إسماعيل علالي
كاتب من المغرب
(لا يمكن للإنسان أن يتعلم فلسفة جديدة وطريقاً
جديداً في هذه الحياة دون أن يدفع الثمن) دوستويفسكي
1- ريان درس في الإنسانية :
من ذا الذي كان يظن أن العالم كله سيولي وجهه نحو منطقة تمروت شمال المغرب، لمتابعة وضع الطفل ريان، و الدعاء له بالنجاة، بكافة ألسن العالم و أديانها، و بغض النظر عن الاختلافات الأيديولوجية و الصراعات السياسية التي استثمر فيها إنسان العالم طويلا، إلى أن جاء ريان ليطفئ نار الشر التي أججتها الصراعات بين دول العالم ردحا من الزمان، لمدة خمسة أيام، حين تركت الدول خلافاتها جانبا وولت وجهها نحو تمروت الشمال، و رفعت أكفها بالدعاء أملا في نجاته، ليقدم لنا ريان أعظم درس في الاتحاد و التآخي الكوني الذي تناسته البشرية حين انتصرت لسلطان الهوية الصماء أيديولوجية كانت أو عرقية أو دينية أو ثقافية أو جغرافية.
فشكرا ريان لأنك وجهت البشرية الوجهة الصحيحة، و جهة عنوانها الانتصار للفطرة و إنسانية الإنسان.
2- ريان درس في الحب :
من ذا الذي كان يظن أن الإنسان المعاصر الذي ابتلي بآفات شتى منها برودة المشاعر و موت الروح، مازال يملك قلبا ينبض بالحياة و يحس بأخيه الإنسان في كل مكان، قبل حادثة الطفل ريان الذي منحنا أبلغ درس في الحب، هذا الحب الخرافي الذي حرم العيون من النوم لمدة خمسة أيام، و كلها آمال في إنقاذ ريان، و النظر إلى وجهه البهي عبر شاشات العالم التي تناقلت خبر سقوطه وتابعت مجريات عملية إنقاذه، من بدايتها حتى النهاية، حيث رأينا ريان حديث كل المجالس و الفئات العمرية، أطفالا و شبابا و شيوخا، لا هم لهم غير نجاة ريان، و خروجه حيا من البئر، كما تكرست هذه المحبة إبداعيا من خلال تعبير مبدعي العالم من شعراء و رسامين و فنانين عن حبهم و تعاطفهم مع ريان من خلال تخليد محنته والتأريخ لها إبداعيا، بعد أن خلدتها كبرى القنوات إعلاميا.
فشكرا ريان لأنك علمتنا كيف ينبغي أن يحب الإنسان أخاه الإنسان، و يتخلص مما علق بقلبه من أحقاد و أضغان.
3- ريان درس في الوطنية:
من ذا الذي كان يظن أن المغاربة في رمشة عين قد يجتمعون و يجمعون على كلمة سواء و يتحدون من طنجة إلى الكويرة، قبل حادثة الطفل ريان الذي وحد المغاربة ، من أقصى شمال المغرب إلى صحرائه، و من شرقه إلى غربه، في صورة تترى بقيم الوطنية الصادقة المكرسة لروح التمغربيت الحق التي حقَّ للمغاربة أن يفتخروا بها وللضمير الوجداني الجمعي الذي يؤلف بين قلوب المغاربة ساعة الأزمات و في الشدائد، حيث حج المغاربة من مختلف المدن لتقديم المساعدة لريان والتطوع لإنقاذه، عبر البئر إذا ما تعذر الحفر بفعل نوعية التربة.
فشكرا ريان لأنك أكدت لنا بالملموس أن المغاربة جسد واحد، إذا أصيب منه عضو، انتفضت جميع الأعضاء، و صدق من قال: إن المغرب حرك جبلا لإنقاذ طفله ريان، و لا يخفى ما تضمره هذه القولة/ الحكمة من قيم الاعتزاز والفَخَارِ.
4- ريان درس في الصبر :
من ذا الذي كان يظن أن الطفل ريان ، سيصمد لأكثر من يوم، لو لم تصور لنا الكاميرا تحركاته، داخل البئر ، رغم آلام السقوط ، كأنه يكلمنا رمزا قائلا :لا تقلقوا مازلت متشبثا بالحياة لأكثر من يوم ، أسمع دعاءكم، و أسعد بتلاحمكم و اتحادكم و أثمن مجهوداتكم من أجل إنقاذي، كل من موقعه، كيما تصل قصتي إلى العالم، هذا العالم الواسع العامر بالخير الذي غمرني بالحب وتضامن معي في محنتي، و أكد لي أن الخير هو السمة الطبيعية للإنسان، لا الشر.
فشكرا ريان لأنك كتبت ملحمة جديدة من ملاحم الشعب المغربي، بل والعالم أجمع، و جعلت تاريخ ترجلك من قطار الحياة عيدا أمميا عنوانه :(يا أيها الناس اتحدوا من أجل الخير )
فسلام عليك يوم ولدت، و يوم رحلت، و يوم غذوت ملهما للبشرية جمعاء.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة