j
منير دوناس
كاتب من المغرب
يعد لبنان من أكثر دول الشرق الأوسط تقلبا خصوصا في العقدين الأخيرين، وعدم
الاستقرار هذا يعود لأسباب متنوعة ومختلفة: سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية…
ان المتأمل في وضعية لبنان الخمسينات والستينات سيرى حتما اختلافا كبيرا على ما هو
عليه في بدايات الألفية الجديدة، اذ كان قوة سياسية رئيسية في الوطن العربي والشرق
الأوسط، بل كان له تأثير دولي متميز وفارض ذاته في الكثير من الأمور.
وهناك بعض المميزات أو ممكن أن نسميها أيضا أوراق رابحة اذا ما أحسن استثمارها مثل:
– موقع استراتيجي غاية في التميز
– جالية كبيرة منتشرة حول العالم والتي تقدر بضعف عدد السكان
– توفرها على اقتصاد ثقافي وفني غني ومتنوع
– طاقات شابة هائلة في مختلف الميادين والتخصصات
الا أن بلاد الأرز تبقى عرضة للكثير من الأطماع خصوصا في السنوات الأخيرة الى يومنا
هذا، من دول عربية ومتوسطية اضافة الى دول أوروبية، وناهيك عن التغلغل الايراني
الدائم والذي يبقى علامة استفهام كبرى، فكيف ترفض بلاد فارس التدخل في شؤونها
الداخلية وهي تقوم بنفس الفعل في لبنان وبلدان أخرى، وهذا يعتبر ازدواجية خطيرة جدا.
وهذا من أكثر الأسباب التي أغرقته في مجموعة من الصراعات والنزاعات القبلية
والطائفية والتي نتج عنها مجموعة من الاثار السلبية والتي لا زال الشعب اللبناني يحصد
نتائجها الكارثية مع كامل الاسف.
ومن أكثر الأشياء التي تثلج الصدر هو ما يتوفر عليه من “رأسمال ثقافي وفني” وهو
ما يجب استثماره ايجابيا أكثر من أي وقت مضى باعتبار هذا الثنائي من أكثر المجالات
التي تقرب بين الشعوب وتعطيها حظوة بين الأمم الأخرى وما أصبح يعرف في عصرنا
هذا ب” القوى الناعمة” بوصفه شعبا مبدعا ومنتجا للفنانين بسخاء، وخزانا للفن الجميل
والأصيل، وهذا يعتبر نقطة رابحة يجب العمل على استثمارها بنجاعة كبيرة اليوم قبل الغذ.
ان بلد فيروز أصبح مطالبا بنقد ذاتي شامل من أجل تغيير ايجابي، وكذا تحسين
الكثير من الأشياء، اضافة الى الضرورة القصوى في مراجعة الكثير من النقاط ذات
الأهمية الكبرى من خلال استراتيجيات مدروسة ومدققة.
ان من كنوز هذا البلد، الشباب والذي من المستعجل جدا اشراكه في قادم الاستحقاقات
والاصلاحات، والذي بقي لعقود طويلة بعيدا أو مغيبا بالأحرى عن الشأن العام.
وقد حان الوقت لمصالحة شاملة بين كل القوميات، الطوائف، العرقيات… ونبذ جميع
الخلافات والنزاعات، والبدء في صنع المستقبل المشترك.
وأيضا سيكون أمرا حسنا ومبادرة رائعة من الجاليات اللبنانية حول المعمور أن تساهم في
بناء وطنها الأم وخصوصا أنها جاليات مؤثرة عالميا و”عابرة للقارات” وبعضها يعتبر من
من الأقدم عربيا وحتى قاريا، وخصوصا الموجودة في أمريكا اللاتينية والشمالية ونواحيهما
والتي أسس لها عن طريق “رابطة أدباء وشعراء المهجر” عبر مجموعة من الأدباء
ونخص بالذكر الثلاثي الشهير والخالد الذكر: ايليا أبو ماضي، ميخائيل نعيمة وجبران خليل
جبران والذين أعطوا لها اشعاعا دوليا، اضافة الى شعراء وأدباء اخرين، حيث توجد جالية
لبنانية كبيرة في دول بعينها مثل: كندا، الولايات المتحدة الأمريكية، البرازيل، الأرجنتين
المكسيك، تشيلي…
كما أن بلاد ماجدة الرومي أصبح مدعوا لمراجعة علاقاته الخارجية، بداية بالاقليمية منها
وأيضا على مستوى تواجده في المنظمات الدولية وعلى رأسها الأمم المتحدة من أجل اعادة
الاعتبار الفعلي للمكانة الدولية لهذا البلد: عربيا، متوسطيا، اسيويا… والتي خفت بريقها
بشكل مهول.
وتتطلب هذه الفترة بالذات سياسيين بمواصفات خاصة ويتسمون بالحكمة والروية حتى
يتمكنوا من قيادة هذه المرحلة الانتقالية الحاسمة بتميز واقتدار، وما أحوج هذا البلد العريق
الان بالخصوص الى أمثال شكيب أرسلان ورفاقه.
وما أروع هذه المقولة المعبرة “ستظل جبلا شامخا ترنو لك الأرواح، وتتعلق بك القلوب،
وتشخص لك الهمم مهما أثخنتك الجراح يا لبنان”.
ان الدول الكبرى مهما مرت من أزمات وفترات تذبذب فانها تعود حتما الى سابق ازدهارها
وأمجادها، وهذه قاعدة تاريخية واستنادا الى المقولة الشهيرة “الدول العريقة تمرض ولا
تموت”.
اهداءا الى الشعب اللبناني الشقيق العظيم
عذراً التعليقات مغلقة