سامي مهدي
لا أدري ما إذا كانت مجلة ( آفاق مندائية ) ما تزال تصدر حتى اليوم ، أم أن الإحتلال طوى صفحتها كما طوى صفحات أخرى . كنت أمس أقلب بعض الأوراق في أرشيف أم نوار فعثرت على ورقة من هذه المجلة ووجدت على إحدى صفحتيها مقالة كتبتها الشاعرة لميعة عباس عمارة عنوانها ( أبو نؤاس وكوكب مارس ) ورأت فيها ، بتأويل بعض أبياته ، أن هذا الشاعر لم يكن من أصل فارسي كما ذكر القدماء ، بل كان صابئياً مندائياً .فقد لفت نظرها بيت يقول فيه :
أسقِنا إن يومَنا يومُ رامٍ / ولرامٍ فضلٌ على الأيامِ
وجاء في شرح هذا البيت من ديوانه أن ( يوم رامي هو اليوم الحادي والعشرون من كل شهر ، وكان الفرس يحتفلون به ويقصفون فيه ) . وتقول الشاعرة عمارة إنها سألت بعض الفرس عن هذا اليوم ، يوم القصف واللهو ، فما تذكروا مثل هذا لا في الماضي ولا في الحاضر .
ثم تقول إنها رجعت إلى معلومة أسطورية تعرفها من المحيط المندائي الذي نشأت فيه ، مفادها أن المريخ ( مارس ) هو رب الجبروت والغضب ، وأن الصابئة يعتقدون حتى اليوم أن ( حارس مارس ) يتجول يوم الحادي والعشرين من كل شهر حسب التقويم المندائي ، حاملاً قوسه وفي أثره كلبه ، وربما يتعرض للخطر كل من يعترض طريقه ، ولذا يتحاشى الصابئة ، وليس الفرس ، ذلك اليوم فلا يسافرون فيه ولا يبدأون بمشروع جديد ، وبناء عليه تعتقد أن أهل أبي نواس كانوا على دين الصابئة قبل الفتح الإسلامي .
ثم تأتي الشاعرة عمارة بعد ذلك ببيتين آخرين لأبي نواس يقول فيهما :
وإن أكُ بصرياً فإنَّ مُهاجَري / دمشقُ ، ولكن الحديثَ شجونُ
مجاور قومٍ ليس بيني وبينهم / أواصرُ ، إلا دعـــوةٌ وظنـــونُ
وتقول عمارة ( الحديث ذو الشجون الذي لم يشرحه أبو نواس هو إِشارة إلى هجرات الصابئة المتعددة إثر تعرضهم إلى الإضطهاد ، ومنها هجراتهم من الشام إلى العراق . )
ثم تستنتج من ذلك فتقول ( إذن لم يكن أبو نواس فارسياً ، وأين قصائده التي كتبت بالفارسية لو كان ؟ وهو لم يكن مجوسياً متعصباً للفرس ضد العرب ، ولكنه العناد حين يُعيّر الإنسان بقوم أو دين ، وحين يضطهد بسبب دينه أو أصله تأتي ردوده حادة ودفاعه هجومياً ، وإن لم يكن متديناً أو متعصباً . )
ثم تقول ( أبو نواس نبطي ( آرامي ) بدليل ما قاله أحد معاصريه وهو يهجوه :نَبَطيٌّ فإذا قيلَ له / أنت مولى حَكَمٍ قال أجلْوالأنباط كانوا على دين الصابئة ، أو كان الصابئة يحسبون نبطاً ) كما تقول .
ثم تضيف ( أبو نواس استغل الأسطورة التي تعارف عليها قومه ( الصابئة ) أحسن استغلال .
فهو مادام قاعداً في البيت فأولى به أن ينفق الوقت بالشرب واللهو ، متصنعاً التشاؤم أو ملتزماً به حقيقة ، محملاً مارس مسؤولية قعوده في البيت واعتكافه على الشراب بحجة التشاؤم من الخروج في هذا اليوم ) . ( مجلة آفاق مندائية / السنة الخامسة / العدد 12 كانون الثاني 2000 )هكذا تأولت الشاعرة لميعة عباس عمارة ، وتأويلها بعيد لا يخلو في ظاهره من بعض المنطق ، ولكننا لا نملك في مقابله غير ما ذكره القدماء عن أبي نواس ، وما أفصح عنه أبو نواس في شعره ، وفي هذا وذاك الكثير مما ينقض هذا الرأي / التأويل .
لا أتذكر أن ما ذهبت إليه الشاعرة قد نوقش في حينه مناقشة جادة ، ولم يصلني أن أحداً رد عليه ، فهل هذا يعني أنه لم يُحمل على محمل الجد ؟!
فيسبوك
عذراً التعليقات مغلقة