جبار عبدالزهرة
–النجف – العراق
هناك سعيّدان: سعيّد في العراق وهو مواطن عراقي من ايام زمان من الماضي القريب وكان وجيها اجتماعيا ميسور الحال وكان في المناسبات الدينية وخاصة عيدي الفطر وعيد الاضحي يقوم باعداد قدور المرق ويقوم بتفريقها على الناس ويبدو انه كان يخص الاطفال منها بحصة جيدة لذلك كانت لعادته هذه نكهة خاصة ومنزلة كبيرة لدى الاطفال وقبل العيد بيوم يتغنى الاطفال بكرم سعيد ويجوبون شوارع القرى والارياف والمدن وهم يصفقون وينشدون قفلة في مديح مرقته:- ( باجر عيد وانعيد وناكل مركة سعيد ) 0
اما في تونس فسعيّد هو الرئيس التونسي الثالث بعد الراحل قايد السبسي ومنصف المرزوقي الذي اصدر سعيد امرا بالقبض عليه من طريق شرطة الانتربول الدولية لوجوده خارج تونس بتهمة التخوين وذلك بعد تغيير حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي بفعل ما سمي في وقتها بثورات الربيع العربي في العام 2011م 0
لذلك في 25/تموز/ 2021م حصلت في تونس ازمة سياسية شديدة في حدتها على خلفية اتخاذ الرئيس سعيد بعض الاجراءات الاستثنائية السياسية وفقا لرؤيته الاحادية او لموقفه الشخصي في تحريك عجلة السياسة والادارة في تونس ضمن المسار العام لمختلف الاحداث الجارية في بلاده فاستغل وجود زمام الامور الاساس بيده وهو القرار السياسي العالي فقام بحل البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه واقالة رئيس الحكومة وتعيين رئيسة حكومة جديدة هي (نجلاء ) وكانت آلياته في استغلال الظرف من اجل تغيير الاوضاع لصالحه واقصاء ركائز الديمقراطية اشخاصا وافكارا وثقافة هي تمتعه بدعم واسناد من الجيش والقوى الامنية وبذلك فقد قبض سعيّد في يده على كل شاردة وواردة في محيط السلطات التنفيذية في بلاده0
غير ان هذا التفرد بالسلطة والدكتاتورية في اتخاذ القرارات لم يرق للشعب التونسي ولم يحز رضاه فقد نظر اليه الشعب على انه من الناحية السياسية ضربة قوية للتحول الديمقراطي لا بل انقلاب على الشرعية الدستورية والبرلمانية الذين ينشدهما اما من الزاوية الحقوقية فكانت نظرة الشعب له على انه اشبه بصخرة تحطمت عليها آماله في مجال تدهور الاوضاع المعيشية للشعب الذي ينشد توفر فرصة العمل والعيش الكريم والخدمات المناسبة بنوعية جيدة واسعار مناسبة والتي اضطربت مع تراجع قيمة صرف العملة التونسية ، لذلك خرج الشعب التونسي في مظاهرات حاشدة شارك فيها الاف بالشارع المحاذي لمقر البرلمان المنحل وسط العاصمة تونس للتنديد بالاجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيّد 0
كما رفع المتظاهرون شعارات تطالب بحرية التعبير وإسقاط الانقلاب ، وتجسيد مطاليب الشعب في محاربة ارتفاع منسوب البطالة واتساع رقعة الفقر وكذلك المطالبة بالعودة للمؤسسات الشرعية، ونددوا بالمسار الذي انتهجه سعيد وهم يرددون يسقط الانقلاب، وارحل، والشعب يريد ما لا تريد 0.
غير انه على رابية متصلة كان هناك جديد على صعيد السياسة والادارة التونسي تمثل في حديث رئيس الجمهورية عن قرب تحديده لفترة او فترات زمنية تنهي المرحلة الاستثنائية التي التوت وانحدرت فيها الاوضاع في تونس نحو الاسوأ وعلى مختلف الاصعدة وعلى اثر ذلك الحديث فقد انقسم التونسيون بخصوص النظر اليه وتقييمه الى قسمين قسم متفائل ويرى ان هذا الحديث يشكل انعطافة في السلوك السياسي للرئيس في التراجع عن موقفه الدكتاتوري وفي ذات الوقت سيشكل نقطة تحول جوهرية وحقيقية في مسار البلد نحو الاصلاح الديمقراطي والانفراج الاقتصادي 0
اما القسم الاخر فهو يرى عكس ذلك اذ ينظر الى حديث الرئيس على انه خطة خداع وتضليل لاستهلاك مجريات الامور لصالحه على المستويين المحلي الغاضب باكثره على جراءات الرئيس الذي جمع من خلالها جميع السلطات التنفيذية بيده ومن بين الذين يمثلون هذا القسم هم الذين ازيحوا من السلطة والذين يشعرون على ان ابعادهم عن مواقعهم السلطوية انما كان ظلما وعدوانا 0
وعلى المستوى العالمي الذي تمثل موقفه في ادانات ومخاوف لاجراءات الرئيس قيس سعيد وفي مقدمة الدول التي ادانت هي الولايات المتحدة الامريكية ومن المعروف عن الدول الاستعمارية الكبرى تدين أي اجراء داخلي او اقليمي او عالمي يهدد مصالحها في المنطقة وفي ذات الوقت تعرب عن مخاوفها منه حرصا على اطماعها في نهب ثروات الشعوب والسيطرة على عجلة اقتصادها والحركة التجارية في بلدانها لتصريف بضائعها وسلعها في مختلف هذه البلدان المتخلفة صناعيا لضمان الارباح الكبيرة عبر تصريف فائض القيمة في اسواقها المحلية 0
وتتفق الغالبية العظمى من الأطياف السياسية المحلية في تونس على ضرورة تعديل شكل نظام الحكم لضمان السلامة في العمل السياسي وادارة دفة شؤون البلاد بنجاح وكذلك تعديل القانون الانتخابي وقانوني الأحزاب والجمعيات لضمان شفافية في اي عمل انتخابي في المستقبل ولإيقاف نزيف التمويل الخارجي للأحزاب السياسية الذي يعني من بين ما يعنيه ارتباط هذه الاحزاب مع جهات خارجية لتنفيذ اجندتها داخل تونس وذلك من اجل الحفاظ على السيادة التامة واستقلالية القرار الوطني لان التمويل الخارجي لا ياتي دون شروط قاسية من قبل الممولين في رهن كافة مضامين القرارات الوطنية الاساس وغيرها للارادتها والدوران في فلك اهدافها دون قيد او شرط 0
وان ذلك سيشكل ضمانة حقيقية للخروج من عنق زجاجة الفشل الذي رافق العمل السياسي والاداري في تونس منذ اليوم الاول لسقوط نظام زين العابدين بن على لا بل هو يشكل امتدادا للانتكاسة العامة التي كانت تعاني منها تونس في ايام ابن علي وحالة احباط شعبية غير مسبوقة في تاريخ حياة الشعب التونسي الشقيق الذي اتمنى له من كل قلبي ان يتجاوز بنجاح منقطع النظير كل ازماته السياسية والاجتماعية والاقتصادية عبر تظافر جهود الشعب والحكومة من اجل بناء حاضر غني بالخير والسعادة واقامة صرح مستقبل زاهر بالرفاهية والرغد للاجيال القادمة
عذراً التعليقات مغلقة