ريبر أحمد
بلغت الاستحقاقات الدستورية في العراق محطة انتخاب رئيسٍ جديدٍ للجمهورية، بعد أن خاضت الفاعليات السياسية والاجتماعية في مسارٍ إصلاحي لم يكن سهلاً، منذ انطلاق أوسع حركة احتجاجية في البلاد، وإنجاز الانتخابات المبكرة، والتئام مجلس النواب.
إننا في زمنٍ عراقي جديد. سمعنا صوت شعبنا الذي يريد نظاماً بمستوى العراق، والمهابة التاريخية لشعوبه وثقافاته، ودوره الذي ترصده المنطقة والعالم، في لحظة اختبار عظمى للقادة المحبين لأرضهم، تحثهم على بذل المزيد لإثبات السيادة، وتعزيز الاستقلال أمام الحلفاء والخصوم.
المحطة التي نحن بصددها، جزء من لحظة تغيير تستدعي الاستجابة الوطنية لأدوار في السياسة والإدارة، ترتقي إلى متطلبات التغيير، وتشترط الولاء للدولة وضمان مصالحها العليا، والانخراط في عملية إصلاحية غير مسبوقة، لن يكون تأثيرها مقتصراً على الشأن الوطني؛ بل على المنطقة وما يحيطها من أزمات دولية.
وبما أن رئيس الجمهورية هو الحامي للدستور، وتقع على عاتقه المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه، فإن المسار الإصلاحي الذي يفرض نفسه الآن على الجميع، يستدعي أن يأخذ المنصب دوره الحقيقي الذي خطَّه له الدستور، لحماية الدولة ومؤسساتها من أي خطرٍ يهددها.
أزمة العراق الحديثة بحد ذاتها فرصة غير تقليدية للنجاح. إنها مصادفة لا تتوفر إلا في بلد مثل العراق يملك الكثير من الموارد والتنوع بقدر تحدياته الصعبة. وهنا تأتي أهمية الدور الريادي لرئيس الجمهورية في استثمار هذه الفرصة، بحيث يعود في نهاية المطاف لمصلحة العراق والعراقيين.
ومن الضرورة بمكان أن نؤكد التكاتف والتعاون بين بغداد وأربيل، لتكمِّل إحداهما الأخرى في التصدِّي لكل التحديات، والوصول إلى نتائج مثمرة تصبُّ في مصلحة البلد.
وبحسب تجربتنا، ورغم الأزمات العالقة بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية، فإن العراقيين شهدوا نتائج عظيمة حين عمل الطرفان معاً، كما في حالات التضامن في قضايا الأمن الكبرى، ودحر «داعش»، وتحرير العراق من براثن الإرهاب، وقضية النزوح، والجهود الدبلوماسية المؤثرة، وإنعاش مشاريع استراتيجية طموحة في الصناعة والزراعة، من جبال أربيل حتى ساحل البصرة.
بما أن رئيس الجمهورية هو الحامي للدستور، وتقع على عاتقه المحافظة على استقلال العراق وسيادته ووحدته وسلامة أراضيه، فإن المسار الإصلاحي الذي يفرض نفسه الآن على الجميع، يستدعي أن يأخذ المنصب دوره الحقيقي الذي خطَّه له الدستور، لحماية الدولة ومؤسساتها من أي خطرٍ يهددها.
لقد خاض العراقيون منذ تأسيس دولتهم الحديثة قبل نحو مائة عام، في صراعات على مستويات مختلفة، آيديولوجية وإثنية وطائفية، وفي خضمها نشأت حركات وتوجهات سياسية، أفرز نشاطها وتأثيرها مشاريع متضاربة، أخرت الوصول إلى نموذج سياسي معاصر يحمي مكانة الوطن. وهنا تبرز أهمية المجتمع المدني القوي والحيوي الذي يبقى رصيداً مهماً لدولة قابلة للعيش والنمو.
إن مسار الأحداث من حولنا يخبرنا بدرس تاريخي جديد، فالتوتر والاشتباك في منطقة نفترض أنها معزولة، سيصل تأثيرها الواسع إلى كل المعمورة، والعراق ليس بمقدوره التراجع عن دوره الحضاري بالبقاء مضطرباً غير قادر على الانخراط في التحولات المتسارعة، وأن يكون محطة عالمية لصياغة المصالح والحلول والفرص.
وفي هذه اللحظة الواعدة، لا يمكن النظر إلى وظيفة رئيس الجمهورية إلا بوصفها أداة فعالة في تكامل الأدوار، تحتاج قوة حكيمة ومعالجة لكثير من القيود والمشكلات التي ارتهنت المنصب طويلاً.
في عام 2007، عندما كنت أكمل دراستي في بغداد، وفي ذروة العنف الذي شهدته البلاد، تشرفت بالحديث نيابة عن زملائي خريجي الدراسات العليا للتخطيط الاستراتيجي في كلية الدفاع الوطني هناك، عن حلم تطوير مفهوم السياسة؛ حيث يكون الإنسان والارتقاء به المحور الأساسي لجهود القادة.
إن الأحلام تتعثر ثم تعود لتولد في اللحظات الكبرى للشعوب، ويمكنها حين يتوفر الإلهام الكافي، أن توقظ عناصر الخير في الأفراد والجماعات. ومسار الإصلاح الوطني أمامه واحدة من هذه اللحظات.
* مرشح لرئاسة جمهورية العراق
الشرق الاوسط
عذراً التعليقات مغلقة