التأویل ومفهوم انفتاح النص

التأویل ومفهوم انفتاح النص

آخر تحديث : الأحد 16 يناير 2022 - 2:02 مساءً

أ.د. يادكار لطيف الشهرزوري

thumbnail دكتور يادكار - قريش

كلية اللغات، جامعة صلاح الدين – أربيل

يفهم بعض الباحثين أنّ النص المفتوح يأتي بمعنى فتح النص على مصراعيه والتعمق في عملية التأويل بلا قيد ولا شرط.. . هذا الانفتاح بهذا الإطلاق معدوم عند التأويليين، بمن فيهم جاك دريدا، بوصفه بانی التفكیكیه‌ ومۆسسها.. . من هذا المنطلق، ومن أجل منع الانحراف التأويلي صاغ (فولفانغ ايزر) أحد رواد نظريات التلقي مفهوم الإشارات النصية المضيئة لعملية القراءة، تلك الإشارات النصية التي يسمّيها (رومان إنجاردن) بالمظاهر التخطيطية للنص، وهي توجه نشاط القارىء وتمنعه من الشطحات التأويلية ومن إنطاق النص بما لم يقله. . وتكون هذه المظاهر التخطيطية بمثابة تحديدات مسبقة لأسلوب ظهور الموضوعات المتمثلة، ولكنّها تكون كامنة في العمل (في حالة تأهب)، ولذلك فإنّها تتطلّب تعييناً يجلبها إلى حالة تحقق فعلي، لأنّ النص – وفق تعبير أمبرتو إيكو – آلة كسولة، تحتاج إلى إعانة القارئ التي تتحقق عندما يملأ القاريء المظاهر التخطيطية بمظاهر عيانية قد عاينها في خبراته الخاصة السابقة وبذلك يجعلها موضوعاً لخبرة عيانية”([1]). وهذا ما يعني أنّ القراءة عملية دينامية مستمرة([2])، ولا يفصح النص عن ذاته إلاّ حين يعاد النظر إليه في سياق إعادة القراءة([3])، “لذلك فإنّ تجربة القراءة الأولى تصبح أفقاً للقراءة الثانية، إنّ ما استوعبه القاريء في سياق الأفق المطّرد للملاحظة الجمالية يصبح قابلاً للتعبير عنه في سياق الأفق الاسترجاعي لعملية التفسير الحرفي”([4]).

تنطوي عملية التلقي وفق هذا المنظور على بعدين، أحدهما الأثر الذي ينتجه العمل في القاريء، والآخر كيفية استقبال القاريء لهذا العمل واستجابته له، إذ إنّ “أسلوب تأسيس بنية العمل الأدبي كنتاج نشاط قصدي للمؤلّف، يكمن في كونها صياغة تخطيطية تحتاج إلى تعيُّن يتمّ فقط عندما يتأسّس الموضوع الجمالي من خلال العمل الأدبي. ولذلك فإنّ العمل الأدبي كبنية قصدية تخطيطية، يكون قاصداً، أو موجّهاً نحو القاريء الذي يقوم بتعيين بنية العمل الأدبي بهدف تأسيس الموضوع الجمالي الذي به يبلغ العمل الأدبي تحققه التام”([5])

من هنا وتأسيساً على أفكار إنجاردن، يميّز ايزربين الجوانب الفنية والجمالية للنص، لإبراز العلاقة الجدلية بين النص والمتلقي، فيجعل له قطبين؛ فني artistic وجمالي esthetic، القطب الفني يتّصل بالمزايا الداخلية للنص، وطرائق انتظامه وعلاقات عناصره، أمّأ القطب الجمالي فيتعلّق بقراءته وإظهار معانيه وأبنيته الخاصة([6]).

وانطلاقاً من هذا الأساس، تحتل المساحات المتروكة للقارئ ، أهمية كبيرة في تنشيط عملية القراءة والتأويل والإبقاء على انفتاح النص، وترتبط هذه المساحات المتروكة بأبنية النص الداخلية، فلا يمكن أن تكون بدون بنية، ويرى إيزر أنّه توجد بنيتان أساسيتان لعدم التحديد أو المسكوت عنه في النص؛ وهي الفراغات Blanks بڵێنكس، والنفي نیگێشن Negation ([7]). تعنى بالفراغات المساحات المتروكة في بنية النص من أجل إشراك المتلقي وتحفيزه نحو الاستجابة، أمّا النفي فهو “استحضار المألوف ومن ثمّ نفيه”([8]) من أجل كسر أفق توقع المتلقي، وتنشيط وعيه، وهذا يدلّ على أنّ النصوص أخصب بشكل لا نهائي من أيّ من إدراكاتها الفردية لدى القرّاء([9]). وهذا ما جعل رومان انجاردن يصف العمل الأدبي بأنّه نتيجة تخطيطية تحتوي على العديد من مواضع عدم التحديد، فالموضوعات المتمثلة تُعطى في العمل بشكل تخطيطي، أي في سلسلة من المظاهر التخطيطية المنتقاة بوساطة المؤلف، وهي تتطلب مشاركة واعية من قبل القارئ لكي تتحوّل من حالة الوجود بالقوة إلى الوجود بالفعل، ويحدث هذا عندما يملأ القاريء هذه المظاهر التخطيطية بمظاهر عيانية قد عاينها في خبراته السابقة؛ وبذلك يجعلها موضوعاً لخبرة عيانية([10]). فعناصر “عدم تحديد هي التي تمكِّن النص من التواصل مع القاريء؛ بمعنى أنّها تحثّه على المشاركة في الإنتاج وفهم قصد العمل معاً”([11]).


([1]) الخبرة الجمالية:448.

([2]) ينظر فعل القراءة- نطرية جمالية التجاوب في الأدب، فولفغانغ ايزر، ت:د.حميد الحمداني ود.الجلالي الكدية:56.

([3]) ينظر الأدب ونظرية التأويل ضمن كتاب ما هو النقد:145.

([4]) الأدب ونظرية التأويل ضمن كتاب ما هو النقد:145.

([5]) الخبرة الجمالية- دراسة في فلسفة الجمال الظاهراتية، هيدجر، سارتر، ميرلو بونتي، دوفرين، إنجاردن، سعيد توفيق:433.

([6]) ينظر النص والقاريء، حوار مع فولفغانغ ايزر، قامت بإجرائه: سوزان تيلر، ت:محمّد درويش، مجلة الأقلام، العدد:1-2، السنة السابعة والعشرون، كانون الثاني- شباط ، بغداد- 1992: 133. ونقد استجابة القاريء من الشكلانية إلى ما بعد البنيوية، جين.ب.تومبكنز، ت:حسن ناظم وعلي حاكم:113.

([7]) ينظر جماليات التلقي:189، و205.

([8]) النص والقاريء:135.

([9]) ينظر جماليات التلقي:189، و205.

([10]) الخبرة الجمالية:448. وينظر جماليات التلقي:185.

([11]) فعل القراءة:16.

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com