21 مارس 2022
كلمة الشاعر الروماني يون دياكونيسكو في اليوم العالمي للشعر
فليحيا الشّعرُ في أعماق كلّ إنسان!
تنبعُ الأفراحُ العظيمة من وديان الرّوح المُشرقة؛ من اللّون ومن الحَرف أو من الصّوت. هي أفراحٌ حقيقيّة يُمكنُ أن تستمرّ في دَيمومتها لَحظةً أو مَدى الحياة.
إنّ المُبدع، وَفق القاعدة العامّة، لا يتخَلّى أبدًا عن الحُلم، وعن الجَمال، وعن العُمق العاطفيّ. كما أنّه لا يكفُّ عن السّؤال والتساؤل ما إذا كانت الحياةُ قد أوْلتْهُ اعتبارَها بأنْ ترفعَ لهُ نَخبَها عاليًا، لأنّ عَملَهُ ينْشغلُ أساسًا بتنظيمِ الفَوْضى، وبالحِرص على تحْقيق الوَفاء بوُعُودِ مَعنى القلب.
إنّ على الشاعر، كما يجدرُ بي أنْ أضيف، أنْ يكون بُستانيًّا في الصّحراء، وأنْ يَحرث أحيانًا البحرَ لكي يَغرسَ الأزهار. في لحظةٍ ما، سيُلقي وَردةً في البَحر وسوف يتسبّبُ في اشتعال حرائقَ مُتأجّجةٍ، لأنّ الشعر يُمكن أن يُروّضَ صُهارَة بَراكينِ القلب، بل ويُمكن لبضْع كلماتٍ مُتمرّدَةٍ أنْ تستقبلَ بَعثات السّلام والمحبّة.
بحلُول اليوم العالميّ للشعر، هذه السنة، تُرسّخُ الكلماتُ الشّعريّة معاني السّلام ضدًّا على الحُروب ومَتاهاتها، ونشدانًا لحُرّيّة الكينونة في هذا الوُجود الرّحب بشسوعه. بحلُول هذا اليوم، تُرسّخُ كلماتُ الشعر ما يؤمّنُ مقاومةَ الأمراض واكتساحِها لأزمنة العصيان، خصوصًا في الوقت الراهن، الذي يشهدُ اضطرابات خطيرة أصابت كوكب الأرض: اضطراباتُ الجائحة، والأزمة الاقتصاديّة والماليّة، والصراعات والحُروب الإقليميّة، والجوع، وتدهور المجال البيئيّ.
على إيقاع الحركة الخافقة لأجْنحة الأحلام، من واجب شُعراء العالم أن يَقفوا كتلةً مُوَحّدة، بتآزُر تامّ، وأنْ يهزمُوا فيروسَ الساعة التي كانت تمنعُ جريانَ نهر الزّمن في مساراته الطبيعيّة، وكانت تتآمرُ لكي تُفسدَ الروحَ وتُسْهمَ في خرابها.
معًا، ككُتلة مُتضامنة ومُتآلفة، نَخلقُ الخَيرَ والازدهار والثقافة ونُعَمّمُ إشراقاتها وأنوارَها في كلّ الأرجاء، ونَعلم، بيقين تامّ، أنّه حيثما يَغيبُ خطابُ الشاعر ورسالتُه الإنسانيّة والكونيّة ينشأ العُنف، والارتياب، وعدم الثقة، والجَهل، والغُرور.
الثقافةُ والشّعر هُما فقط ما يَكتسبُ مَعنًى راسخًا وحضورًا مهمًّا. إنّهُما أساس التربية التي تصنعُ الإنسان. هُما أساسُ كلّ تنمية بشريّة. هو ذا، في اعتقادي، أهمّ استثمار لأيّ حضارة بشريّة للحاضر والآتي. اليوم، وأمام هيمنة التسطيح وفراغ المَعنى من المعنى وفي خضمّ العولمة الثقافية، ما أحوج الإنسانيّة إلى الشعر بشكل عاجل جدًّا.
* يون دياكونيسكو: شاعر رومانيّ أساسي في المشهد الشعريّ العالمي. ولد في تيرغو لوغريستي سنة 1947. نشر العديد من الأعمال الشعريّة، منها: “آلة تصوير الروح” 1981؛ “وحل من ضباب” 1985؛ “أبديَّة اللحظة” 1986؛ “قناع الصوت” 1987، “نحوُ الصدفة” 1991، “برهانُ العزلة” 1993، “بلاغة المرآة” 1995، “صفرٌ حركي” 1995، “نجمة السهر” 1995، “حديقة الصحراء” 1997، “جرح العتمة” 1998، “حفلة التيه” 2001، “الصدى اللامجدي” 2002، “العدم” 2007، “أجنحة الضوء” 2009، “لعنة الشاعر” 2011، “الدمعة الآتية” 2013.
ترجمة: خالد الريسوني
كلمة بيت الشعر في المغرب
اليوم العالمي للشعر
لا شك في أنّ الحاجة إلى الشعر، بما هو قيمةٌ إبداعية خالدة، تحضرُ في كلّ زمانٍ و مكان. في زمن الشّدة، كما في زمن الرخاء، لكنها تكونُ في الأوّل أقوى من الثاني. و نحن إذ نحتفل، اليومَ، بهذا العيد العالمي للشعر، نلتمسُ فيه ملاذًا رحيما من شدائد تتناسل تباعا في راهننا. ذلك أنّ جائحة كورونا التي اعتصرتنا أزيد من سنتين، ما لبثت أنْ أسلمتنا إلى فظاعات الحرب في أكورانيا و إلى نُذُر اتّساع رقعتها و تداعياتها على السّلم و الأمن والاقتصاد، وكذا على الحياة الثقافية، في كل أنحاء العالم.
فلا مهربَ لنا، الآن، من اللجوء إلى الشعر كي نتحدّى به و برسالته المضيئة هذا الانحراف الحادّ بمسار البشرية نحو ظلامية الاحتراب والتدمير والفَناء، من أجل أنْ تستعيدَ الحضارات و الثقافات و اللغات عِطرَها و ألقها، و تطوّرَها. فالشعر كان، و مازال، صوتَ الشعوب وضميرَها. وهو، لدى الملدلهمّات، لمعةُ الأمل، وخفقةُ القلب، ورفّة الجناح. به تزهُو الأحلامُ، و به نسقي حدائقَ الروح.
و نحن، إذ نستحضرُ المنجز الشعريَّ الإنسانيَّ في مختلف لغاته و جغرافياته و أشكاله، و عبر كل العصور، بما يليق من شغفٍ و محبّةٍ لا يخبُوان، في اليوم العالمي للشعر؛ يسرّنا أن نعلن أننا قد استعدنا – في بيت الشعر في المغرب- بادرةَ تكريم الشعر و رموزه في العالم، بعد أنْ بَدَت تباشيرُ الانعتاق من قبضة وباء كوفيد… و ذلك بإطلاق احتفاليتي تسليم جائزة الأركانة العالمية للشعر إلى الشاعر المغربي محمد الأشعري ( المكتبة الوطنية، الرباط، 18 مارس 2022) و الشاعر الأمريكي تشارلز سيميك ( المعرض الدولي للكتاب و النشر، الرباط، يونيو 2022).
و هكذا، سنُشهر، من جديد، زهورَ الشعر و المحبة، مع مُبدع ملصقنا لعيد الشعر العالمي اليوم، الفنان جعفر عاقيل، في سماء كوننا الحزين الملتهب، وسننتصر دوما للشعر، و الجمال، و الحياة.
رسالة المديرة العامة لليونسكو
أودري أزولاي
بمناسبة اليوم العالمي للشعر
21 آذار/مارس 2022
يصاغ الشعر بالكلمات، وتُكسيه الصور حلّةً مزدانة بالألوان، وتُضبط أوزانه بما يلزم من مقاييس البحور، ويستمد بذلك قوةً لا نظير لها في سائر ضروب الأدب والفن. والشعر شكل ذاتي حميم من أشكال التعبير يفتح الأبواب أمام الآخرين، ويثري الحوار الذي يحفز كل أوجه التقدم البشري، وتصبح الحاجة إلى الشعر ماسّةً إلى أقصى الحدود في الأوقات التي تتسم فيها الأوضاع بالاضطراب.
وينطبق هذا بوجه خاص على الشعوب الأصلية، التي تتعرض لغاتها وثقافاتها لخطر متزايد، ولا سيما من جرّاء التنمية الصناعية وتغير المناخ ونشوب النزاعات. ويؤدي الشعر، من منظور هذه المجتمعات، دوراً مهماً في الحفاظ على التنوع اللغوي والثقافي، وصون الذاكرة.
ويتجلى هذا الأمر بوضوح في أعمال جوي هارجو، وهي شاعرة من شعراء هنود أمريكا تنتمي إلى أمة مفسكوك، وقد فازت بجائزة الشاعر التي تمنحها الولايات المتحدة. وتتضمن قصيدتها المعنونة “Break My Heart” [“كُسر قلبي”] وصفاً لعودتها إلى أوكفوسكي، في ولاية أوكلاهوما، حيث اقتُلعت جذور أجدادها بعنف وأُجبروا على النزوح إلى غرب نهر المسيسيبي بموجب قانون عام 1830 بشأن نقل الهنود. ويرد في القصيدة تأكيد قوي وحازم تقول فيه:
“لا يمكنك نظم الشعر قسراً
بالمسطرة، ولا حبسه في مكتب […]
فسوف يلاحقك التاريخ بلا هوادة ولن تُفلت منه أبداً
وسيُطبِق عليك ويلفّك بألف ذراع وذراع”.
تقوم اليونسكو اليوم، بمناسبة اليوم العالمي للشعر، بتسليط الضوء على شعر الشعوب الأصلية، للاحتفاء بدوره الفريد والقوي في التصدي للتهميش والظلم، وفي توحيد الثقافات ببث روح التضامن فيما بينها.
ويحلّ هذا اليوم في الوقت الذي تحتفل فيه الأمم المتحدة ببدء العقد الدولي للغات الشعوب الأصلية، الذي تقوده اليونسكو، لإعادة تأكيد التزام المجتمع الدولي بدعم الشعوب الأصلية في سعيها إلى صون ثقافاتها ومعارفها وحقوقها.
وقامت اليونسكو، في إطار جهودها الرامية إلى صون التقاليد الحية، بإدراج عدد من الأشكال الشعرية في القائمة التمثيلية للتراث غير المادي للبشرية، مثل أناشيد الهدهد في الفلبين، وتقليد مابويو الشفهي في فنزويلا، وصلوات إيشوفا المغناة بلغة هاراكمبوت في بيرو، وتقليد كوجيري الشفهي في أوغندا.
ويُعدّ كل شكل من أشكال الشعر إنتاجاً فريداً، ولكنه يعبّر بدقة عن الطبيعة العالمية للتجربة الإنسانية، أي عن تطلّعنا إلى الإبداع الذي يتخطى كل الحدود والتخوم. وفي هذا تكمن قوة الشعر.
عذراً التعليقات مغلقة