د. عزيز القاديلي
كاتب من المغرب
لا شيء يعادل متعة الطواف بين المكتبات
منذ أن صار الكتاب عزائي الوحيد في صحراء هذه الحياة المقفرة عملت على الانخراط في المكتبات الموجودة في مدينتي بالدار البيضاء. كانت المكتبة العامة التي توجد في شارع الجيش الملكي أول مكتبة انخرطت فيها، كنت دائما أجدها غاصة بالطلبة و الطالبات، إذا أردت أن تجلس لقراءة كتاب ما فإنك لن تعثر على مقعد فارغ، زيادة على ذلك كانت المكتبة تعرف نوعا من الفوضى و غياب الهدوء كشرط لازم من أجل التركيز في القراءة.
أما القائمون على خدمة الطلبة فقد كان تعاملهم مع المنخرطين يعرف نوعا من الميز: كان أغلب العاملين مجموعة من الشباب يتوسطون بيننا و بين الكتب، لم تكن الكتب متاحة لنا كان لا بد إذا أردت كتابا ما عليك أن تبحث عنه في سجل موضوع، تسجل عنوان الكتاب و مؤلفه
و الرقم على ورقة تمدها إلى أحد العاملين و هو يتكلف بالبحث عن الكتاب في جهة من المكتبة محجوبة عنا، بها رفوف ممنوع علينا الوصول إليها حفاظا على الكتب من العبث أو السرقة. ما كان يحدث هو أن العامل لم يكن يتكبد مشاق البحث عن الكتاب خصوصا بالنسبة للطلبة الذكور، في حين كنت تجده يخلص في عملية البحث و يجد في التقصي إذا كان السائل عن الكتاب فتاة. و إذا كنت محظوظا
و عثر لك على الكتاب فإنك غالبا ما تجده ممزق الغلاف و الصفحات و أيضا الفصول.
انخرطت بعد ذلك في مكتبات أخرى مثل مكتبة بجماعة المعاريف و أخرى بجماعة عين الشق. ما يميز هاتين المكتبتين أن الكتب التي تتضمنها الخزانة كانت جديدة و أنيقة و أيضا حديثة الإصدار.
ربطت علاقة مع القييمين على المكتبة إذ كانوا يكنون لي الاحترام، فكانوا يسمحون لي بالدخول إلى الرفوف التي توضع بها الكتب و كنت أبحث بنفسي عن الكتاب. كانوا أيضا يصرون على تلبية حاجياتي من الكتب غير الموجودة التي أسألهم عنها، فما أن يمر شهر أو شهران حتى أجدهم قد زودوا المكتبة بتلك الكتب.
بعد أن بدأت أميل إلى قراءة الكتب باللغة الفرنسية انخرطت في مكتبة المركز الثقافي الفرنسي الذي سيسمى فيما بعد بمكتبة المعهد الثقافي الفرنسي و هنا كنت أستمتع بالمكوث في المكتبة سواء أثناء البحث عن الكتاب الذي أرغب في قراءته بشكل مباشر حيث الرفوف متاحة للمنخرط، ثم وجود طاولات و مقاعد متعددة كافية توفر لك فرصة الجلوس من أجل الاستمتاع للقراءة.
كنت بعد نهاية كل أسبوعين أحمل معي محفظة تتسع للكتب التي سأستعيرها من هذه المكتبات الأربع. يأخذني الشوق صباح يوم السبت فأترجل قاصدا مكتبة عين الشق القريبة من مكان سكناي ثم أنزل نحو وسط المدينة باتجاه شارع الجيش الملكي حيث المكتبة العامة، ثم أعود نحو مكتبة المعهد الثقافي الفرنسي و أنهي مشواري اليومي بالذهاب إلى مكتبة المعاريف. الغريب أنه لم يكن ينتابني مطلقا شعور بالتعب أو العياء، لأن ما كنت أقوم به عبارة عن هوس ومتعة لا مثيل لهما.
وفي المنزل بعد أن أغلق علي غرفتي أشرع في فتح الحقيبة المليئة بالكتب كما لو أنني أفتح حقيبة مليئة بالمجوهرات النفيسة، فعلا كانت الكتب هي مجوهراتي.
كنت أقوم بذلك بمتعة تستعصي على الوصف، أستخرج كتابا تلو الآخر كما لو أنني أكتشفه لأول مرة، أتصفح كل كتاب على حدة. يسترعي انتباهي اسم الكتاب، اسم المؤلف، عدد الصفحات، الفهرس ثم أقفز بين السطور و الصفحات و الفصول، المقدمة و الخاتمة و هي طريقة استلهمتها من الكاتب عبد الفتاح كليطو الذي صرح في أحد استجواباته حول طريقته في القراءة قال: بأنه لم يعد يقرأ الكتاب من أوله إلى آخره، بل يتخير الصفحات و الفصول، و قد يكتقي بمقدمة الكتاب و خاتمته.
لكن مع ذلك كانت هناك كتب تفرض نفسها عليك و لا تتركك إلا بعد أن تصل معها إلى آخر صفحاتها.
عذراً التعليقات مغلقة