هل حرّك المغرب جبلاً لإنقاذ طفل، ولم يحرك مراقب هاتفه لمنع حفر بئر عشوائي؟

آخر تحديث : الأحد 6 فبراير 2022 - 10:53 مساءً
هل حرّك المغرب جبلاً لإنقاذ طفل، ولم يحرك مراقب هاتفه لمنع حفر بئر عشوائي؟


هشام استيتـو 

خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب

توقفت عقارب الساعة في منطقة ريفية وتحديدا بمدشر إغران  بتاموروث من قبيلة غمارة المجاهدة ضواحي شفشاون بالمملكة المغربية، عند لحظة سقط فيها الطفل ريان في بئر ارتوازي يعرف في المنطقة ببئر (الصوندا).

وعلى مدار خمسة أيام ظل الزمن متوقفا عند مشاعر الترقب الجياشة التي أتت على العرق والدين والسياسة، لتسود الإنسانية الخاشعة بهمس واحد، وهو الدعاء الصادق بفرج قريب لمحنة ولد دفعت به الأحوال إلى غيابات جب سحيق.

الأخبار العاجلة والمباشرات المتعددة من عين المكان كانت تتابع عن كثب جهود الدولة المغربية وهي تدك جبلا من أجل الوصول إلى الطفل ريان في عمق تجاوز الثلاثون مترا.

عملية ضخمة بكل المقاييس، استلزمت الحيطة والحذر، والتضحية من متطوعي الاوراش الموجودة في الإقليم، ونشطاء المجتمع المدني في الاستغوار والهلال الأحمر وغيرهم من قوات مساعدة ووقاية مدنية ودرك ملكي، وسلطات ترابية رابطت في عين المكان طيلة الأزمة. 

الدولة تعاملت بفعالية كبيرة، رغم الإمكانيات البسيطة، ورغم الظروف البشرية والنفسية المحيطة بالحادث، وبذلك قامت بكل واجبها في هذه الواقعة، ولا مأخذ يمكن أن يسجل عليها بل تستحق التنويه، لا بل يجب أن تدرس هذه الملحمة للساسة عبر العالم، أن تدرس في الأكاديميات العسكرية ومراكز تكوين أفراد الوقاية المدنية، وأوراش المتطوعين في الصليب والهلال الأحمر، وأن تدمج في مناهج التعليم، وأن يقف العالم ككل احتراما للدولة المغربية وللشعب المغربي على ما أبانوا عنه من تضحية وتأزر ومواكبة حثيثة ومباشرة من أعلى السلطات في البلاد. 

الواقعة أظهرت الأصالة المغربية في مواقف رجال أثروا على أنفسهم الحياة في سبيل إنقاذ الولد ريان، غير أبهين بمخاطر محدقة وحالة، أمام الضرورة الملجئة والإنسانية والتي كان العالم يأمل أن تنتهي في ظروف سعيدة، وشاء الله وما قدر فعل.

لكن ما يجب الوقوف عليه الآن هو حالة التسيب التي أسست للكارثة، والتي ما زالت قابلة للتكرار بسبب انتشار هذه الآبار الارتوازية في إقليم شفشاون وغيره من الإقليم المغربي.

بداية لا يمكن أن نتحدث عن ظاهرة حفر الآبار الارتوازية في معزل عن سياق الزراعة المنتشرة في الإقليم، ومدى استنزافها للفرشة المائية، ومن جهة ثانية عن حالة التهميش التي يعيشها هذا الإقليم.

هذه الأخيرة لها تجليات متعددة، تبدأ بعدم توافر إقليم شاسع ومترامي الأطراف على بعض الإختصاصات الطبية أو على مراكز طبية مفتوحة مما سبق معه أن توفي أطفال في أبواب المشافي أو مراكز الولادة، ولا تنتهي في ظروف التمدرس المؤدية للهدر المدرسي،وبينهما واقع مذكرات البحث ( ضبط وإحضار) محررة في حق العديد من سكان الإقليم على خلفية زراعة نبتة الكيف التي تستعمل مثل هذه الآبار في سقيها، وغياب تكافؤ الفرص، والعراقيل المضادة للإستثمار ونحوها.

أما بخصوص ظاهرة الآبار الارتوازية، والتي يلزم لحفرها شاحنة متوسطة الحجم وحفار محمول عليها، فإنها خاضعة لأحكام المادة 28 من القانون 15.36 المتعلق بالماء، والتي تنص على أن حفر الآبار أو الاثقاب بغرض جلب المياه الجوفية أو البحث عنها تخضع وجوبا لرخصة تسلمها وكالة الحوض المائي المختصة.

إلى هنا الأمر جيد، ترسانة قانونية متقدمة لبلد يزخر بموارد مائية مهمة.

و يفترض في مثل هذه الرخص أن تفرض تحملات لمراعاة شروط عدم استنزاف الفرشة المائية وكذا ضمان السلامة العامة.

يفترض أيضا وجود أجهزة رقابة متعددة تفرض نفاذ هذا القانون وضمان احترامه وزجر مخالفيه.

هذه الأجهزة في المغرب بلغت من التنوع والكثرة حدا يفترض معه من باب أولى عدم وجود مخالفات أو الحد منها، سيما وأن عملية الحفر تتطلب وسائل ظاهرة وآليات ضخمة وتبدو للعين المجردة ومن بعيد.

والاجهزة الرقابية في محاولة حصر بسيطة تصنف بين السلطات الترابية التي لها اختصاص الشرطة القضائية القائد وما فوقه، ولهم مساعدين من شيوخ وشيوخ متجولين ومقدمين، وأيضا رجال الدرك الذين يوجد من ضمنهم وفي كل مركز ضباط للشرطة القضائية، وأيضا عناصر شرطة الماء والمراقبين التابعين لوكالة الحوض المائي والتابعين كذلك لوزارة التجهيز.

المشكل لا يقف عند الثقب المائية بل توجد حوادث مزمنة لغرق أطفال في مثل سن الطفل ريان، في برك تجميع المياه المنتشرة في ربوع الإقليم، كلما حل فصل الصيف.

هنا يكمن الخلل الذي لا يجب أن تأخذنا العزة والفخر بعيدا عن إثارته، جميل أن نتجند بكل ما استطعنا لإنقاذ طفل بريء ربما دفعته مخيلته لولوج هذا الثقب، أو ربما مصادفة، لكن ليس جميل مطلقا أن نقف في لحظة حزن شديد عم العالم على مصير هذا الطفل الجميل، دون أن نتحدث عن الجانب التقصيري في الواقعة دون خجل ولا وجل بمطلق الشجاعة. 

وأول سؤال أثيره هو أين دفتر التحميلات؟ وما هي نسبة الآبار والثقب المائية التي فتحت أو حفرت برخصة؟ كيف يتم حفرها دون أن تتحرك السلطات لردع المخالفين؟ كيف سيتم التعامل مع الآبار الغير الآمنة والتي أصبحت عبارة عن مطبات قابلة لتكرار واقعة الطفل ريان الحزينة؟

أن ينعي الديوان الملكي الطفل الوديع ريان، بلسم خفف على الجميع هول الصدمة، وعزاء المغرب ملكا وحكومة وشعبا واحد في هذا المصاب الجلل، وأمر سيعقبه بالتأكيد فتح ملف هذه الخروقات المتراكمة منذ مطلع هذا القرن، خصوصا وأن العامل الحالي للإقليم شن مؤخرا حملة على تجاوزات قانون الماء وإن قوبلت ببعض التمنع والتنطع من بعض أصحاب برك تجميع المياه، من لكن ما يجب هو أن يتم التحرك الفوري لردم الخطر منها، وتحديد أجل قصير لمن لا يتوفر على الشروط السلامة لتحقيقها تحت طائلة المسائلة القانونية وردمها.

إن الحرص على الحياة كان عنوانا مغربيا بإمتياز خلال الخمسة أيام الماضية، يجب أن لا ينتهي الأن وبالتأكيد فإن المسؤولين المغاربة وطنيا ومحليا، لن يدخروا جهدا في إزالة هذا الكابوس حتى لا يتكرر ما حصل، وحتى لا يقال عنا أننا حركنا جبلا لإنقاذ طفل ولم نحرك مقدم أو شيخ لإيقاف حفر بئر إرتوازي أو إقامة سد غير شرعي!!!!

  مقال خاص لصحيفة قريش – لندن

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com