منع المحامي من ولوج ميدان عمله الأصيل.. سابقة لم يعشها المغرب ولو في ظل سنوات الرصاص.. لكن يعيشها الآن مع جواز التلقيح
هشام استيتو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
أن يمنع المحامي من ولوج ميدان عمله الأصيل لا يعد فقط ردة حقوقية وتراجعاً عن المكتسبات التي راكمها المغرب في مجال الحريات العامة والحقوق الأساسية بل يتجاوز ذلك إلى الاستقرار السياسي الذي حققه المغرب بنجاح في مرحلة ما بعد 2011 السنة التي تؤرخ لدستور المغرب المتقدم نسبيا حقوقيا.
وسبب المنع هذه السابقة التي لم يعشها المغرب ولو في ظل سنوات الرصاص هو دورية صادرة عن الإدارة التنفيذية المسؤولة عن المحاكم والتي يوجد على رأسها محامي، والرئاسة المنتدبة للسلطة القضائية ويوجد على رأسها متمرس في سلك القضاء والادارة العدلية وله إسهامات علمية في الميدان القانوني إضافة إلى رئيس النيابة العامة الجهاز الذي يفترض أنه يحمي النظام العام ويدافع عن الحق والقانون.
هذا الثلاثي الغير الغريب عن قطاع العدالة وقع في خطأ قانوني فضيع عندما قبل أو أبدع فكرة فرض الجواز الصحي كشرط لولوج المحاكم، وطرح فرضيتي الخطأ بقبول الإملاء بهذا الشرط من الجهة الحكومية أو الإبداع ذاتيا له يوضح نسبية استقلال السلطة القضائية في المغرب اليوم.
هذه الاستقلالية التي ما فتئ يناضل من أجلها المحامون المغاربة عبر مؤتمرات جمعية هيئاتهم وفي مختلف المحطات يبدوا أنها تحتاج لوقفة عميقة من النقد والتمحيص لأن العنصر الأساسي في الاستقلال والمتمثل في عدم الخضوع لاملاءات الغير أثبتت مسألة الجواز الصحي عدم توافرها.
والتعبير بمصطلح الاملاءات ليس من باب التطرف في التعبير أو المبالغة في الحديث عن وسائل التنسيق بين السلط لأن الحكومة هي السلطة المعلنة لحالة الطوارئ الصحية في وقت لا يضمن القانون إخضاع هذه التدابير للمراقبة القضائية إلا من باب القواعد العامة التي أثبتت صعوبات هيكلية تتعلق بالاختصاص والتكلفة عدم نجاعتها.
هذه الجزئية تحيل على الخلل الدستوري الذي يحقق التوازن بين السلطات مما جعل السلطة التنفيذية هي المسيطرة على السلطتين التشريعية والقضائية بدليل فرض ما أملته هذه السلطة على السلطة التشريعية من وجوب إدلاء النواب والمستشارين للجواز المفروض الآن على المحامين والقضاة وغيرهم من مساعدي العدالة قصد الولوج إلى المؤسسة التشريعية.
إن من نظر للفصل بين السلطات انطلق من فكرة التوازن بينها وأليات ضمان عدم مساس إحداها بنطاق تدخل الأخرى وأي دستور مهما كان دقيقا وشاملا فإن نواقص التنزيل والممارسة تكشف عيوبه، ولعل أهم عيب هو عدم تحصين السلط بتحديد خصوصيات حالة الطوارئ ودور كل منها في فرضها ومراقبة القضاء على الحكومة في فرضها.
وعلى الرغم من الخلل البنيوي الذي يؤسس لشكلية استقلال السلطة القضائية وهو الأمر الثابت بما يحدث منذ يوم 20ديسمبر/كانون الأول في محاكم المملكة فإن السلطة القضائية في بلادنا تتحمل مسؤولية الدفاع عن استقلالها ولها من الكفاءة العلمية ما يؤهلها لذلك وستجد السند التاريخي في هيئة الدفاع الذي انخرط بكل تلقائية في الدفاع على المبادئ الكونية لحقوق الإنسان وحقوق المواطنين في احترام كرامتهم وارادتهم المعبر عنها بالقانون الذي تعتدي عليه السلطة التنفيذية بقرارات جائرة وبعيدة عن المشروع المجتمعي المغربي.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة