محمد عياش
– كاتب ومحلل سياسي
يقول وزير الخارجية الأمريكي السابق جيمس بيكر، لقد وكُلت من الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش الأب ، بمهمة في الشرق الأوسط ، وكانت من أربعة محاور ، ومن بينها مناقشة الديمقراطية الأمريكية . وعندما صعدت الطيارة جاءني اتصال من الرئيس بتأخير المناقشة بالديمقراطية للأخير . وما أن أقلعت الطائرة ، اتصل الرئيس مجددا ً أن يلغى محور مناقشة الديمقراطية وبقية المحاور لتكون الجولة علاقات عامة فقط .
إن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك كل الإدراك أن مصطلح الديمقراطية مصطلح مقلق للغاية ، فهي لا تستطيع أن تتبناه وبالتالي لا تشكل فريقاً سيكولائيا ً لهذه الغاية ، لما له من مخاطر قد يحرجها أمام القانون الدولي أولا ً ، والمطالبين بالعدالة الغائبة التي تنتهجها واشنطن مع بعض شعوب الأرض ثانيا ً .
يصرخ سيناتور أمريكي مدافعا ً عن الأيديولوجية الأمريكية ، قائلا ً حذار من التمادي باستعمال المصطلح أي الديمقراطية ، حتى لا يكون دليلا ً أو أي مأخذ قانوني تتذرع به بعض الدول أو المؤسسات وبالتالي ربح القضية بسهولة .
تلعب واشنطن دوراً خبيثاً وخطيراً . تحاول أن تركب موجة الإصلاح والتغيير في المنطقة العربية . تتحدث عن حق الشعوب في الحرية والديمقراطية وتوجه رسائل عبر أركان هذه الإدارة عن ضرورة احترام إرادة الشعوب والأخذ بها، والانصياع لها .
من يتابع هذه المواقف يظن أنها تصدر عن جمعيات حقوق الإنسان أو عن الهيئات الدولية التي ترصد انتهاكات حقوق الإنسان في العالم، وليس عن الولايات المتحدة التي يحفل تاريخها الأسود بالعداء المطلق للشعوب وحقوقها في شتى أرجاء الأرض، ومارست أبشع وأسوأ ما يمكن أن يسيء للإنسان ويحط من كرامته ويهدر حقه في الحياة .
فالولايات المتحدة التي تحولت إلى داعية لحقوق الإنسان والحرية والديمقراطية لم تدعم إلا الأنظمة الدكتاتورية والقمعية في أمريكا الجنوبية وآسيا وإفريقيا، ولم توفر وسيلة إلا وقدمتها لهذه الأنظمة كي تشدد من قبضتها لخنق كل القوى المطالبة بحقها بالحرية والعدالة والديمقراطية على أرضها، بل مارست أبشع أشكال التآمر لإسقاط الأنظمة الديمقراطية المنتخبة شعبياً .
والولايات المتحدة لجأت لكل أشكال البطش والقوة والعدوان لقهر الشعوب وتحطيم إرادتها من خلال حروب مدمرة طاولت أكثر من بلد على مدى القرن المنصرم، وما زالت، وها هي تنصّب نفسها الآن داعية للحرية والديمقراطية .
أمر يدعو إلى السخرية . دولة هذا هو تاريخها وهذه هي ممارساتها توزّع النصائح في كل الاتجاهات داعية للاستجابة لمطالب الشعوب وتلبية حقوقها وتطلعاتها .
تدرك الولايات المتحدة أن دعواتها هذه لن تنطلي على الشعوب العربية، وهي لن تستطيع أن تجمّل وجهها من خلال أطروحات ومصطلحات مخادعة ومخاتلة .
الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة لها مواصفات محددة، أن تقترن بخيارات سياسية تلتقي مع السياسات الأمريكية في المنطقة، وتتلاءم مع متطلبات الأمن الإسرائيلي وتوسيع التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وحرمان الشعب العربي الفلسطيني من أبسط حقوقه المشروعة .
والديمقراطية هنا أن تكون بمقاييس أمريكية، وإذا لم تكن كذلك فالخيار الديمقراطي يتحول إلى عمل إرهابي (كما حصل في الانتخابات الفلسطينية عندما تم اختيار حركة حماس بأغلبية كبيرة ) ، أو إلى عمل انقلابي عندما تصل قوى معارضة للسياسات الأمريكية إلى السلطة .
الديمقراطية والحرية واحترام إرادة الشعوب في القاموس الأمريكي الذي ينفتح هذه الأيام بشكل غير مسبوق، هي استنسابية وتحمل السم في الدسم لإيهام الشعوب العربية بأن الولايات المتحدة تحمل همومها وتدعم قيام حكومات تلبي تطلعات شعوبها.
فماذا لو جرت تغييرات في هذا البلد العربي وجاءت أنظمة ديمقراطية بإرادة شعبية ومن خلال انتخابات حرة وشفافة، وكانت خياراتها السياسية تتعارض مع السياسات الأمريكية؟ فهل ستقف الإدارة الأمريكية مع الإرادة الشعبية وتؤيدها؟ وماذا لو كانت الخيارات هذه رافضة للسياسات الإسرائيلية الممعنة في العدوان والتوسع والاستيطان، هل ستأخذ الولايات المتحدة بهكذا خيار؟
من البديهي أن تقف الولايات المتحدة بقوة ضد هذه الخيارات، بل ستعمد بكل ما لديها من قوة لمواجهتها وإحباطها .
وهكذا، فالدعوات الأمريكية ليست أكثر من ذر للرماد في العيون، وهي أكذوبة لن تنطلي على أحد ، والدعوة لمؤتمر على أراضيها لمناقشة الديمقراطية ، لا يتحلى بالمصداقية التي تتطلع لها الشعوب المظلومة والمنكوبة من القرارات التعسفية ، بل إمعان باطلاع العالم على المستجدات للرؤية الدغمائية التي تتبناها سياسة وسلوكا ً ثابتاً لا يطرأ عليه أي جديد سوى تسويق وترويج القوة الأمريكية ومستجداتها أما المصطلح يبقى ظاهره جميل أما الحقيقة الولايات المتحدة كالبعوض الذي لا ينتج العسل .
عذراً التعليقات مغلقة