بقلم المراقب السياسي
- لندن
ما أولويات أمير دولة قطر، بعد قمة جدة؟ هل كان ما قاله، على نحو مجمل، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في كلمته بافتتاح تلك القمة التي حضرها الرئيس الأمريكي بايدن يمثل كل ما في جعبته أم انه كان رأس جبل الجليد الظاهر فحسب؟
محوران اشتغل عليهما كلام الأمير القطري، هما الأمن والتنمية، ولعله ربط بين مصيريهما ربطا لا فكاك منه، حين ذكر انّ النزاعات تهدد التنمية وهو تهديد لعصب الحياة في الطاقة التي تسهم الدوحة بإمداداتها الدولية الاستثنائية اليوم.
بالرغم من انّ إيران هو عنوان ذو حدين صارمين في ملف الطاقة والامن معاً في المنطقة، فقد تحاشى الأمير ذكرها تصريحاً غير انه أكد على حق دول المنطقة بامتلاك الاستخدام السلمي للطاقة النووية، وهو أحد المطالب الإيرانية بغض النظر عن تفاصيل ازمة الاتفاق مع الدول الكبرى والعقوبات الامريكية. وقطر قبل ذلك هي شريك ناجح لإيران في مصالح الطاقة، وتوجد اتفاقية شراكة على حقل في منطقة مشتركة حسم القطريون أمرهم منذ سنوات بعيدة بإعطاء ايران صافي ثلاثين بالمائة من الأرباح من دون كلفة تستوجب على الإيرانيين، وبذلك ضمنوا الحماية الايرانية لإنتاجهم من الغاز في منطقة مشتعلة ليس لأمريكا قدرة على إطفاء حرائقها إذا شبّت، الا بمزيد من سكب وقود النيران، كما اثبتت تجارب حروبها في ثلاثين سنة ماضية.
بالرغم من القاعدة الامريكية في السليلة القطرية، تبدو الدوحة متمسكة بالتحالفات الأمنية والشراكات التنموية الإقليمية، كما كان نهجها من قبل، لاسيما مع تركيا التي يقف ثلاثون ألف جندي على الأراضي القطرية متأهباً للدفاع عنها منذ أيام الازمة الخليجية، ولا توجد اية توجهات قطرية لتغيير هذا الوضع بالرغم من الصلح. غير ان الجديد الأصعب هو ان تستطيع قطر تحقيق ركن شراكة ثالثاً مع السعودية بقيادة ولي عهدها وحاكمها الفعلي الأمير محمد بن سلمان، لتحقق معنى الانتماء الى الشراكات الإقليمية البديلة عن الاعتمادات الدولية او الامريكية التي يمكن ان تبقى في حدودها التقليدية المعروفة. لابد التذكير بأن السعودية في هذا المعطى هي قوة إقليمية لها خصوصية عربية، لكنها في المعادلة القطرية التي نقصدها هنا، هي ركن ثالث مع إيران وتركيا في الإقليم الواسع، غير أنّ ذلك لا يبدو متحققاً بجرأة بالرغم من انّ الفرصة مواتية الان، لاسيما انّ حدة الازمة انخفضت بين السعودية وايران وانتقل حوارهما من المستوى المخابراتي الى السياسي تحت رعاية بغداد.
اذا لم يستطع أمير قطر، وهو المؤهل الوحيد بحكم إمكانات تفاهماته الدقيقة مع محمد بن سلمان، من الانتقال الى المرحلة الجوهرية عالية التحالف مع السعودية، فإنّ أي تحالف للدوحة مع إيران وتركيا في الأمن والتنمية والطاقة هو غير نهائي ويتوافر على مصدر قلق لها أو لدول الخليج التي ترتبط بالاستراتيجية السعودية بنسب متفاوتة في نهاية المطاف.
الخلاصة.. بات أمراً مُلحّا عودة امير قطر الى السعودية في وقت قريب مناسب، وربما عاجل أيضاً، لتقعيد القواعد وترسيخها في تحالف مباشر لا يخضع لما يتم تداوله من قوالب سائفة وهشة وبروتوكولية وغير مجدية في قمم مجلس التعاون الخليجي الآيل للاندثار.
في ضوء هذه الخطوة العزوم وحدها والمنتظرة من قطر لضمان مستقبلها، يمكن قراءة هواجس ما ورد على لسان اميرها في قمة جدة حين قال:
إنَّ الاحتكامَ للقانونِ الدولي يوفرُ على الإنسانية جمعاء المآسي، فالأزمات والحروب في أي منطقة تؤثر على العالم بأسره …كما هو معروف فإنَّ القانون الدولي هو قانون عُرفي لا يُلزِم إلا من تدفعه مبادؤه أو محدوديةُ قدراتِه للالتزام به. ومنذ نهاية الحرب الباردة تتحاور الدول حول ضرورة وجود تحالفات لقوى دولية ملتزمة بالقانون الدولي وميثاق الأمم المتحدة، وقادرة على فرض هيبتهما، على نحو غير انتقائي، بحيث لا تُخضَع لمصالح دول بعينها أو توجهاتها الأيديولوجية، ولم يفلح المجتمع الدولي في ذلك حتى الآن.
عذراً التعليقات مغلقة