قصة قصيرة
الحب وحـده ، لا يكفـي ..
صبحه بغوره
كاتبة من الجزائر
كان يعلم أن تفكيره العميق في ملامحها سيتطلب جهدا، وسيدوم وقتا، فهو يريد اقتحام المناطق المظلمة التي لم تسعفه الظروف من تبين معالمها بوضوح . يتذكر أحمد جيدا كيف كان لقاؤه بها صدفة عندما مرّت به الحسناء سريعا في حفل زفاف صديق له، وكيف كان شعرها الأصفر المائل للحمرة يتطاير على وقع خطواتها الرشيقة ، لم ينل منها حينها سوى تحية مجاملة باسمة سكنته كحلم جميل ظل يغازله مع بعض من كلماتها التي لم يستوعبها جيدا ولكن صوتها الدافئ ترك صداه يتردد في نفسه كاللحن الجميل.
بات ليلته ساهرا وكلما أطال التفكير فيها أدرك أين تكمن قيمة اللحظة ، يجد نفسه أمام طريق بحاجة فيه إلى معالم تحدد بدايته وتبين نهايته، انه الآن لا يملك إلا أن يتمثلها كما لمحها تختزل بتفاصيلها الحياة بكل أفراحها، تذكر فستانها الجميل ، نعم فستانها الطويل الأزرق ،اللون المفضل لديه الذي يمنحه متعة الشعور بالراحة والاسترخاء تماما مثلما منحها في الحفل تلك الثقة الكبيرة بالنفس فبدت في سعادة غامرة ، كان فستانها ينزف زرقة وتثير كل طية فاخرة فيه تخيلاته الوحشية ، هم بالتوقف عن التفكير فيها بعدما ارتفعت درجة تشويقه إليها وأصبح كلامه روائيا أكثر منه موضوعيا ولكن أدخله ذلك في لحظة قاتمة كادت أن تصيبه بالفقر العاطفي فتراجع بما يشبه تأييد ما تلقاه من وحي نفسه انه يصعب عليه التعامل مع الوضع وفق منطق الهدنة العاطفية، وما كاد ينساق ثانية وراء عرائس مخيلته حتى استسلم إلى غفوة أوقفت إلى حين حدة احتقانه الفكري، ثم لم يلبث أن اخترق الغيوم شعاع نور تسلل إلى غرفته ، نهض وتناول قهوة الصباح واقفا وراء نافذة عريضة تطل على منتزه واسع، سره ما رأى من بهاء الطبيعة وصفاء الجو فانشرح صدره وتولد في نفسه إيمان قوي بوجود أمل كبير في فرصة أخرى للقاء قريب مع من شغله حسنها الليل بطوله.
من يفتح قلبه تتغير نظرته إلى العالم، هكذا كان حاله وهو في طريقه نشيطا إلى العمل، وهكذا صمم أن يكون بعدما أدرك أن كل إنسان يحمل عالمه في قلبه، انه من الآن الرجل الباحث عن الحب الذي لم تسمح له هموم عمله اليومي أن يتذوق حلاوته ، تمنى صدفة أخرى يلتقي فيها بالحسناء ذات الرداء الأزرق لتكون فرصته لذلك، ولكن تساؤلات حائرة ببعدها القدري فرضت نفسها عليه، هل أحبها فعلا..؟ علم ذات يوم من صديقه “العريس” أنها تعمل في إحدى شركات الهاتف النقال وأنها صديقة لزوجته، توجه إلى مكان عملها،وفوراعرفها، وبسهولة عرفته، تعمد أن تنهي هي بالذات إجراءات حصوله على خط هاتفي جديد تكون أرقامه سهلة الحفظ ، قرأها ببطء وتمعن فيها جيدا وردده على مسامعها عدة مرات ثم حياها بلطف وانصرف، كان عليه إن ينتظر أياما حتى يسمع صوتها ذات مساء، دامت المحادثة مدة سرعان ما تحول خلالها السؤال عن سلامة خطه الهاتفي الجديد إلى حوار عذب أوصلهما إلى مستوى مريح من التعارف ، توالت اتصالاتهما الهاتفية فيما بعد وزاد تعلقهما ببعض،
فكان البوح الجميل عن المشاعر الرقيقة المتبادلة الذي دفعهما إلى إجادة رسم صورة المشاعر وتلوينها
، أنهما لم يلتقيا سوى مرة واحدة ولكن تكونت بينهما مساحة عاطفية استفزت الكلمات العطرة والحديث الناعم والفهم المتعاطف وأصبحا لبعضهما سكنا بلا عنوان، ثم دق القدر أوتاره فشكل لحنا عذبا ردده قلبان عن بعد بكلمات المجاملة والانبهار على أمل اختيار مكان الانتظار.
بعد أيام تمكّنا من تحديد موعد لقائهما ، لم يكن الأمر معقدا بقدر ما استلذا عذاب الوجد وكأنهما استأخرا الوصال عمدا لتكون مشاعر الأشواق أعمق والحنين أكبر. أراد هو منذ البداية أن يحدث الدهشة بعبارات رقيقة ، دقيقة وبالغة المعنى، لم تستطع أن تجاريه على نفس المنوال، جاءت كلماتها إرهاصات غبر موضوعية، لاحظ تعثرا ملحوظا ليس في مستوى تفكيرها فقط إنما في مهارات التعبير عن مشاعرها وبلاغة التعبيرعن رأيها، فكان ذلك البداية لخلخلة فكرته عنها خاصة عندما تعمدت تحويل كل حديث له إلى موضوع ملتبس في كلماته تشوبه الضبابية أكثر من الوضوح فعطلت بذلك عملية تخصيب الشرط الموضوعي لانتعاش الحوار أو تأجيج الرغبة في مواصلته، كان انبهاره بجمالها ستارا أخفى وراءه انزعاجه منها ، ومع ذلك لم يشأ أن يمدد عمر اللقاء أكثر، فغادرها .
القصة خاصة لصحيفة قريش – ملحق ثقافات وآداب -لندن
عذراً التعليقات مغلقة