هشام استيتـو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
هل تحشد روسيا العديد والعدة العسكريين من أجل الضغط على أوكرانيا أم لإجتياحها؟
لا يهم التميز بين الأمرين كثيرا، لأن سلب إرادة الدول يضاهي إنهاء وجودها.
لكن بالنظر لكمية الحشد العسكري الروسي على الحدود الشرقية لأوكرانيا، والتحذيرات المتكررة للدول لرعاياها بمغادرة البلاد، وباستقراء السلوك السياسي الروسي، يمكن أن نعتبر الأمر كمؤشر قوي على قرب انطلاق عملية عسكرية كبرى في العمق الأوكراني.
هذا العمق الذي يعد سلة عالمية للغذاء بإنتاجه الهائل للشعير والذرة، تعتبره روسيا من صميم مجالها الحيوي وترفض أن يجد الغرب فيه موطئ قدم، في وقت تقترب أوكرانيا من المؤسسات الغربية بما فيها الناتو، هذا الاقتراب بلغ حدا لا يمكن للكرملين أن يقبل به لما في الأمر من تجسيد فعلي لقواعد القرب الغربية في المجال الروسي.
روسيا أصبحت واعية بطبيعة القوة في عالم، أصبح أكثر من أي وقت مضى متعدد الاقطاب، وبالتالي فإن التحذيرات المتوالية من مغبة التورط في وحل السهول الاوكرانية تعتبره أمر غير مشروع.
وفضلا عن السياق الاستراتيجي المذكور أعلاه فإن سياقا ثقافيا يشجع الحركة الروسية، فالبلاد تعرف مناطق كاملة تتحدث اللغة الروسية، وهو العامل الذي بررت به روسيا ضم القرم سنة 2013، وبنفس المنطق دعمت الحركات الانفصالية في دونبسك، ولوهانسك منذ سنة 2014، بل أنها كانت المؤثر في اتفاقيات منسك الأولى والثانية.
هذه الوتيرة من التدخل كانت تخفت بفعل السياسة الرسمية الأوكرانية إزاء الغرب، وهي السياسة التي لم تصمد أمام مطلب الشارع الذي ثار في وجه حكومة يانوكوفيتش، على خلفية العلاقة مع روسيا والغرب.
لكن الرئيس الحالي أخل بما كان يسكت روسيا، كما أنه أفصح عن طموح استرجاع الأراضي المقتطعة من إقليم بلاده، واستطاع الحفاظ على سقف السيادة الروسية على الأقاليم الانفصالية، كما عزز التعاون مع الناتو والاتحاد الأوروبي.
في السياسة الدولية لا يمكن حماية المصالح دون رادع، وهذه قاعدة طبيعة تثير انتباه الفاعل الروسي بمجرد نجاح نظيره الاوكراني في أي تقارب غربي، سيما أمام الدعم الشعبي الاوكراني لهذه المسعى، الأمر الذي بات يفرض على الكرملين التفكير بردع قد يكون قاسيا وقد يصل في مداه حدا يلغي الوجود الفعلي لاوكرانيا، هذا هو التوقع الأكثر تشائما في الموضوع، والذي سيحفز شعورا قوميا في كيف وسنشاهد بالتأكيد مقاومة كبرى ستخلف مشاهد إنسانية مؤلمة بالنظر لموقع روسيا والصين في مجلس الأمن،والذي يتيح لروسيا حسم المسألة بالقوة في أفق إلحاقها بالنظام الفدرالي الروسي عبر عملية قانونية وإن بنيت على أسس غير مشروعة، لكن هذه فرضية بعيدة لأن منطقة العزل التي تشكلها أوكرانيا الأن ستنمحي وستصبح روسيا تحد بالفعل بالغرب.
الفرضية الثانية تقوم على تصفية السياسة الاوكرانية الحالمة بالغرب، عبر تنصيب نظام موالي متحكم فيه معادي للغرب على شاكلة النظام البيلاروسي، وهو أمر صعب كذلك بالنظر لطبيعة الخيار الشعبي الاوكراني ولجوئه إلى الميدان في سابقة غير بعيدة ونجاحه في الاطاحة بالرئيس الموالي لروسيا.
الفرضية الثالثة وهي غير مجدية ولا تتلائم مع واقع الحشود العسكرية الروسية وتعدادها وهي الدفع بإعادة النظر في اتفاقيات منسك، أو ضم مناطق إلى روسيا، هذه الفرضية إن تحققت فإن روسيا تصبح استعراضية وستتعرض هيبتها لكثير من الضرر.
لكن الأمر الذي يتجاوز هذه الفرضيات هي واقع التحذيرات الغربية لروسيا مما يعقد مسألة استشراف ما ستكون عليه الأوضاع في هذه المنطقة من العالم.
كما أن الفرضية الأكثر قربا للتحقق، هي أننا في حال اجتياح روسيا لأوكرانيا، سنتأكد من قاعدة قديمة وهي لا جدوى النظام الأممي للسلم والأمن في هذا العالم.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة