احمد الحاج
في مجموعته القصصية “حروف الغربة “الصادرة عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، يعمد القاص والروائي عصام حمودة إلى تجذير الأمكنة وعلاقتها بالشخصيات وما يحصل بين الاثنين من شد وجذب وانعكاس ذلك في نفوس الشخصيات الواردة في قصص المجموعة، لذا تجد جميع الأمكنة عبارة عن أمكنة إما مألوفة أو صديقة أو معادية، وفي كل النصوص الواردة نجدها في النهاية ذات ثيمة مأساوية ـ مكانية، كما أن الشخصيات معظمها تعاني من اغتراب مكاني لذلك تسعى دائماً في سبيل الانعتاق من هذا السلطة المفروضة عليها قسراً إلى أفق أرحب تشعر فيه بالراحة والأمان، وقد اعتمد القاص حمودة على اسلوب الحذف والاقتضاب في كتابة المجموعة دون اسهاب أو حشو لا طائل من وراءه سوى اطالة النصوص على حساب جودة العمل الفني.
وبدءاً بالعنوان الرئيس للمجموعة هو عنوان مكاني، ونجد فيه اغتراب شكله القاص عبر حروف قصصية تروي لنا مأساة الأمكنة التي مرت بها الشخصيات الواردة في المجموعة، وقراءة في متن القصة التي حملت عنوان المجموعة، نجد أن القاص يجري لنا مقارنة بين مكانين: المكان الأول هو مكان مألوف للشخصية المضادة كونه مكاناً محبباً حيث مكان الولادة والنشأة والأهم من ذلك أنه مكان لقاء الحبيب، بينما المكان الثاني هو مكان غريب غير مألوف وغير محبب حيث الغربة والبعد عن ديار الحبيب وقد عبر عنه القاص من خلال رسالة بخط يد الشخصية.
يندرج المكان في القصة ضمن حيز أكبر وهو الفضاء السردي والذي يشمل وقت ومكان أو متى وأين جرت القصة والبيئة السيسيوثقافية المحيطة بالحدث، وهو عنصر أدبي يستخدم في الروايات والقصص القصيرة والمسرحيات والأفلام وما إلى ذلك، وعادة ما يتم تقديمه أثناء بداية عرض القصة، إلى جانب الشخصيات، وقد يشمل الفضاء أيضًا بيئة القصة، والتي يمكن أن تتكون من الموقع المادي والمناخ والطقس والبيئة الاجتماعية والثقافية([1]).
ويلعب المكان دوراً هاما في بناء النص السردي فهو عنصر مهم من عناصر البناء القصصي، فهو الذي يمكن المتلقي من الولوج إلى العالم الداخلي للمكان الذي هو جوهر العالم الداخلي للنص الحكائي، وإدراك معالمه([2]).
يشمل المكان على عدة أنواع مثل مبنى معين أو غرفة في مبنى، أو بلد، أو مدينة، أو شاطئ، أو وسيلة نقل مثل سيارة أو حافلة أو قارب أو قطار، أو قد يصنف إلى مكان داخلي أو خارجي، إلخ([3])، وهناك أمكنة مألوفة وأخرى صديقة وقد تكون معادية بالنسبة للشخصيات.
في قصة “الهواء البارد” نجد أن مكان العمل بالرغم من أنه مألوفاً لشخصية البطل كونه مكان العمل اليومي، إلّا أنه يعد مكاناً معادياً فهو يتلقى التهديد والوعيد فيه من مديره في العمل، “أفاق على صوت زميله يبلغه بان المدير يريده يتقدم ناحية المكتب. دخل داعياً الله أن يمر اليوم بسلام، سمع من الآخرين أن الرجل يملك وجهين،… يهدده إن لم يلتفت لعمله جيداً سيلقى أشد الجزاء.” (القصة: ص6)، وفي قصة “أشياء محطمة” يصف لنا القاص أبعاد المكان المعادي من خلال صرير المفتاح: “صرير المفتاح يعلن أن ما كنت تريد الهروب منه واقع لا محالة، ولا بد من المواجهة مهما كان الأمر.” (المجموعة: ص19)، ثم يتطور الحدث إلى مكان مأساوي يحرث الألم في نفس الشخصية البطلة كونه يذكره بالحبيبة التي قايضة حبه بـ “شقة تمليك، سيارة، 60 عاماً.” (المجموعة: ص21)، وفي قصة “طقوس العودة” يصف لنا القاص بشاعة المكان المغلق بعبارات مقتضبة: “في دورة المياه تغالب شكوكاً عديدة… في دورة المياه يتسلل العفن إلى ذاتك، تشعر بدوار… أماكن ضيقة، شبابيك محطمة، أبواب مهشمة، صنابير مفتوحة، كتابات ورسوم على الأبواب والجدران.” (المجموعة: ص 51)
كما لا تخلو القصص من أمكنة سيرية مألوفة للقاص حمودة انسربت في النصوص عبر تداعيات تيار الوعي حيث الأمكنة التي شهدت ولادته ونشأته ومسكنه، لذلك نجد أن مدينة الاسكندرية وبحرها وضواحيها وقطاراتها حاضرة في أكثر من قصة وعلى الرغم من استخدام القاص لضمير الغائب في الحديث عن الشخصيات، إلّا انها تشي بتغطية حيز سيري مكاني من حياته.
في الختام لا يسعنا إلّا توجيه الشكر للهيئة العامة لقصور الثقافة المصرية على نشر المجموعة الأولى “حروف الغربة” للقاص عصام سعد حمودة والذي أطلقت أنا عليه قبل سنوات عبارة “المبدع بصمت”.
([1] ) https://literaryterms.net/
([2] ) مرشد حمد، المكان والمنظور الفني في روايات عبد الرحمن منيف، حلب: دار القلم العربي، 1998. ص 61.
أحمد الحاج منذ 3 سنوات
شكرا جزيلا للسيد رئيس التحرير ولكادر الجريدة على نشرها هذه الدراسة المهمة عن مجموعة قصصية حداثية.