بقلم: المراقب السياسي
منذ عقود بعيدة يلعب الزعماء العرب المتنفذون بالورقة اللبنانية المتاخمة للورقة الفلسطينية ، كما كان يفعل صدام حسين في دعم فصائل فلسطينية مسلحة او قيادات لبنانية ضد أخرى ، وكذلك جّرب معمر القذافي حظّه في بورصة الفصائل الفلسطينية في لبنان، ولم يكن التأثير الخليجي كبيراً بالرغم من العلاقات اللبنانية الخليجية الجيدة في الخمسينات والستينات، وكان التأثير الخليجي الوحيد البارز هو التأثير السعودي في التفاهم مع سوريا من اجل إنجاح مؤتمر الطائف ١٩٨٩ وانهاء الحرب الاهلية اللبنانية الني استمرت خمس عشرة سنة تقريباً .
بعد ذلك نزل حزب الله بقوة في المعادلة اللبنانية، لاسيما بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، ومن ثم تورط نظام صدام في غزو الكويت وانفراد ايران بساحة النفوذ في الشرق الأوسط. في تلك الفترة كان العرب في اوهن مراحلهم وبدأوا بالتقهقر والاعتماد على القوى الكبرى ميدانيا في ظنهم انها الضامن الأكيد من عدوان محتمل من نظام العراق بالرغم من انه خرج منهكا من حرب الكويت ومكبلاً بالحصار والعقوبات ولم تعد له طموحات إقليمية. في تلك المرحلة أفادت ايران من التمدد والتوسع والتمركز في لبنان ومناطق أخرى، ولم يكن التأثير السعودي بوصفه الأقوى خليجيا ذا مطاولة في محاصرة النفوذ الإيراني، بل ان السعوديين كانوا فرحين لسنوات كون رئيس الحكومة اللبنانية مواليا لهم من الراحل رفيق الحريري الى ابنه سعد الحريري، وهي مرحلة تراخ، وضخ استثمارات في لبنان من دون تعبئة سياسية ونفوذ استخباري مخترق. كانت سوريا حتى بعد اجبارها على الانسحاب من لبنان بقرار مجلس الامن، هي الأقوى نفوذا في الساحة اللبنانية وسارعت الى اعتماد تحالفها الجديد مع حزب الله وحركة امل من اجل التناوب في النفوذ والتخادم في المصالح. لكن اين كان العرب الاخرون، وماذا فعلت السعودية، لقد تأخرت كثيرا في قراءة المشهد واتخاذ القرارات المناسبة. لا شيء سوى ضخ أموال على غير هدى، ذهبت في تقوية النفوذ المناوىء للسعودية من دون ان تدري.
قضية المذيع / الوزير جورج قرداحي، تخدم الهدف السعودي في تغيير سياسته في لبنان والشروع بخطة الأمير محمد بن سلمان ولي العهد من خلال قرن الدعم بالنفوذ او بضمان عدم المساس بقضايا الامن القومي السعودي، وهي حرب اليمن ولا شيء سواها ، وان عدم الاصطفاف مع الرياض في هذه الحرب ليس شرطا كاملا اذا التزمت اطراف لبنان الحياد وعدم التدخل ، لكن القرار الاوضح هو ان يقترن الدعم بإظهار الولاء الصريح لفرز الخنادق، وهذا لم يحدث ، لذلك كان الافتراق ، وسيتعمق الى درجة الطلاق النهائي، وليذهب الخيار اللبناني المنحاز لمحور مناوىء للسعودية الى حيث يريد ، لكن الرياض لها رؤية أخرى ولن يزيد في إمكاناتها وقوتها ان يكون رئيس حكومة لبنانية مواليا وصديقا لها ، فتلك من أمور التزيين والزركشة السياسية التي عفا عليها الزمن ولا قيمة نوعية لها في حسابات الامن السعودي او السياسة الخارجية للرياض في الوقت الحاضر .
لكي تكون الامور واضحة لمَن على عينيه غشاوة، المسألة لا يمكن حلها باستقالة قرداحي ، ولا حتى استقالة الحكومة اللبنانية كلها ولن يتم حلها ايضا بالاستعطاف أو بوساطة امريكية او فرنسية، كل ذلك لن ينفع ومضيعة للوقت الثمين الذي يجري هدره. لا تغيير ممكناً اليوم في قرار استراتيجي سعودي، يدخل ضمن قرارات لاحقة اكبر واوسع ، خارج لبنان ايضاً .
انه الجواب النهائي من السعودية ليس لقرداحي ذلك السبب المباشر الذي سيطويه النسيان ، لكن لجميع الموالين لايران والحوثيين مادامت المدن السعودية تحت القصف عبر المعادين للسعودية في اليمن، حقا انه تغيير جوهري في رؤية اتخاذ القرارات، وهذا ليس من اختصاص الخارجية السعودية في قبول اعتذار او تسوية طرد السفير. هذا امر اخطر
انّها مرحلة تخلّص القرار السعودي من اوهام العقود الماضية والقراءات الناقصة ، فالقضية هي وجود سعودي أو لا وجود .
لكن من الضروري في هذا الصراع السياسي ان لا يكون الشعب اللبناني الموزع في دول الخليج باحثا عن لقمة العيش في رحى المطحنة.
عذراً التعليقات مغلقة