صبحة بغورة
- يقال إن الموظفين الإداريين مطالبون بالعمل بشكل صحيح، بمعنى مطالبون بالالتزام الكامل بالتوجيهات وبالتنفيذ الدقيق للتعليمات، أما القادة الإداريون فمطالبون بعمل الأشياء الصحيحة أي مطالبون بإجادة التخطيط وتوزيع المهام وتحديد الإجراءات التي تضمن حسن سير العمل ونجاح المؤسسة، ويفهم أن على الإداريين إتقان العمل على النحو الذي يضمن حسن تقديم الخدمة وجودة المنتج، وهم قد يخطؤون وبإمكانهم استدراك الأمر والإسراع بتصحيح الاختلال، لذلك يحتاج الموظف الإداري إلى اكتساب المهارات الأساسية والخبرات المهنية وامتلاك أدوات العمل الإداري الضرورية لإجادة عمله، أما عمل القادة فهو يتعلق بأمر مصيري يستند إلى دقة الاختيار وصواب القرار، وتكون حاجة القائد أكبر إلى شجاعة التفكير في مواجهة التحديات وجرأة التعامل مع القضايا وسرعة البت في حل المشكلات.
القائد الإداري المبدع يصنع قيادة إبداعية، ولأن جوهر القيادة يكمن في السلوك القيادي فقد وجب على القائد القيام بدور كبير لتكريس روح الالتزام في نفوس موظفيه وخلق الرغبة لديهم لحسم أمرهم بتأييده بعد اقتناعهم بسلامة التوجه وصواب الهدف ودقة الإجراءات. إن خصائص العمل المتفردة في النهج والمتميزة في الأسلوب تعزي دائما إلى القائد الذي سينظر إليه حينها في الأوساط المتخصصة كونه قد خرج عن المألوف وسلك بنجاح طريقا محفوف بالمخاطر مستعينا بعوامل الاستشراف وأدوات القوة والتصميم من أجل تشكيل خط جديد ما كان لأحد أن يؤسس له قبله.
في الاتفاق العام ينظر إلى القيادة في العمل على أنها عملية يتفاعل فيها البعد العملياتي أولا الذي يعمل عمله التكاملي وبتنسيق تام حتى يتطور في إطار منسجم إلى أن تصبح القيادة في حد ذاتها نتاجا له بملامحها الخاصة بها التي ستتعلق بحجم الكفاءة وبنوعية المهارة، وكذا بأوصافها المميزة مثل مستوى الجدارة وميادين الانجاز حسب نوع ومجال العمل وطبيعته، وفي الواقع تبقى كفاية العمل واحدة، ثابتة في كل الأحوال، أما الذي يتغير فهو فهمنا للقيادة، وأدراكنا لكيفية ممارستها، واستيعاب الخبرات والدروس لطريقة توظيفها.
شعور الفرد بأن العمل ليس مجرد وظيفة له، وبأنه يتكامل في عمله يجعله يبني لنفسه شخصية ويشكل لذاته سلوكا يستند إلى شعور داخلي حقيقي بالثقة يدفعه لتفجير طاقته الإبداعية في خدمة أهداف المؤسسة، أي أن الفرد سيكون مبدع بالقوة في ذاته، وعلى المدير الإداري الماهر أن يكتشف بنفسه مفاتيح شخصية مرؤوسيه لتحفيزهم وتوجيههم ليكونوا مبدعين فعلا. وسيكون هذا التوجيه من خلال تنمية شغفهم وتطلعهم إلى التطور والترقي من خلال ما يحققونه من نجاح في العمل، وهذا يجعلهم يبذلون جهدا أكبر لأن الشعور بالرضا عن ما تحقق ينعكس على جميع الزملاء، وطبيعي أن الإبداع ليس صورة مكررة في كل الأحوال، فهو كقيمة في حد ذاته يبدو معناه في ذاته كعمل رائد وفريد ومتميز، ويبقى راسخا أن العملية الإبداعية عملية مستمرة ودائمة لا ينبغي التوقف عنها عند أولى محطاتها مكتفين بشعور الرضا عن ما هو موجود فقد ينعكس هذا على العاملين بالتوقف عند حدود ما تم إنجازه وبالتالي يحدث التراجع والخسارة ثم تنتهي الأمور نحو الفشل .
إن عمل المؤسسات في ظل تأثير متغيرات الاستراتيجية الابتكارية التي تحكم توجه القيادة الإدارية إما يجعلها أن تكون مؤسسة رائدة بتجاربها الثرية وقائدة بخبراتها الكبيرة وانتشارها الواسع، وإما تكون تابعة بسبب نشاطها المحدود، تنتظر نتائج عمل الآخرين لأنها غير قادرة على التصدي بمفردها لتحديات بيئة العمل المنافسة المحيطة بها، أو أن تكون مقلدة للآخرين بنشاط مكرر وعاجزة عن الإبداع، أو الإتيان بأي قيمة استعمالية مضافة، وتفتقد قيادتها للبصيرة الثاقبة وحسن التخطيط والتدبير.
القيادة مهمة صعبة وعسيرة لذلك لا تتفق طبيعتها مع أولئك الذين يركنون إلى الأعمال الروتينية ويجنحون إلى البقاء على ما كان جاريا ومألوفا، ولكن مع أصحاب الهمة العالية والنفس المتجدد وهما أهم سمات الإداري الناجح الذي لا يرضى بالنقائص، تراهم لا يتركون الأفكار الجيدة تبقى مهملة حتى التي لا يجدون سبيلا لتنفيذها في الحال بل يحتفظون بها إلى حين مناسبة يمكن أن تخضع للمناقشة أو الإثراء فقد تفتح البصيرة على إمكانية تنفيذها يوما ما، وهو من حسن التدبر وثقابة الرأي والرؤية الاستراتيجية طويلة الأجل لدى القادة الإداريين،
الابتكار بطبيعته حذر، والجديد دائما يخيف لأن نتائجه لم تثبت بعد وهي غير مضمونة ومصيره مجهول ويحتاج إلى التحلي بكثير من الشجاعة والصبر وروح التحدي، لذلك تبرز أهمية أن يتأكد العاملين من أن أعمالهم ستعود بالنفع عليهم وعلى المؤسسة ، وانطلاقا من هذا الاعتبار تثور بعض التأملات حول علاقة الالتزام بالعمل مع الخوف من المستقبل في ظل مزاحمة التكنولوجيا ونظم المعلومات، أي تثور مسألة الأمن الوظيفي، فكسب القائد الإداري التزام العاملين معه بالعمل، يقابله مواجهته لتعقيدات العمل من جهة، وللحاجة للتطور والتجديد والتحديث من جهة أخرى مع محاولة الإبقاء على طبيعة المناخ المحفز في بيئة العمل ، وفي حال حققت القيادة الإدارية معادلة الملاءمة بين متطلبات الحياة الكريمة للعاملين مع سبل تكيفهم مع متطلبات الالتزام في العمل سواء تعلق منه بمستوى الإنجاز وحجمه ونوعه أو برضى المتعاملين مع المؤسسة عن درجة اتقان منتوجها وجودته التي تلتقي مؤشرات تحسينها مع تخفيض التكلفة وزيادة الإنتاجية ، حينها تكون الإدارة قد بلغت مستوى الخصائص التي تدل على تمتعها بوجود قيادة إبداعية يمكن أن يترسخ مفهومها في النفس والوجدان ويتشبع الفكر بأبعادها وبملامحها حتى يصبح أمر تطوير الانتفاع بها طموحا جارفا ومتجددا لكافة العاملين .
عذراً التعليقات مغلقة