بقلم المراقب السياسي
لم يكن انسحاب التيار الصدري الفائز في الانتخابات العراقية من البرلمان والعملية السياسية أمرا ً منطلقاً من فراغ أو انّه من طيب نفس مقتدى الصدر زعيم التيار الذي يرفض ان يكون أحد سواه يمثل قيادة الشيعة في العراق، لاسيما الذين يرتبطون بالحرس الثوري الإيراني مباشرة ويقبضون رواتبهم من الدولة العراقية وليس لهم الخلفية العائلية ذات التأثير النفسي في قطاعات شيعية واسعة.
قرار انسحاب نواب الصدر، يعني ان حكومة اغلبية وطنية عبر تحالفات سياسية للكتل الفائزة في الانتخابات هي من المستحيلات التي لن توافق عليها ايران لأنها تعني ان هناك إمكانية لتصحيح العملية السياسية التي أسسها الامريكان بموافقة مشروطة من ايران .
الامر الثاني، هو انّ ايران لا توافق على ان يحمل راية الشيعة في العراق مقتدى الصدر بكلمة قطعية ونهائية وتريد الاعتماد على آلياتها التنظيمية المؤسسة في خلال تسع عشرة سنة، وانها لا تمتلك قناعة كاملة في وصول الصدر الى موقع التحكم بمقاليد السلطة ، لكنها تريد تياره ان يبقى تحت مظلة التنظيمات الشيعية التي يرعاها الحرس الثوري في العراق المستباح.
الان دخل العراق مرحلة كسر الارادات، التي كشفت عن زحزحة الصدر عن موقعه الرسمي في العملية السياسية التي كان يأمل بتزعمها وإنتاج حكومة تصفي خصومه من الشيعة الرافضين له منذ ان قام الجيش الأمريكي المحتل بتسليم الموالين لإيران حكم العراق العام ٢٠٠٣.
هزيمة مقتدى الصدر لها ثمن كبير سيدفعه العراق والشيعة خاصة، وانّ اية حكومة لن تنال الاستقرار بوجود المعترض الأكبر على السياسات العامة في ساحات مفتوحة في الشارع، وهو التيار الصدري الذي لم تعد اية قوة رسمية او ميليشياوية اللعب معه وزجّ عناصره في السجون كما فعل نوري المالكي في فترة حكمه السوداء ابان الاحتلال الأمريكي وبعده، ذلك انّ التيار اليوم قوة شعبية مسلحة وعقائدية ولها قائد أوحد في موقع مقدّس روحياً ، في حين انّ كُل الفصائل ليس لها قادة مقدّسون وهم عبارة عن موظفين مزدوجين في الحرس الثوري والحشد الشعبي ليس أكثر، لاسيما بعد ان حصد ترامب رقبة قاسم سليماني وتابعه أبو مهدي المهندس.
أدوات الإيرانيين من العرب السُّنة دخلوا مباشرة بمشروع ما يسمى الإطار التنسيقي الموالي للحرس الثوري، من اجل انتاج حكومة الموالاة التي لن تعيش سنة كاملة في أحسن الاحوال قبل ان تنهار، لأنّ مقومات وجودها غائبة.
الحقيقة التي لا يستطيع مقتدى الصدر نكرانها هي انه تعرّض لضغط إيراني بما يشبه القرار النهائي في انه أمام خيارين تعيسين، إمّا الانضواء تحت راية المالكي والعامري والخزعلي وأبو فدك، أو العزل والنبذ والاستهداف، ولعلّه اختار الانسحاب تاركاً الجَمل الإيراني بما حمل من كائنات مخابراتية موالية ستحكم العراق أربع سنوات مقبلة، وهو الامر الذي لن يتحقق من دون مفاجآت عظيمة الثمن.
عذراً التعليقات مغلقة