هشام استيتو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
من الخطأ أن يتشفى شعب بهزيمة جاره الكروية، مهما بلغت درجة العداء السياسي بينهما أو فرض هذا العداء من نظام أحدهما على آخر، لأنَّ في هذا التشفي تبني واضح لوجهة نظر سياسية قد تكون غير مؤسسة على سند شعبي مشروع.
الواقعة الكروية التي أرخت بظلالها على التواصل بين الشعبين المغربي والجزائري، تمثلت في الأيام الأخيرة في المستوى المتردي للتراشق بينهما عبر هذه المواقع وجرعة الأحقاد البادية من بعض الأصوات والتي انتهت إلى حد السب، وقذف الأعراض من حسابات يديرها بعض نجوم الإعلام، وبعض ما يسمى بالمؤثرين في الفايس بوك والتويتر.
هذا التراشق سبق مباراة الجزائر الأخيرة في كأس إفريقيا، وأعقبها بعد النتيجة الايجابية التي حققها منتخب ساحل العاجل والتي فرضت إقصاء الجزائر من المنافسة.
في الخطاب السياسي المغربي الرسمي؛ وعلى امتداد أزيد من سنة من العلاقات المتوترة مع جارته الشرقية يلاحظ التوازن والتجاهل كسمتين مميزتين للموقف المغربي الذي استطاع لحد الأن التفوق على المواقف الجزائرية المشوبة بالانفعال والمجانية.
هذا التوازن المغربي في المواقف، يستند على واقعية التفاعل مع الفعل الجزائري الغير المحسوب العواقب والذي لم يكن يحتاج إلا للسياسي الذي يفكر بنفس عقلية العسكر الجزائري حتى تشتعل المنطقة.
كما أن التجاهل المغربي صادر عن وعي عميق بحسابات موضوعية استوعبها السياسي المغربي الذي أبان على قدر عال من عدم الانجرار إلى منطق ردود الافعال التي لا تخدم القضايا المركزية للشعبين المغربي أولا والجزائري ثانيا.
ذلك أن خطابات العاهل المغربي الملك محمد السادس، أكدت باستمرار على تقدير المغرب للشعب الجزائري ومدت يد الحوار والتعاون معه ومع حكومته فيما يخدم الشعبين والمنطقة، وهو الفعل الايجابي الذي تجاهله السياسي الجزائري لأن تقديره كان وفيا لفهمه المزمن لطبيعة التناقض بينه وبين المغرب لذلك كان التجاهل في هذا الموقف انتصار وتأكيدا للأفعال الاستفزازية الموجهة ضد الأخير.
وفي كأس العرب مؤخرا كان النزال مغربيا جزائريا، وكان الاحتكام لضربات الترجيح، وكان النصر حليف الجزائر، ولم نشهد أثر لأي حملة من أي جانب. كل ما هنالك كانت مباركة وتبادل التهاني في قطر وفي الواقع الافتراضي أيضا.
لكن ماذا حدث بالضبط لتغيب الروح الرياضية في هذه المناسبة، وينقلب ما يجب أن تحقق الرياضة من أداة تحالف موضوعي بين الشعوب إلى وسيلة تصريف موقف سياسي سلبي، أو في أحسن الأحوال إطلاق العنان للمشاعر السلبية من فريق ضد أخر؟
لنؤسس هذا التحليل على ثبات المواقف الرسمية وانفلات المواقف الشعبية، والتي بطبيعتها غير مؤطرة برؤية سياسية واقعية، بقدر ما تقودها العواطف المشوهة بفعل سياسي غارق في العدائية. ذلك أن مواقف الساسة في المغرب سلبية من النزال الكروي، وذلك في سياق الوفاء لخطه الواضح المطبوع بالتجاهل والتوازن، في وقت لم يتوانى الرئيس تبون ورئيس أركانه في استغلال المناسبات الكروية الأخيرة لتمرير جمل ذات دلالة سياسية مباشرة عبر تغريدات تحمل الإشارة لمكانة معينة يتصورونها للجزائر وفي سياق إقليمي مشوب بالتوتر.
هناك سوابق كروية انخرطت فيها السياسة الجزائرية في معارك مع الغير، كما حدث في نزال مصري سابق لم يتوانى فيه وزير خارجية مصر السابق من التهديد العلني بزرع عناصر.”أمن مركزي” في صفوف مشجعي مصر قصد تصريف بعض ردود الافعال العنيفة في مقابلة كانت ستجمع فريق بلاده مع الفريق الجزائري في أحد ملاعب السودان، وهي الواقعة التي أثارت حينها تراشق إعلامي وسياسي. الموقف المغربي الرسمي القائم على النضج لم ينجر إلى الاستفزاز لكن مع الأسف لم يحافظ على صفاءه انزلاق البعض في ردود فعل مبالغ فيها على ما صدر من بعض الجزائريين ليتم جمع كل البيض في سلة واحدة، ويتحول السباب منطلق من البعض الجزائري والتشفي من البعض المغربي الغير الرسمي.
و الخطير في الأمر أنه موجه ممن يروق له توصيف نفسه بالتأثير أو من وفرت له الظروف إمكانيات إيصال صوته إلى الجماهير، كحالة صحافي يعمل في منبر إعلامي عالمي قذف المغربيات في عرضهن عبر تعليق له في وسائل التواصل مع الأسف الشديد.
السؤال الذي يجب على العقلاء في الجانبين أن يطرحوه بصوت عال هو ماذا بعد؟
هل سنخرج هكذا من حالة التخلف؟ هل سيتحرر الشعب الجزائري بهذه الصراعات الفارغة من ربقة الحكم العسكري الذي رهنه في صراعات لا ناقة له ولا جمل؟ ماذا بقى مشتركا بين الشعبين بعد هذه الداحس والغبراء؟ ماهي أفق المنطقة بعد هذا الكم الكبير من عناصر التناقض المؤججة من البعض؟
ما يحضرني هنا هو سباق التأهل لكأس العالم وفي مقابلة شهدها ملعب ازتيكا بالمكسيك جمعت بين هندوراس وسلفادور يوم 27 يونيو/حزيران سنة 1969 انتهت بانتصار السلفادور بثلاثة أهداف مقابل هدفين للجانب الهندوراسي، الأمر الذي جعل العمالة السلفادورية في هندوراس تعاني من حملة شرسة قادها الإقطاع التواطئي مع الإعلام باستخدام مغرض لنتيجة مباراة كرة قدم مما أدى إلى نزوح جماعي لهذه العمالة تاركة وراءها حقوقها وأملاكها تماما كما فعل بومدين مع المغاربة في ما أسماه ب “المسيرة الكحلة”، لتندلع بين البلد الرابح السالفدور وغريمه الهندوراس مناوشات حدودية توجت بإعلان السالفدور للحرب على الهندوراس.
لذلك يجب عدم الاستهتار بما يمكن أن تصنعه الكرة ويجب علينا كشعبين أن نجعلها جسر للتواصل بيننا لا وسيلة لتأجيج خطاب الكراهية والعداء، وعلى المغاربة خصوصا أن لا يعاكسوا التوجه الرسمي القائم على التجاهل والتوازن وفي ذلك جمع لحسنين، المواطنة الحقة والروح الرياضية.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة