البطولة الكروية في قطر: أهي كأس العرب.. أم مجرد قدح؟

آخر تحديث : الإثنين 6 ديسمبر 2021 - 10:50 مساءً
البطولة الكروية في قطر: أهي كأس العرب.. أم مجرد قدح؟

هشام استيتو 

0 - قريش
هشام استيتو

خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب

تُفرِّق اللغة العربية الجميلة بين الكأس والقدح، فالقدح ما كان فارغًا، والكأس ما استوعب شرابا.

بمثل هذا تتميز العربية بغناها في المترادفات، بل هي من أثرى لغات العالم إحصائيا بذلك، وما الأمر إلا تنوعا في استعمال الألفاظ بدقة وتفصيل لبيان الأحوال واختلافها.

وللعرب اليوم عدة كؤوس، ولا أجد في استعمالهم اللغوي لكلمة “قدح” إلا اللمم، حتى أصبح اللفظ مهجورا.

حتما سيعتبر البعض أن الانتباه لمثل هذه الفروق هو من باب النقاش الغير المفيد، ما دام أن السائد اليوم هو العمل بحكمة “خطأ شائع خير من صواب مهجور”، لكن ما شدني بخصوص بيان الفروق بين الكأس والقدح، هو المناسبة بشرطها المتمثل في تنظيم قطر لكأس العرب، وهي على أبواب تنظيم تظاهرة رياضية أكبر وهي كأس العالم.

ومن باب الدقة عند التطرق لموضوع، محاولة الإحاطة بتحديده اللغوي، وإن كانت هذه الأسطر لا تسعفنا مطلقا لإتباع هذا المنهج الأصيل، فإن رصد بعض جوانب هذه “البطولة الإقليمية” يمكن ان يعتمد إلى حد ما على الدلالة المصطلحية وإسقاطها على واقع الموضوع لنخلص الى ما يجب أن تسمى به هذه البطولة والتي لا تعدو أن تكون “قدح العرب”.

هذا الواقع لا يمكن قراءته في معزل عن سياقات أخرى، تتظافر جميعها لتأسيس حالة تخلف شامل تعيشها هذه المنطقة، المجاورة لمناطق بالغة التقدم والحضارة، مما انعكس على بطولاتها الرياضية.

ففي الجوار العربي الشمالي والشمالي الشرقي، أصبحت الرياضة عموما وكرة القدم على وجه الخصوص نشاطا منتجا للثروة والمواقف، وموجه للسلوك البشري، يتضمن نسقا إقتصاديا تقدر حركته المالية بملايير الدولارات.

كما تبدل الدول مجهودات قيمة من أجل الرقي بالقطاع الرياضي بالنظر لما يحقق من تجويد للصحة العامة، وتأطير للشباب، واستيعاب لأيدي عاملة وترويج لقطاع إعلامي هائل، فضلا عن استيعاب كفاءات الطب الرياضي، والوساطة الرياضية، والتشغيل الرياضي، والوسائل البديلة لفض المنازعات الرياضية، إضافة الى تحقيق بنية تحتية رياضية هائلة تمول بطرق لا تحمل الدول أي عبء إضافي.

لذلك تجاوزت الرياضة في هذا المحيط منطق الهواية والذي بدوره تجاوز منذ قرون منطق اللعب، وأصبح روح الاحتراف هو السائد، الأمر الذي انعكس على الرياضة في روسيا وكوريا الجنوبية واليابان وأوروبا، وأصبحت هذه الدول والتجمعات تسيطر على سوق الرياضة العالمي مع الامريكيتين.

والمقصود بهذا السوق ليس النتائج الايجابية فقط بل تشمل صناعة المعدات الرياضية، وبناء الملاعب الجيدة، وتنظيم التظاهرات بشكل ناجح، وتمكين الجماهير من الولوج إلى هذه السوق، وعدم حرمانها من الفرجة الرياضية، وتحيد هذه الفرجة من المضاربة، وتوظيف الفرجة الرياضية للترويج للسلع والخدمات والأفكار، وضمان وسائل عادلة للتمويل الرياضي وجني الأرباح.

لذلك أصبحت الرياضة تساهم في النمو الاقتصادي لهذه الدول وبشكل أقل في النمو الاقتصادي المتعثر للدول العربية، ويكفي إجراء بحث بسيط عبر احدى محركات البحث للوقوف على مدى هذه المساهمة في كل جانب.

إضافة الى ما ذكر فإن للرياضة بعدا سياسيا يترجم في مواقف الدول من الأنشطة الرياضية، وهوما تحقق في أكثر من مناسبة، على سبيل المثال لا الحصر استبعاد جنوب افريقيا من المنافسات الرياضية منذ الستينيات إلى غاية تسعينيات القرن الماضي، وما حققته لعبة كرة الطاولة من تقارب بين الصين والولايات المتحدة، إضافة الى استبعاد العراق من دورة دمشق للألعاب العربية سنة1992 بسبب غزو الكويت، ومقاطعة66 دولة للألعاب الاولمبية لسنة 1980 المنظمة بموسكو احتجاجا على الغزو السوفياتي لأفغانستان.

يمكن أن تحقق هذه الدورة مكاسب لقطر

التي تناور بها في إطار الإعداد لكأس العالم

بناء على كل ذلك يحق لنا أن نتساءل عن موقع كأس العرب المنظم الأن في قطر من التنمية الاقتصادية أو التسويق لموقف سياسي موحد نابع من مصلحة مشتركة؟ وهل في هذه المناسبة انعكاس على الرياضة عند العرب؟

بداية نشير أن مستوى التمثيل في المنتخبات المشاركة في بطولة كأس العرب لم تتجاوز منتخبات الدرجة الثانية، وهي المنتخبات القادمة من جامعات واتحادات رياضية تتميز بنظرتها الهجينة للرياضة أو لم يكتمل بعد نضج رؤيتها للرياضة كنشاط احترافي، وبالتالي فإن مثل هذه المشاركات لن تقدم الجودة المنشودة التي يمكن أن تؤثر على سوق الرياضة، أو تضيف إليها قيمة.

فضلا عن طبيعة المنافسة الانتقائية التي لن تفرز بطلا فعليا لهذه المنافسة، إضافة إلى أن العرب لم يحسنوا توظيفها سياسيا، لا من خلال الترويج لقضاياهم العادلة أو من حيث التهيئ لتحقيق تقارب بين المتناقضات الكثيرة بينهم.

 كما أن قرار المشاركة  في هذه الدورة لم يكن عربيا بل كان تحت الوصايا التنظيمية للفيفا، وبالتالي فإن مشاركة جنوب السودان لا معنى لها دون فتح باب المشاركة لدول القرن الافريقي وتشاد ومالي ولما لا ايران وتركيا ومالطا، إضافة الى هزالة التغطية الاعلامية والتوظيف القطري لتفوقها الاعلامي في المنطقة لمصلحتها الضيقة وبعيدا عن أية رؤية جماعية.

لذلك يمكن أن تحقق هذه الدورة مكاسب لقطر التي تناور بها في إطار الإعداد لكأس العالم وهذا ليس عيبا، لكن العيب هو الاستمرار في منهج رياضي عربي خارج السياق الزمني الكوني، وإهدار فرص التقارب الإقتصادي والتعاون الوظيفي، من خلال إهدار مناسبات مثل هذه في زمن كثرت فيه المشاكل البينية العربية والداخلية كذلك في هذه الدول.

الامر في محصلته يمكننا من الجزم أن الطريق طويل بيننا وبين “كأس العرب”، كل ما هنالك اننا في زمن يمكن ان نسمي فيه هذه البطولة ب “قدح العرب”، وذلك لان محتواها فارغ ولا تتجاوز منطق اللعب والهواية في زمن اصطلح الناس على تسمية الكؤوس الدولية للأنشطة الاحترافية ذات الابعاد الفوق رياضية. 

   مقال خاص لصحيفة قريش – لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com