العدو ينتجنا بشكل يشبهنا
أمينة الصنهاجي
شاعرة وكاتبة من المغرب
نحن في نهاية المطاف حصيلة أعدائنا ..
لقد تدربنا منذ زمن طويل على رد الفعل والتكيف مع المحيط .
كلمة ” تكيف” تحيلني دائما حين أكتبها أو أنطقها إلى أخضر يانع يبدأ في الاصفرار والتعفن الحميد على سطح بيت حجري بسهول تاونات أو كتامة، وسرعان ما تجتاحني رائحة مميزة مربكة .
هذا ليس ما أردت الكتابة عنه حقا ..
ما أريد الاعتراف به هو: والاعتراف رغم كونه يحيل إلى وجود جريمة ما، إلا أن الإحساس بالإختلاف في عالمنا عموما يجعل منك مجرما بشكل ما، أما أخذ مسافة مما يحدث عوض التفاعل المغرق في الاندماج مع الحدث. فجريمة مؤكدة. وإن تجرأتَ على طرح أسئلة البداية (الانطلوجية منها خصوصا/ كلمة انطلوجية للإشارة مضحكة..( فأنت مجرم وخطير وعلى الأقل يجب الحذر منك. ووضعك على لائحة سوداء ( وأرجو ألا يغضب المتحسسون من العنصرية ضد الأسود لأن سياقات المصطلح لم يكن لدي يد فيها طبعا.)
أعود لأخبركم أنني أريد أن أعترف بأمر، رغم تجاهلي له .. لأسباب مهمة لي. إلا أنه ظل حاضرا ومسيطرا يشوش علي شاشة استقبال الأخبار والمواقف والتعاليق. وهي بالمناسبة أصبحت تتدفق وتنهال وتتوالد وتنسكب..والكل منخرط في التعامل معها بطريقته. وهذا شيء جميل على الأقل لكونه ظاهرة جديدة وممتعة .
فممتع جدا ربما أن تتفرج على مجموعة من المخلوقات التي تتفاعل مع مثيرات خارجية بتفان كبير وهمة متقدة، داخل مساحات افتراضية متجددة بلا راحة أو توقف. هذا إن حملت نفسك افتراضيا أيضا خارج الكوكب وجلست على طرف أورانوس(مثل الأمير الصغير) وأعطيت لنفسك الحق في التفرج على أرض البشر، لأن الكائنات الأخرى أكثر حذرا وتشككا وبالتالي تفاعلا مع ما يحدث عادة .
ما أريد الاعتراف به أخيرا هو الجملة الأولى التي ألقيتها بلا سابق تفكير..لكنها بالنظر إلى مباشرتها واختزالها تبدو حانقة وعصبية وربما غاضبة : نحن حصيلة أعدائنا .
فلطالما عبرنا بمختلف الوسائل عن كون الفن والأدب والفلسفة والأخلاق وكل هذا العالم الذي يعتمد على التماهي المجرد مع الواقع، يقف في مواجهة العالم العملي المرتبط بالسوق والمال واستغلال كل شيء حتى الإنسان، وبالضرورة الإنسان بطريقة ميكانيكية سلسة لدرجة يبدو معها كل شيء طبيعيا وجميلا وضروريا أيضا .
كان هذا التقابل والتضاد في تجاذب مستمر والخطوط تتقاطع لكنها لا تتداخل إلا ناذرا جدا.
في لحظاتنا الأخيرة بلغ التداخل ذروة استثنائية أصبح هم الفلسفة والفكر وحتى الشعر ربما فك اختبالات الخطوط وتمييز الألوان، ومحاولة الإشارة إلى مكان العقد .
الآن: السوق يبتلع حتى قدرتنا على تحديد تصرفاتنا اليومية، أصبحنا نلبس بأمر، ونحدد خطواتنا بأمر، وحتى نغسل أيدينا بأمر .
والغريب أننا لا نتمرد، بالعكس نفرح ونفتخر حين نقوم بكل ذلك بتفان ودقة. ونسارع للتفنن في ابتكار طرق لإتقان أكبر .
وطبيعي أن الخطوط تتصارع: من طبيعة الأوامر أنها تبلغ القمة الموصلة للخشوع المطلق حين تكون أعلى وأصفى .
السوق يدفع كل شيء ليصبح مستسلما له في خشوع، بل وتضرع .
العدو ينتجنا أخيرا بشكل يشبهنا جدا .. لدرجة صرنا نتعرف على أنفسنا من خلال مراياه .
المرايا تحيلني أيضا لأمور أعترف بها لاحقا …
نص خاص لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب – لندن
عذراً التعليقات مغلقة