محمد واني
كاتب كردي عراقي
منذ الستينات من القرن الماضي وعقب انقلاب ميليشا الحرس القومي التابعة لحزب البعث على حكم عبدالكريم قاسم في 8 شباط 1963 وممارسة ابشع أنواع القمع ضد الشعوب العراقية ، تحول إقليم كردستان الى مأوى للنازحين العراقيين الهاربين من بطش السلطة الميليشياوية الإرهابية ، وعندما اضطرت الحكومة العراقية لسحب قواتها في الإقليم بضغط من المجتمع الدولي في أكتوبر 1991 وافساح المجال لتشكيل مؤسساته الحكومية والتشريعية عام 1992 وانتشار الامن والسلام في ربوعه ، تقاطر الالاف من النازحين واللاجئين السوريين الفارين من بطش “داعش”والفصائل الشيعية المنفلتة ، وبحسب الاحصائيات يوجد اكثر من مليون من هؤلاء النازحين واللاجئين في الإقليم وهم يحظون برعاية واهتمام ممتازين من قبل حكومة الإقليم!
ولم يقتصر الامرعلى اللاجئين والنازحين بل لجأ الكثير من زعماء الأحزاب الشيعية المعارضون لنظام الحكم البعثي البائد الى اقليم هربا من البطش والقمع الذي فاق كل تصور. فعاشوا بين أحضان الشعب الكردي معززين ومكرمين وعلى رأس هؤلاء” نوري المالكي” الذي رد الجميل وفرض حصارا جائرا على هذا الشعب المسكين منذ 2014 ولحد الان.
وعقب تولي الأحزاب الشيعية الحكم في العراق بعد سقوط النظام البعثي عام 2003 جاء دور زعماء السنة السياسيون والعشائريون للاحتماء بالإقليم فرارا من الاعتقالات والملاحقات ، وكعادة الشعب الكردي في إغاثة الملهوف واعانة المنكوب ، احتضنهم وضمن لهم الحرية والحياة الكريمة التي تليق بالإنسان الذي كرمه الله ، وخاصة بعد الحرب الاهلية الطائفية في عامي 2006 و2008 التي أدت الى سقوط عشرات الالاف من القتلى “على الهوية!” على يد فرق الموت! حيث تدفقت الاف العوائل النازحة صوب كردستان حفاظا على حياتهم ، الامر الذي جعل الإقليم يدفع ثمنا باهظا من استقراره واقتصاده نتيجة هذه السياسة الإنسانية الثابتة.
لم يتوقف العداء السافر للاقليم عند الحصار والتجويع ، بل تعداه الى التحريض والهجوم الخطير على منشئاته بالصواريخ والطائرات المسيرة”درون” تمهيدا لنسف كيانه الدستوري وإعادة العراق الى الدكتاتورية وهيمنة مكون او حزب واحد على الحكم .
ونتيجة موقف الديمقراطي الكردستاني السياسي بضرورة احداث تغيير في هيكلية السلطة القائمة على التوافق والمحاصصة وتشكيله تحالفا ثلاثيا مع التيار الصدري الشيعي والسيادة السنية لاخراج البلاد من التبعية والفساد وازماتها العميقة ، ناصبت ايران والاطار التنسيقي الموالي لها والخاسر في الانتخابات المبكرة التي جرت في 10 من أكتوبر 2021 العداء للإقليم وامطروه بوابل من الصواريخ الباليستية والكاتيوشا ، فقد اطلقت ايران في اذار الماضي 2022 ، 12 صاروخا باليستيا على أربيل العاصمة بحجة وجود القواعد الإسرائيلية! وفي 6 ابريل من نفس العام استهدفت الميليشيات محطة نفط في مصفاة “كوركوسك”التابعة لاربيل واطلقت ثلاث صواريخ عليها . والاستهدافات اليومية مستمرة على مرأى ومسمع من المجتمع الدولي .
ورغم إعاقة جهود السلام من قبل هؤلاء ووضع عراقيل امام المصالحة الوطنية واختلاق الازمات والحؤول دون وصول بغداد واربيل الى حل جذري للمشاكل العالقة بينهما ، فان الكرد تمسكوا بمباديء السلام وحل المشاكل عن طريق الحواروفي اطار مباديء الدستور.
ومن الأهمية بمكان ان نشير الى ان رئيس الإقليم “نيجيرفان بارزاني” الذي يقود الدبلوماسية الكردية بنشاط وحيوية قد بذل جهودا استثنائية لحل تلك الازمات المفتعلة وتطبيع العلاقات مع بغداد ، وقام بزيارات مكوكية دائمة الى بغداد والتقى قادة الأحزاب الشيعية والسنية والرئاسات الثلاث وزار فرنسا والتقى ماكرون وزار ايران في أغسطس من عام 2021 لاجل هدف واحد وهو تطبيع الأوضاع مع العراق والدول الإقليمية وتذليل العقبات لاقامة علاقات طبيعية مع الكل وانهاء الازمات واحلال السلام الدائم بين الاخوة المتخاصمين .
عذراً التعليقات مغلقة