بسم الله الرحمة الرحيم
اليوم العالمي للغة العربية؛ يومٌ جليل18/ 12/ 2021
أ.د. يادكار لطيف الشهرزوري
في هذا اليوم الجليل؛ يومِ اللغة العربية أقول:
كلامنا لفظٌ مفيد كاستقم واسم وفعل ثم حرف الكلم
ثمّ أسأل: كيف تمكن (ابن مالك) وغيره من علماء العربية من صياغة النحو العربي نظماً بهذا الأسلوب المُسْتَرْسِلٌ ؟ فقد قيل: من البلاغة ما يكون في رصف الكلمات بحيث يؤدي جِرْسُها شطر المعنى.
أقول تمكّن من ذلك من خلال قراءته الكثيرة واطلاعه الواسع، أي موسوعيته، ويأتي القرآن الكريم قراءة وحفظاً من أهم المصادر التي تمّدّ المتكلّم بالفصاحة والقدرة على صياغة الأفكار وتقديم العلم بصورة محببة. من هنا قيل:
على من يَنشُد أن يكون بليغاً أن يقرأ القرآن كثيرا..
هذا الاطلاع الواسع، والإحاطة المتنوعة، يمكّن معلّم العربية، سواءَ أكان شيخاً أو أستاذاً جامعياً أو مدرساً أو معلماً من تقديم المادة للطلاب بطريقة واضحة ومحببة ومختصرة في الوقت نفسه، كما وجدنا ذلك عند كثير من علمائنا وشيوخنا السابقين. فهذا ابن هشام يشرح واو المعية فی مغني اللبيب بأربع كلمات؛ شرحها بمثال، قال: واو المفعول به كـ(سِرتُ والنيل).
مع العلم أنّ شرح درس واو المعية قد استغرق في بعض الكتب المدرسية أكثر من عشْر صفحات، وهذا ما يصعّب الأمر على الطلبة، ويجعلُهم ينفِرون من النحو أو من تعلم قواعد اللغة العربية.
وفيما يتعلق بالطلاب، فإنّ المتابعة وسعة الإطلاع والمثابرة في القراءة من أهم وسائل التعلم. فقد يسأل الطالبُ أو الطالبةُ: كيف يمكنني إتقان اللغة العربية والتحدثَ بها؟ وإذا سألته أو سألتها: هل تقرأ القرآن الكريم؟ هل قرأت كتاباً؟ أو رواية؟ أو نصوصاً شعرية بليغة؟ فيكون الجواب كلا.
لا يمكننا أن نتعلّم أي علم، ونتقن أيّ لغة من دون أن نتحرك ونقرأ ونسمع.. فقد التقيت برئيسة قسم اللغة العربية بجامعة سيؤل بكوريا الجنوبية في مؤتمر انعقد في أنقرة، سألتها عن طريقة تعليم الطلاب للغة العربية في قسمهم، فقالت في الجواب: لدينا طرق ووسائل من بينها حفظُ سور من القرآن الكريم في كل مرحلة من مراحل الدراسة.
قبل الختام أودّ القول إنّ العربية لغة حية، ولغة تواصل بين ملايين من البشر، لا تنحصر في عرق بعينه، بل هو لغة القرآن الكريم، ولغة الرسول الأكرم صلّى الله عليه وسلّم الذي أرسل للناس كافة. من هنا قال أحمد شوقي
وَما العَرَبِيَّةُ إِلّا وَطَن
ويقول أحد علماء اللغة العربية وهو مسيحي من لبنان: اللغة العربية هي الأمة والإنسان والوطن. اللغة الفصحى هي صلة وصل بيننا وبين العالم، لأنّها لغة لها مدلول إيجابي في معظم بلدان العالم، مثلاً في أمريكا هناك أكثر من ثلاثِ آلاف مدرسة تعلّم اللغة العربية، وفي الصين هناك مئات المعاهد التي تعلّم اللغة العربية، ونجد أمراً مماثلاً في كثير من الدول الأوروبية، فقد عرف العلماء والباحثون في هذه الأقطار المختلفة أنّ اللغة العربية هي مهد للحضارة، مهدٌ لحضارتهم.
وقد ذكر (جاك لانغ) رئيس معهد العالم العربي ووزير الثقافة الفرنسي السابق في كتابه: (اللغة العربية كنز فرنسا) أن العربية لغة علوم متنوعة وحضارة إنسانية عريقة وإبداع أدبي وفني ساحر، الأمر الذي يوجب تعليمها بعيدا عن الأفكار المسبقة. ويصر (لانغ) على القول إنّ اللغة العربية كنز تاريخي فرنسي على الرغم من كلّ ما يقوله مخالفوه عن الأفكار المسبقة للملك (فرنسوا الأول) ولآخرين من المستشرقين الفرنسيين اللاحقين. وفي تقديره، لم يكن من الممكن في تصور (فرنسوا الأول) خلال القرن السادس عشر استيعاب العلوم الإنسانية باللغتين اليونانية واللاتينية فحسب، وكان من الضروري توسيع الرقعة لتضم اللغة العبرية من أجل الأبحاث التوراتية واللغة العربية من أجل الفلسفة والعلوم.
عذراً التعليقات مغلقة