هشام استيتـو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
على أرضية ملعب “الثمامة المونديالي”، تقابل الفريقان المغربي والجزائري في مباراة ربع نهاية كأس العرب، بعد أسبوع كامل من الاستعدادات والضغط الهائل في صفوف المنتخبين، والتكهنات في صفوف المراقبين والجماهير.
كان للفترة السابقة لتوقيت مباراة الأمس دور حاسم في تحديد تصورات قبلية عن ملامحها، بالنظر لما عاشته المنطقة من تصعيد متعدد الأوجه في العلاقات البينية المغربية الجزائرية، بسبب مواقف أحادية اتخذها النظام السياسي الحاكم في الجزائر والمتوجة بقطع العلاقات بين البلدين بمبادرة جزائرية لم يرد عليها المغرب.
و”الثمامة” هي عشبة من فصيلة النجيلية تشبه النخل وتنمو إلى حد مائة وخمسون سنتمترا، والراجح أن الملعب الذي عرف المقابلة سمي بسبب الموقع الذي يعرف انتشارا لهذه النبتة، إلا أن للفظ معاني أخرى يعبر بعضها عن زوايا مختلفة لمقابلة الأمس، ولكل أن يجتهد في تقمص الإيجابي من المعاني ويربأ بسلوكه عن السلبي منها.
إذ يمكن أن نعتبرها “ثمامة” النظام العسكري الغارق في الرمال المتحركة إجتماعيا وسياسيا واقتصاديا في الجزائر، ما دام أن من معاني “الثمامة” ما يلتمسه الغريق للنجاة، وهي في ذلك مرادفا للقشة.
فوسط بحر من الطبول التي تقرع في المرادية إنذارا بحرب شعواء لا يتردد بالتلويح بها كبار الساسة في الجزائر ضد “دولة من شمال إفريقيا” يستنكفون حتى على ذكر اسمها في خرق سافر لقواعد اللباقة الدبلوماسية، تجلت الأواصر القوية بين الشعبين على الأرض في “ثمامة” تعلق بها النظام الجزائري الغريق في المشاكل الداخلية والإقليمية لتغرد رموزه على وسائل التواصل الاجتماعي بما يحيل إلى انتصار يتجاوز البعد الرياضي إلى أبعاد أخرى، مما يجعل هذا النظام الغريق يتعلق بقشة مهما كانت متهافتة.
وعلى النقيض كان الجمهور مستمتعا في ظل “الثمامة” الوارف بمباراة كروية، ولم يصدر من أي من الجمهورين المغربي والجزائري ما يعكر صفو الروح الرياضية، أو يخرج المباراة عن سياقها العادي.
ما عُزِفَ بداية هو النشيد الوطني المغربي والذي رددته عناصر الفريق الوطني الرديف بنبرة قوية، تماما كما فعل عناصر الفريق الجزائري عند عزف النشيد الوطني الجزائري، وبعد استيفاء البرتوكول المتبع انطلقت مباراة متكافئة بالنظر لمحاولات التهديف والفرص المتاحة لذلك، حتى تمكن الفريق الجزائري من التهديف بضربة جزاء، أعقبها في الدقيقة الموالية هدف التعادل المغربي، لتستمر المباراة بنفس الإيقاع، وتختتم بضربات الترجيح التي أفرزت فوز الفريق الجزائري.
لم يصدر من أي من الجمهورين المغربي والجزائري ما يعكر صفو الروح الرياضية، أو يخرج المباراة عن سياقها العادي
ألف مبروك للجزائر؛ هذا ما يتوج مسار المباراة التي عرفت روح رياضية متبادلة تخلدها صور العناق بين اللاعبين، وصور المشجعين وهم يتبادلون التهاني حاملين أعلام البلدين، هذا هو حجم المناسبة التي عرت تيه عسكر الجزائر والأحقاد المجانية أمام أواصر العلاقات بين الشعبين.
فلا يمكن لقطع العلاقات بين بلدين أن يقف ضد إقامة مباراة كرة قدم، ولا يمكن أن تتحول هذه المباراة إلى حلبة عنف أو مسرح لتجسيد القطيعة، أو ترديد شعارات العداء، كما لا يمكن أن تُعاكس اختيارات الشعوب خلالها.
فالسياسي الجزائري مهما حاول توظيف القضايا العربية القومية في خلافه مع المغرب فهو لم ينجح لأن واقع مدرجات الملاعب يؤكد أن كلا الجمهورين الجزائري والمغربي حمل العلم والكوفية الفلسطينية، كما حمل الجمهور المغربي علم بلاده، والجزائري أيضا، وتم حمل علم الثقافة الأمازيغية، لكن لم يحمل أحد علم ما يسمى بالبوليزاريو، لأن لا أحد في الجزائر يعاكس وحدة المغرب الترابية غير العسكر، بل أن الشعب الجزائري ما زال يكتوي بنار البوليزاريو منذ السبعينيات، وهو ما يجعلني أستحظر معنى ثالث للفظ “الثمامة”، وهو الإصلاح، لأن المدرجات في مباراة الأمس أثمت ما حاول عسكر الجزائر إفساده بين الشعبين على امتداد عقود.
وعلى الرغم من التخلف الذي يطبع البطولة العربية لأن التقدم الكروي لا يقاس بالتطاول في البنيان بقدر ما يقاس بالمضمون الإبداعي للعبة ومردودها الإقتصادي، فإن تعاطي الجمهورين في مدرجات الأمس تعد نقطة تحسب للبطولة وللشعوب العربية المؤمنة بأوطانها والتي يحق لها الحياة على أرضها والتنعم بخيراتها، ومد جسور التواصل بينها.
ويبقى للنظام في الجزائر بعض الثمالة (وليس الثمامة) في قدح العرب، انتشاء بنصر حققه أبناء الجزائر الشقيقة، وليأخذ العسكر هذه الثمالة على أن يتركوا لشعبهم ثمامة الدوحة ليستظلوا بها، ويصلحوا من خلالها ما أفسدته سياسة العسكر، أملا في تحويل الإقليم الجزائري إلى “ثمامة” أخرى كما نفعل اليوم في جميع الإقليم المغربي من طنجة إلى الكويرة رغم صعوباتنا الذاتية والتي نسعى إلى تجاوزها، ومنهجية المعاكسة التي ما فتئ عكسر الجزائر يضعونها في وجه المغرب، وبكل روح رياضية أقول للشعب الجزائري ألف مبروك.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة