قصة قصيرة
شطحات الدراويش
رشيد سكري
قاص من المغرب
يكفيني مع هذا الرسم أن تستدير و تدور مثل خذروف في يد الصبايا . وكان هرجهم ومرجهم يملأ المكان ؛ فيظهر لك أثر على لوحة مجهولة النسب والمصدر .
أن تباعد بين حرف وآخر ، أو أن تجعل من كوشات ألوان إيقاعا تتناغم فيه أصواتا ، وتتصادى بعيدا بين الظل والماء .. في هذا المرسم الكائن في شارع ليوطي عند الانعطافة العظمى المطلة على إقامة ماري دي بيريز، وجدنا ، أنا وهو ، المرأة التي نبحث عنها .
جنون و أناقة …
هكذا مليئة ببهاء … وجمالها يعج بفراغات كخط عربي قديم . وجهها تتوسطه شامة عسلية كغرة فرس لاغب ، ألغبته فلاة وفياف . نادلها رجل عجوز أشمط الشعر يرتدي قفازات بيضاء . رفع عينيه ، في اتجاهنا ، يعلوهما حاجبين كثيفين . وقال :
ـ أي خدمة ساداتي الأعزاء ؟
أجابه صاحبي ، بصوت خفيظ
ـ رسامون ، سيدي ، نبحث عن لوحة تضارع جوكاندا دفينتشي
تبسم على ثنيتين فضيتين ، و أخد يخطو إلى الوراء وعبراته حسام وجد لا يخطئ بها صاحبته . رفع قبعته عاليا ، ودار حول جسده المهزوز في رقصة الدراويش… وانحى كراقص البالي إجلالا لهذا الثغر المبسام .
على السجاد المزخرف ، تناثرت حبات اللؤلؤ بدوائر تضيق على شكل بتلات داخل نجوم سداسية … أرخت المرأة رجليها البضتين على المصطبة ؛ فارتفع فستان أليغرا الفاتن إلى الأعلى من ركبتيها … فتسارع نادلها إلى خفضه ، وابتسامته لم تبرح وجهه المدور الداكن.
هزت كتفيها إلى الأعلى قليلا ، فاستدارت بوجهها نحو زخارف هندسية مشنوقة على جدار فسيفسائية …
ـ ها هي لقطة العمر … إنها السعادة ,وأنت تباشر رسما في مرسم تعبت من أجله أياما وليالي…
ابتسمي … سيدتي …
ابتسمت ، فكانت لوحة شديدة التناسق و التوافق .
القصة خاصة لصحيفة قريش -ملحق ثقافات وآداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة