بقلم المراقب السياسي
هذه العقدة اليمنية التي وضعت في الرياض على طريق الحل بالرغم من غياب الطرف الأساس الآخر، كان ينبغي ان يجري وضعها في هذا السياق الصحيح قبل سنوات، وربّما قبل ان تبدأ الحرب، ولنقل في السنة الأولى من الحرب، وقبل ان تتحول اليمن نقطة استقطاب الطامعين فيها والمتصيدين في المياه العكرة من الإيرانيين وبعض الخليجيين ايضاً وتجار الحروب .
كما يقول المثل، “يا بو زيد كأنك ما غزيت”، وعدنا الى المربع الأول الذي يقتضي التوافق اليمني الجمعي خارج سياقات حكومة لم تستطع الإمساك بوحدة البلاد أصلا وقادته الى خيارات مفتوحة للتدخل الخارجي.
الخطوة الجارية في نقل صلاحيات الرئيس اليمني ونائبه الى مجلس قيادة رئاسي بعهدة رشاد العليمي، ليست كافية، وقد لا يرضى بها الطرف الثاني من الصراع، الذين كانوا اول الامر الحوثيين فقط، أمّا بعد اكثر من سبع سنوات من الحرب فهم يمنيون كثيرون فضلا عن أصحاب الدعم من الإيرانيين وحزب الله اللبناني والمليشيات التي جاءت من العراق.
كل حرب الى نهاية، ولابد من سلام ، والسلام مختلف الوانه ، فهناك سلام الضعفاء وسلام الأقوياء وسلام المهزومين وسلام المنتفعين وسلام المنافقين وسلام التقية، وكلها نتائج مباشرة لحرب التحالف التي قادتها السعودية كخيار لحسم الوضع في اليمن بعد سيطرة الحوثيين بالتعاون مع الرئيس الراحل علي عبدالله صالح الذي نبذته الرياض، فكان الحال ان تفرعت الحرب واصبح لها ارتدادات اكبر من أن تحتمله طبيعة الحياة في السعودية ،البلد الذي ينزع نحو تغيير وضعه من العقائديات الحاكمة الى الالتحاق بالاستثمار الملياري بوادي السليكون والانفتاح العلمي لتوطين التكنولوجيا الحديثة.
الان الكرة في ملعب التشكيل الرئاسي اليمني الجديد، وكيف سيتعاطى مع اليمنيين من كل المذاهب والمشارب من اجل قيام حكم يمني وطني من دون تدخلات خارجية، وكيف ستبدأ المفاوضات وعلى أي الأسس وما قوتها. هذه مهمة صعبة فالحكّام الجدد في صنعاء لم يسقط حكمهم بقصف الطائرات اف ١٦، وكانوا اشبه بالحفاة عسكريا واليوم يهاجمون العمق السعودي او الاماراتي بالصواريخ والمسيّرات ولديهم عزيمة لم تتآكل برغم الوضع المأساوي. وكانوا فرادى وقد أصبحوا جماعات في الداخل او الخارج وباتوا ورثة الحرس الجمهوري لعلي عبد الله صالح دون سواهم، كما ان التفاهمات كانت قبل سنوات بين طرفين او ثلاثة، لكنها الآن مع حزمة من ذوي العلاقة الاصيلين والدخلاء معاً وهذه من نتائج الحرب المباشرة. وكل ذلك يفرض واقعا جديدا لابدّ من نمط تفكير له عزم يليق في التعاطي معه، وإلا انتكس كلّ شيء، وعدنا الى نقطة الصفر، لاسيما انّ الاتفاق اليمني الأخير خرج من الرياض عاصمة العدوان في نظر صنعاء.
هناك مفاوضات يجب ان تجري داخل صنعاء وليس في مكان اخر، يشترك فيها اليمنيون الذين يستطيعون ان يثبتوا حقيقة ان الحوثيين هم اقلية عددية لا يمكنها الاستئثار بما هو اكبر من المشاركة في حقها السياسي المشترك في الحكم، لكي لا تتفاعل على نحو سلبي تصريحات محمد عبدالسلام القيادي الحوثي ورئيس مفاوضي صنعاء الذي لم يحضر الى السعودية، حين قال بعد ساعات من اعلان اتفاق تحويل سلطات عبد ربه منصور هادي ونائبه الى المجلس الرئاسي الجديد بقيادة العليمي، وقال عبدالسلام في تغريدته:
أن “أي نشاط خارج حدود اليمن هو عبارة عن مسرحيات هزلية وألعاب ترفيهية تمارسها دول العدوان”.
و أن “طريق السلام يكون بوقف العدوان، ورفع الحصار، وخروج القوات الأجنبية من البلاد”.
وقال القيادي الحوثي: “أما ما هو غير ذلك، فهي محاولة يائسة لإعادة ترتيب صفوف المرتزقة، للدفع بهم نحو مزيد من التصعيد”، مشيرا إلى أن “شعبنا اليمني ليس معنيا بإجراءات غير شرعية، صادرة خارج حدود وطنه عن جهة غير شرعية”.
ولفت إلى أن “: الشرعية المزعومة تم إنهاؤها والانقلاب عليها، من قبل من ادعاها واختلقها راية لعدوانه”، واشار إلى أنه “لم يعد أمام المجتمع الدولي والأمم المتحدة أي مبرر للاستمرار في استخدام الشرعية المزعومة ذريعة لقتل شعبنا وحصاره”.
هذا الكلام في لغة التفاوض هو تصعيد لتحقيق مكاسب على الطاولة ويجب ان تعرف الشرعية – الرئاسية- الجديدة كيف تضعه في حدود مفاوضات مشتركة لتقرير مصير اليمن من صنعاء نفسها ، فلا حكم لليمنيين خارج صنعاء مهما قيل.
هذه الحرب يجب ان تنتهي، ولم يعد لها في نظر العالم أي تعاطف سياسي، وما موجود هو تعاطف انساني مع المنكوبين وهذا تعاطف قد ينتهي ويضمحل اذا كانت القوى اليمنية دون مستوى المسؤولية في الأيام القليلة المقبلة.
سقط عامل المراهنة على الزمن لدى جميع الأطراف، الأقوياء والاغنياء منهم قبل الضعفاء والفقراء، وصار الجميع امام استحقاقات وجود يمن جديد، او لا يكون للأبد، يمن قد لا يروق للسعودية او الامارات او ايران أو حزب الله، لكن ذلك لا يهم اذا كان السلام هو العنوان العام الذي لن يضر بمصالح تلك الدول والجهات.
عذراً التعليقات مغلقة