د . فدوى أحماد
كاتبة من المغرب
ظاهرة الانتحار أضحت في المدة الأخيرة ذات اتساع يثير حزنا وألما وذهولا في كل الأوساط المجتمعية.
والانتحار هو كل الحالات المفضية إلى الموت.. ويفسره البعض على أنه عدوان ضد النفس، وهو في كل الأحوال يفسر العجز عن مواجهة الواقع، أو الفشل في التصدي لبعض الطوارئ أو اليأس الناجم عن عجز في التكيف مع المستجدات..
وظاهرة الانتحار تشمل جل الشرائح الاجتماعية وهذا ما توضحه جرائد وصحف ومواقع.. ولكن غالبية الحالات ترجع إلى تفشي العنف بمستوياته والمخدرات بأشكالها والإرهاب بتلوناته..
ظاهرة انتحار التلاميذ حقيقة صادمة تشكل عنواناً من عناوين الخلل التربوي والنفسي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي
ويربط بعض علماء الاجتماع ظاهرة الانتحار بالنظم الاجتماعية السائدة وينتهون إلى رصد ثلاثة من أنواعه:
· نوع أول راجع إلى أسباب ذاتية بحكم عوامل أسرية..
· نوع ثان ينعتونه بالانتحار الإيثاري المفروض من طرف جماعة..
· نوع ثالث ناجم عن فوضى واضطراب الجماعة..
وأما علماء النفس فيفسرون الظاهرة الانتحارية بكونها نتيجة تصادم غريزتي الموت والحياة.
وإذا كان الانتحار ظاهرة تشمل الشرائح والطبقات والأعمار منذ القديم، فإنها قد أخذت راهنا أبعادا جديدة بحكم التطور المادي القوي وضعف الاستمساك بالقيم الدينية؛ ولهذا فإن التربية على القيم الدينية المنزهة عن الغايات المادية لأمر مطلوب خاصة لدى الشباب والمراهقين..
وبناء عليه فإن الانتحار ليس نتيجة لضعف القدرات الذهنية والعقلية والنفسية بقدر ما هو تجرد من سلم التربية القيمية، وعندما يتجرد الإنسان من هذه القيم يسقط في كل أنماط الانحراف التي تقوده إلى المخدرات أو العزلة أو السرقة أو الانقطاع عن الدراسة أو الإحساس بالفشل لينتهي به الأمر إلى الانتحار بشقيه الأدبي والمادي..
ولعل ظاهرة انتحار التلاميذ حقيقة صادمة تشكل عنوانا من عناوين الخلل التربوي والنفسي والتعليمي والاجتماعي والاقتصادي..ويؤكد حاجة المدرسة المغربية إلى أنماط من المرافقة التربوية للناشئة؛ ذلك أن المؤسسة التعليمية في حاجة إلى خبراء في المجالات النفسية لمساعدة التلاميذ على الخروج من دائرة الاكتئاب ودوائر الاحساس بالفشل والخوف..كما تحتاج المؤسسة التعليمية إلى خبراء ومربين لمواجهة أنماط التحرش الجنسي الذي قد تكون له امتدادات أسرية أو عائلية.. وتحتاج المؤسسة التعليمية إلى مرافقة ذوي الاحتياجات والحاجات..
وإذا كان فهم ظاهرة الانتحار بأشكالها ونتائجها أمرا ضروريا فإن التدابير الوقائية لهي خير ما يمكن الاستناد إليه، وهذا يقتضي الالتزام بجملة تدابير منها:
· الحد من فرص الوصول إلى وسائل الانتحار كيفما كان نوعها ..
· نهج سياسة إعلامية رشيدة..
· تفعيل المرافقة التربوية في كل المؤسسات التربوية تفعيلا كاملا وتاما..
· محاربة كافة أشكال المخدرات والعقاقير المهلوسة وغيرها محاربة مستمرة شاملة..
· اعتماد التشخيص المبكر والعلاج المحين والرعاية المبكرة والمنتظمة للحالات الخاصة ..
· إعداد سياسة تربوية ملائمة ومضادة لكل أنماط السلوك المؤدية للانتحار داخل الوسط المدرسي..
· انتظام العناية للحالات التي سبق لها الإقدام على الانتحار وتحسيسها بدعم مجتمعي دائم..
نخلص من كل هذا إلى القول بأن الانتحار ظاهرة تسائل نظم التربية والتعليم والعمل والعدل والسياسة والإعلام..لكن الأولوية في كل هذا يجب أن تعطى لتأهيل المنظومة التربوية التعليمية، وتأهيل النظم الاجتماعية والأخلاقية نشدانا لتعميم الشعور بالأمن والاستقرار الأسري والنفسي والعاطفي وغير ذلك مما يحمي الأطفال أولا والفئات الشابة ثانيا من السقوط في هذا الأمر المؤلم، وهذا متوقف على تنسيق الجهود بين كل القطاعات المسؤولة في المجتمع.
مقال خاص لصحيفة قريش– لندن
عذراً التعليقات مغلقة