكون له أثار عكسية وجانية وحاسمة في اختيارات الشعوب وإرادتها، لتبقى الطريقة السليمة هي مقاربة المواضيع في إطارها العام، والمجرد، والغير المشخصن وضمن المؤسسات الدولية.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة