فاضل المناصفة
بينما يحتفل قادة حماس بالعيد الخامس عشر منذ توليهم حكم غزة بالحديد والنار تستذكر عشرات العائلات من حركة فتح ذويهم الذين قضوا في المواجهات المسلحة في مشهد يمكن توصيفه ب ” النكبة الفلسطينية الثانية، والتي كانت أشد وقعا وايلاما من الأولى، ذلك لأن القاتل والمقتول ” فلسطينيان ” بغض النظر عن الأسباب والمسببات والتسميات، في النهاية كانت إسرائيل الرابح الأكبر من شق الصف الفلسطيني بأيادي فلسطينية.
أردت أن أذكر حماس بأن شعبيتها قد بنيت بقليل من شعارات المقاومة ومحاربة ودحر المحتل وكثير من الوعود الاقتصادية والاجتماعية تحت مسمى استراتيجية التحرير والبناء مستغلة بذلك ضعف السلطة الفلسطينية التي أنهكها صراع طويل الأمد مع إسرائيل التي حاولت بكل ما تملك من وسائل ضغط اقتصادي وسياسي: بطريقة ذكية، عبدت إسرائيل الطريق أمام حركة حماس للفوز بالانتخابات التشريعية ولتمكين حماس كان ينبغي أن تكون كل الظروف ضد فتح وكان من اللازم ترتيب وصول حماس إلى حكم غزة ليكون القطاع مهيأ كميدان حرب ضد إيران.
حرب الفرقان، حجارة السجيل، العصف المأكول… حروب حماس التي لم تنجح فيها في اضعاف العدو بل أعطته التمكين في فرض حصار جائر ضد ” الحياة ” واعطته تصورا لحجم الدعم العسكري الإيراني في القطاع ونقاط قوته وضعفه وليكون الوضع دائما تحت السيطرة كان لابد من ان تستمر حماس في غزة من دون ان تنهار لأن انهيارها يعني خسارة ميدان الحروب التجريبية ضد ايران.
صحيح أن حماس والفصائل المسلحة نجحت إلى حد ما ان تكون حائط الصد ضد محاولات الإحتلال لتهويد القدس ولكن الاحتلال كان ولا يزال يعرف كيف يضع حماس في خانة اليك ويجبرها على التراجع تحت طائلة العقوبات و التضييق كما ان تحالفات حماس مع إيران وقنوات تواصلها مع الحرس الثوري دفعت ثمنها القضية الفلسطينية ثمنا باهضا، خاصة وأن الغرب قرر ايضا فرض سياسة العقاب الجماعي في غزة الذي لا يدفع ثمنها إلا الغلابة بإسم المقاومة وتحرير الأقصى وما شابه ذلك مع أن ما يجري هو تنفيد للأجندة الإيرانية وبعيد كل البعد عن العمل المدروس الخطوات والعواقب، ثم صارت تلك الحروب التي تقود حماس ضد الاحتلال بمثابة صك الغفران وخطاب البيعة على غزة الذي يبرر الفشل الذريع في الجانب الاقتصادي وتدهور الأوضاع المعيشية لغالبية اهلنا في غزة والمؤلم في كل ما يحدث ان معارضة اسلوب حماس في التسيير والحكم يعتبر خيانة للقضية الفلسطينية ويستدعي تسليط أقصى العقوبات ضد من تسول له نفسه أن يحاسبها عن العبث الذي ادخلت فيه القطاع و الممانعة والصمود الذي لطالما تغنت به ولكنه لايصمد أمام تصاريح العمل في دولة الاحتلال التي تجد فيها حماس الحل الوحيد لتخفيض معدلات البطالة والفقر داخل القطاع : لقد وصلت حماس بعد 15 سنة من الحكم الى تحويل غزة الى محتشد كبير يدفع فيه المحتجزون الجباية .
حماس اليوم لاتزال تعيش مرحلة المراهقة وهي لم تصل إلى مرحلة النقد الذاتي لمسارها السياسي الذي قارب على العقدين، ولا تقدم أي نوايا حسنة لنبذ الخلافات مع فتح وطي صفحة العراك على السلطة وإنهاء حالة الانقسام الذي أنهك القضية وأضعف الصف السياسي الفلسطيني أمام إسرائيل وأمام المجتمع الدولي الذي يؤمن بأن فكرة دولة فلسطينية تعني دولة تعيش تحت رحمة حرب أهلية ممكن ان تندلع في أي وقت مادامت بعض القوى السياسية لا تملك حدودا للمنافسة الشريفة وتستعمل كل الوسائل في خصوماتها.
وضع غزة اليوم ووضع القضية الفلسطينية يحتاج إعادة ترميم للبنية الفلسطينية الواحدة وتقديم تنازلات سيسجلها التاريخ بأنها كانت شجاعة: لا يمكن إطلاقا تصور نجاح لأي مشروع فلسطيني لبناء دولة قوية في ظل هذه الظروف وفي ظل مضي العرب نحو تطبيع علاقاتهم مع إسرائيل وتجاهل القضية…. لم يعد بالإمكان تقبل هذا الانقسام لأنه خطر على ما تبقى من القضية الفلسطينية وخطر على النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
ألم يحن الوقت لنرتب لحوار ” فلسطيني فلسطيني بدون وساطة فلان أو علان؟ ” ألم يحن الوقت لنتنقاش في القضايا المصيرية للوطن ونعترف باخطائنا دون ان نتوجه بسهام الانتقاد والتخوين لبعضنا البعض؟ هل سيستمر بنا الوضع على ماهو عليه حتى تنهار حماس أو فتح وتتلاشى فلسطين تماما؟ فليجاوب قادة حماس على هذه الأسئلة وليغتمنوا الفرصة لتصحيح مسارهم و لإنقاذ غزة قبل ان تنتفض أهاليها ضدهم وتطالب بإنهاء حكمهم في القطاع مهما كلف الأمر.
عذراً التعليقات مغلقة