هل يجنب إثيوبيا الولاء للوطن شبح التشردم ؟

آخر تحديث : الأربعاء 24 نوفمبر 2021 - 9:55 مساءً
هل يجنب إثيوبيا الولاء للوطن شبح التشردم ؟

هشام استيتو 

unnamed - قريش

خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب

في هذه الأيام ينهار الولاء للوطن في إيثيوبيا، فبعد سنوات من الاستقرار مكن لها تحقيق نسبة نمو محترمة، وأذاع صيتها السلمي دوليا بعد تتويج رئيس وزرائها بجائزة نوبل للسلام سنة 2019، أصبحت تتصدر عناوين الأخبار، وتتناقل وكالات الأنباء العالمية أنباء الهجوم الكاسح لجبهة تحرير تغراي ضد الحكومة الاثيوبية.

وبربط الأحداث المتسارعة في إثيوبيا بتيمة الولاء للوطن والتي ماهي إلا صمام أمان الدول التي تنعم بالاستقرار، والذي يربأ بشعوبها عن الصراع والتطاحن، كما يحقق لها المناعة الذاتية من التدخل الأجنبي، باعتبار أن هذا الولاء يصب في بوتقة جامعة، تنصهر فيها مختلف مكونات المجتمع العرقية والدينية، وبشكل يصبح معه الوطن مجالا مشتركا يغني عن مبحث التعايش، لصالح مسلمة الولاء بما تفرضه من تسليم بالانصياع للقواعد الأساسية السائدة في رقعته الممتدة، وبشكل يفرض على المواطنين التفاني في خدمته.

إن تيمتي الانصياع والتفاني تحيلان حتما إلى التطابق بين المشاعر والمواقف، وتلغي الأنانية الطائفية أو العرقية، وكذلك الدينية، ولهما تنزيلات تسري داخل المجتمع بشكل أفقي وعمودي، حيث تتحدد العلاقة التبادلية بين النظام السياسي والشعب، وبين أفراد الشعب نفسه، لذلك يدبر الحكم بشكل ديمقراطي، وينعم المجتمع بالسلام والتنمية.

ولا يمكن في غياب هذا الولاء أن يتحقق شيء ممّا ذكر، مهما كانت البنية التحتية قوية، أو توافرت الثروات والموارد أو تمكن العنصر البشري من مقومات الذكاء والإبداع.

منذ قيام النظام الجمهوري في إثيوبيا فإن العامل العرقي كان له دور حاسم في تشكيل الخارطة السياسية في البلاد رغم التسميات التي اتخذتها الحركات والتشكيلات العسكرية والسياسية

لذلك يمكن تفسير التواتر الزمني لحالات الاضطراب والاستقرار في بعض الدول ومنها جمهورية إثيوبيا الفدرالية الديموقراطية، البلد الذي يبلغ تعداد سكانه أزيد من 110مليون نسمة، والذي حقق سنة 2016 نسبة نمو فاقت 8٪، والذي يتوافر على أكبر احتياطي للمياه في إفريقيا وتنبع من أراضيه عدة أنهار في أفريقيا، والذي يعاني رغم ذلك من مشاكل زراعية بسبب الجفاف الدوري الذي يضربه، مما دفعه إلى الرهان الصناعي، كوسيلة لتجاوز المشاكل الهيكلية التي يعانيها اقتصاديه، فإنه أيضا بلد ليس له منفذ بحري بعد انفصال إريتريا، ويتميز بالفسيفساء العرقي الذي يشكله، والمكون من أغلبية الاورومو التي ينتمي إليها جوهر محمد علي المؤثر صاحب قناة شبكة أروميا الاعلامية، والذي قامت اضطرابات عرقية بسبب كيله الاتهامات بالتربص والتضييق للحكومة المركزية والتي دفعت مناصريه إلى الخروج إلى الشارع في أكتوبر 2019 مما أدى إلى مقتل حوالي 70 منهم في مواجهات عرقية.

وتأتي عرقية أمهرة في المرتبة الثانية بواقع حوالي 26٪ من الساكنة وتعد لغتها هي الرسمية في البلاد، ليتوالى التوزيع العددي لباقي الأقليات بين صومالية وجيدو والاعراس وغيرها.

ومنذ قيام النظام الجمهوري في إثيوبيا فإن العامل العرقي كان له دور حاسم في تشكيل الخارطة السياسية في البلاد رغم التسميات التي اتخذتها الحركات والتشكيلات العسكرية والسياسية في البلاد، وهو ما أرخى بظلاله على مفهوم الدولة والولاء لها في إثيوبيا، ليتفجر الصراع الحالي على نفس الخلفية عندما أعلن إقليم تيغراي الذي تقطنه القومية التغارية المبالغة التعداد حوالي 7مليون نسمة، تنظيم انتخاباته بعد تأجيل بسبب تفشي فيروس كورونا، وكان الرد من أديس أبابا بوقف تحويل اعتمادات الميزانية المخصصة للإقليم وتتوالى الخطوات التصعيدية المتبادلة لتعلن جبهة تحرير شعب تيغراي الحرب على المركز وسط اتهامات مبطنة للأخير المدعوم من عدة دول خليجية وشرق أوسطية، للجبهة بتلقى دعم من مصر على خلفية مشروع سد النهضة.

هذه الأحجية المتشعبة والغير الخاضعة لمنطق السياقات الدولية المعروفة، والغير القائمة على سبب مقنع لاندلاع حرب أهلية لا تعكس إلا عمق الشرخ في الاحساس بالوطن والولاء له، بما عطل الضوابط السائدة في إثيوبيا والمتعلقة بتدبير الحكم والتداول عليه، وما حقق التدخل الخارجي، وهو ما سيعطل مسارات رهان التنمية المرسومة بشكل مضطرد منذ عقد من الزمن.

إن الدولة لا يمكن أن تحقق الاستقرار والتنمية إلاَّ عبر الولاء للوطن، وهو ما نشاهده في الدول الكونفدرالية، أو الفدرالية، أو حتى الدول البسيطة التي تحتوي على عدة قوميات والتي تنعم بالاستقرار بسبب قوة مفاعل الولاء للوطن، وهو ما لا يتناقض مع الاحساس بالشعور العرقي مهمى بلغت قوته، والذي بالمناسبة لا يمكن تذويبه مهما حاولت المراكز ذلك.

هذا الولاء لا يمكن أن يتحقق وفق نموذج مدرسي، ولا يمكن أن تقدم حوله وصفة للشعوب، ولا يفترض تصحيح تشوهاته بعمليات تجميل أو مساحيق، بقدر ما يتحقق عبر علاقة متقاطعة أفقيا وعموديا ضمن الدولة وبينها وبين المجتمع، ومصير ضياع هذا الولاء في التفاصيل العرقية أو الدينية هو حلول الولاء لهذه العناصر بدل الولاء للوطن، ومن ثم فإن مسألة التفكك تبقى واردة لأننا في الحالة الإثيوبية أمام عدة كيانات لا يمكن مع تنافسها التنبؤ بمدى إحساسها بذاتيتها، ولا إحساسها بالوطن ومفهومه بالنسبة لها، اللهم إلا إذا أراد المحيط الخارجي غير ذلك وهو الأمر الذي سيؤدي حتما إلى نزاع سيعيد البلاد إلى واقع تسعينات القرن الماضي

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com