جبار عبدالزهرة
النجف— العراق
مع بداية الغزو الموسكوي للاراضي الاوكرانية لاحت على لوحة الافاق المتعقلة بهذا الحدث جملة تصريحات من مسؤولين عالميين كبار على راسهم
الرئيس الامريكي جو بايدن كلها تتوقع ان هذا الحدث مع استمراريته قد يقود الى حرب عالمية ثالثة تجلت بوادرها في الاصطفاف الدولي الثنائي البارد مع موسكو من جهة ومع كييف من جهة ثانية فالصين وسوريا ودول اخرى ايدت الغزو البوتيني كما استنكرت ورفضت ذلك الغزو امريكا وبريطانيا وغيرها من دول حلف الناتو ومن خارجه وهذان الموقفان المتباينان من الممكن تفسيرهما على ان الحرب العالمية الثالثة قد وقعت بالفعل ولكن بشكل بارد وقد يقود تطور الاحداث المتعلقة بالغزو الى تحولها الى حرب ساخنة تستخدم فيها اسلحة الدمار الشامل من كيمياوية وبايولوجية ونووية وهو ما يهدد مصير العالم بالفناء 0
من الامور الواقعية بداهة والتي تتعلق بالحرب اية حرب والتي تفرض نفسها على الانسان بشكل تقليدي شاء ام ابى وخاصة على مستوى الدول الكبرى منها والصغرى هي لا بد من تدريب فريق عسكري على كيفية استخدام السلاح الجديد اي سلاح من اجل اتقان استخدامه في القتال اذا ما دعت الحاجة الى ذلك سواء كان قتالا في مقاومة وطنية دفاعا عن الوطن وشعبه او كان قتالا يندرج في اطار العدوان على الوجود الانساني من قبل دولة قوية مثل روسيا ضد دولة ضعيفة مثل اوكرانيا 0
وتشير تقارير لخبراء في الاطار التدريبي العسكري الى ان الدول الكبرى مثل امريكا وروسيا لدى كل منها برنامج تدريبي خاص بالتدريب على استخدام السلاح النووي تتدرب عليه قوات كل منهما منذ وقت طويل على كيفية استخدام هذا النوع من السلاح في الحرب اضافة الى طرق تدريبية اخرى خاصة بالتحول من الحرب التقليدية إلى الحرب النووية، كوسيلة لكسب أفضلية قتالية اذا ما تعرضت هذه الدول لخسائر في حرب الاسلحة التقليدية 0
وهذه الفكرة تعيدنا الى الحرب العالمية الثانية وتحديدا الى معركة بيرل هاربر او الهجوم الياباني على بيرل هاربر وهو غارة جوية مباغتة نفذتها البحرية الإمبراطورية اليابانية في 7 ديسمبر 1941 على الأسطول الأمريكي القابع في المحيط الهادئ في قاعدته البحرية في ميناء بيرل هاربر بجزر هاواي لقد غير هذا الحدث مجرى التاريخ كما قيل وأرغم الولايات المتحدة على دخول الحرب العالمية الثانية خاسرة وخرجت منها رابحة باكبر ما يحمل الربح من الغنائم المادية والمعنوية 0
وبعد التعرض الولايات المتحدة لخسائر كبيرة في الارواح والمعدات في هذا الهجوم بقيت تبحث عن وسيلة حربية تعطيها الافضلية نحو الفوز بالحرب من جهة والانتقام من اليابان من جهة ثانية فكانت ان تبنت خطة للقيام بانزال جوي واسع على العاصمة اليابانية طوكيو ثم عدلت عن هذه الخطة بعد اختراع انشتاين للقنبلة الذرية وجعلها في حوزتها وفي متناول يدها فقامت بضرب اليابان بقنبلتين على جزيرتي هيروشيما ونكزاكي في العام 1945م وعلى اثر ذلك استسلمت اليابان للحفاظ على نفسها من الدمار الهائل وازهاق آلاف الارواح ومن ثم الزوال من خارطة العالم0
هذا عرض موجز لما تنطوي عليه نوايا الاطراف المتصارعة في ان تكون الافضلية لها في الصراع الدائر بينها وقد دخلت امريكا وبريطانيا ودول الناتو كطرف رئيس الى جانب اوكرانيا في الحرب الدائرة بينها وبين روسيا وعلى صعيدين وهما صعيد الاسلحة الحربية في تزويد اوكرانيا بها وصعيد العقوبات الاقتصادية والتي منها ايقاف استيراد الغاز والنفط من روسيا من قبل اوربا وغيرها ومنع روسيا من استخدام احتياطيها من الذهب في دعم عملتها الروبل الذهبي 0
ولروسيا ضربان في عملتها الروبل ايام الاتحاد السوفيتي المنهار وهما الروبل الورقي الذي ليس له رصيد من الذهب يتم تداوله في الداخل وكنت في روسيا في العام 1970م لغرض الدراسة والتدريب العسكري ورايت ان الروس يكرهون التعامل بهذه العملة ويعزفون عنها ويتبرمون منها والروبل الذهبي الذي له رصيد عالمي من الذهب والذي تنشط تجارة تصريف العملة في السوق السوداء في روسيا به 0
وفي السبعينيات كان اكثر تجار العملة الذهبية في السوق السوداء السوفيتية من المصورين وكان الذي يريد تصريف الدولار الامريكي وغيره من العملات ذات القوة الشرائية العالية يقصدون هؤلاء المصورين بذريعة اخذ صورة في الاستديو او شراء فلم للكامرة او طبع فلم فيتم التفاهم بينهم على طريقة بيع وشراء ترضي الطرفين بعيدا عن انظار الاجهزة الامنية بحيث يضع البائع اوراق العملة التي يريد تصريفها مثل الدولار في حاوية فلم ويسلمها للمصور تحت ذريعة انه فلم يريد طبع ما فيه من صور ثم يغادر المكان اما المصور فيقوم باخراج العملة من الحاوية ويضع فيها مبلغ الروبلات المتفقة عليه بينهما ثم يعود الشخص وياخذ الحاوية ويفتح غطائها ويخرج الروبلات منها 0
وذات يوم القت علي القبض الاجهزة الامنية في مدينة باكو عاصمة جمهورية اذربيجان مع المصور الذي كنت اتعامل معه من اجل تصريف بعض الدولارات واخذوا مني الحاوية التي فيها النقود واقتادوني الى دائرتهم وادخلوني على مدير الدائرة وقد اصابني خوف شديد وكان عمري آناك لا يزيد على العشرين عاما 0
فهدأ الرجل من روعي وجاءني بكوب من القهوة الحلوة وقدح ماء ثم بدا يحدثني بان هذا العمل يضر باقتصاد بلدهم وانه بامكانه ان يعتقلني ويرسلني الى سيبيريا ولكنه قال لي انه سيعفو عني هذا المرة مقابل عدم العودة للتصريف في السوق السوداء مرة اخرى فاعطيته وعدا بذلك فاطلق سراحي بعد ان قدم لي هدية عبارة عن مجموعة من المناظر الجميلة ومركبة فضائية صغيرة (سيوز) مصنوعة من البلاستك وصافحني مودعا وبصراحة انا لم التزم بالوعد الذي قطعته على نفسي 0
وفي سياق العودة الى مواقف ساسة العالم هناك مخاوف اكيدة من قبل المسؤولين الاوربيين والامريكيين وقادة حلف الناتو الاخرين جاءت عبر تصريحات ادلوا بها وفي مقدمتهم الرئيس الامريكي جو بايدن اعربوا فيها عن قلقهم البالغ من ان الرئيس الروسي بوتين اذا وجد ان مجريات الحرب في اوكرانيا لا تسير في صالحه يمكن ان يغامر باستخدام اسلحة نووية 0
هذا التوقع الغربي والامريكي اكده الجانب الروسي عبر ما كررته القيادات السياسية والعسكرية الروسية، بدورها، باطلاق تهديدات باستخدام السلاح النووي، بدءا من إعلان بوتين في بداية هذا الشهر وضع قوات الردع النووي في حالة التأهب، وهو ما يعني جاهزية أدوات القتال النووية لأوامر انتشار وإطلاق لحظية، كما قال الناطق باسم الكرملين، ديميتري بيسكوف، الثلاثاء الماضي، إن روسيا ستستخدم الأسلحة النووية إذا أصبح وجودها مهددا 0
ويرى بعض المحللين السياسين انه لم يات إعلان بوتين وضع قوات الردع النووي في حالة تأهب كرد على تهديد نووي من جهة ما بل جرى بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا وحلفائهما عن فرض عقوبات اقتصادية هائلة على موسكو وهو ما سماه بوتين (حربا اقتصادية خاطفة) وهو أمر يدل على غضب الزعيم الروسي لكنه لا يعدّ مبررا، بأي مقياس كان قانوني او عرفي ، للتهديد بالسلاح النووي 0
غير ان التهديد الروسي قد حصل وفق التصريحات السابقة الذكرهنا من قبل كبار المسؤولين الروس واصبح امرا واقعا وتتحكم به مجريات الغزو الروسي لاوكرانيا ومواقف الدول الداعمة لاوكرانيا عسكريا واقتصاديا0
وهذه مؤشرات لا تستبعد انطلاق شرارة التدمير شامل من موسكو اذا وجدت ان العقوبات الاقتصادية الغربية والامريكية عليها الحقت اضرارا باقتصادها على مستوى التجارة والتصدير وقوة صرف الروبل الذهبي اضافة الى الموقف التاريخي لبوتين من اوربا وامريكا الذي في رايي يشبه الى حد ما موقف هتلرمنها فبسبب العقوبات القاسية وامتهان لكرامة المانيا من قبل دول المحور في الحرب العالمية الاولى افتعل هتلر الحرب العالمية الثانية بهدف الانتقام من تلك الدول لما فعلته بها فان بوتين قد يسير على طريق هتلر كذلك من اجل الانتقام من هذه الدول التي مزقت الاتحاد السوفيتي وشرذمته في العام 1991م ويلجا الى استخدام اسلحة الدمارالشامل ضدها وفي مقدمتها السلاح النووي 0
انه لامر مرعب بشدة ومخيف اقصى غاية الخوف خصوصا وان السلاح النووي قد تم تطويره بشكل مستمر وعلى الاخص من قبل الولايات المتحدة وروسا لذلك فقد حصل تطور هائل وكبير وواسع في القوة التدميرية للأسلحة النووية، يتجلى في التجارب النووية التي اجرتها واشنطن وموسكو، فقد نفذت واشنطن انفجارا تجريبيا أكبر بألف مرة من القنبلة الذرية التي دمرت مدينة هيروشيما اليابانية، فردت موسكو بتنفيذ انفجار تجريبي أكبر بـ3 آلاف مرة من القنبلة نفسها 0
وعلى العالم الذي مصيره اليوم على كف عفريت الاسلحة النووية ومرهون بارادات الكبار ان يعرف بان اتحاد العلماء الامريكان يقدر ان روسيا تمتلك (6500) سلاحا نوويا وان امريكا تمتلك (6185) سلاحا نوويا وان مجموع ما تملكه واشنطن وموسكو هو يصل الى (1600)راسا نوويا نشطا وبالقوة التدميرية الهائلة التي ذكرناها سابقا 0
واذا افترضنا أن القوة المرعبة لهذه الأسلحة لم تسهم اليوم في الحرب الدائرة رحاها بين فلاديمير الروسي وفلاديمور الاوكراني في الاحتكام للعقل والتوجه نحو بناء حاجز ردع كبير يمنع أي دولة مهما كانت قوتها من استخدامها لهذه الاسلحة ذات التدمير الشامل فان ذلك سيدفع العالم الى مصير هائل الدمار والخراب لا يمكن ان يرسم معالمه انسان في عقله ولا حتى في عالم الخيال لو اقدمت هذه الدول او غيرها من الدول النووية على الشروع في استخدام السلاح النووي في الحرب الدائرة الان بين موسكو وكييف او في اية حرب مستقبلية
عذراً التعليقات مغلقة