رضا يوسف إحمودى
– تونس
وردت كلمة عيد مرّة واحدة فى القرآن الكريم فى سورة المائدة … يقول تعالى : قَالَ عِيسَى ٱبْنُ مَرْيَمَ ٱللَّهُمَّ رَبَّنَآ أَنزِلْ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ ٱلسَّمَآءِ تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِّأَوَّلِنَا وَءَاخِرِنَا وَءَايَةً مِّنكَ ۖ وَٱرْزُقْنَا وَأَنتَ خَيْرُ ٱلرَّٰزِقِين.َ
لاحظوا إرتباط العيد بنعمة الأكل والأكل فى جوهره إنتاج قبل أن يكون إشباعا لحاجة باعتباره نتاج عمل وجهد … والإنتاج فاعل رئيسيّ فى التّفاعل الاجتماعي لأيّ مجموعة أو جماعة أو مجتمع.
وردت كلمة عيد فى عديد المنقول الصّحيح من سيرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فى قوله عندما وجد لأهل المدينة يومان يلعبان فيهما : قد ابدلكم اللّه تعالى خيرا منهما عيد الفطر والإضحى.
ــ عيد الأضحى هو خاتمة وتتويجا لفريضة الحج للمستطاع وتاريخه العاشر من ذو الحجّة.
ــ عيد الفطر هو خاتمة وتتويجا لفريضة الصّوم للمستطاع وتاريخه اليوم الأوّل من شهر شوّال.
يحرّم بيع أيّ من أجزاء الإضحية مع وجوب تثليثها : ثلث استهلاك عائلي وثلث هديّة للأصدقاء وثلث صدقة للفقراء.
من هذا التّثليث يمكن بناء نظريّة اقتصادية فى المجتمع المسلم : ثلث ملكيّة فرديّة (الحاجة) وثلث ملكيّة لطبقة (صدقة للفقراء) وثلث ملكيّة اجتماعية (تبادل الهدايا من والى) : واحدة أخذ وواحدة عطاء وأخرى أخذ وعطاء.
حسابيّا يفوز المضحّى بالثلثين (الحاجة والهديّة) وأدنى ما يفوز به الفقير جزء من ثلث أضحية وأقصاها أضعافها حسب الحالة المادية للمجتمع.
المجتمعات الرأسماليّة المتطوّرة وغير المتوحّشة تعمل بهذه النظريّة: ثلث ضرائب وثلث تغطية وخدمات اجتماعية والثلث الآخر ملكيّة فرديّة يضاعف بها المنتج رأسماله لتوسعة مشروعه أو لفتح مشاريع أخرى.
اليوم يتعامل المجتمع المسلم عامّة مع الأضحية بطريقة فوضويّة لا تحترم مقاصدها… حالة تعكس الاقتصاد الفوضوي المفرغ من البعد الإجتماعى نتيجة تقصير الدولة فى تأدية واجبها نحو الفرد والمجموعة.
لماذا أمر الله سيّدنا إبراهيم بذبح كبش بدل ابنه؟
يقول تعالى : فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ.
ثم يقول : وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ.
الحدث ثورة على تقليد سابق للمعتقدات الوثنيّة التى كانت تقدّم إنسانا مذبوحا كقربان لآلهة.
وفى عمق الحدث أيضا رفض لعمليّة قتل أو إعدام إنسان ذبحا نظرا لبشاعة الفعل وتأثيراته النّفسيّة السّيئة على المجتمع.
عند ذبح الشاة فرض الدين توصيات معيّنة هدفها تقليل الاذى عليها وعدم تعذيبها.
لم يثبت فى عهد الرسول عليه السلام أي عمليّة ذبح لعدوّ وإن كان محاربا مع توصية بحسن معاملة الاسرى المستسلمين وفى قصّة أسرى معركة بدر أكثر من عبرة.
ذبح مسلمون مسلمين زمن الفتن وهذا سلوك عاكس لردّة باطنيّة لما قبل نزول الإسلام
لماذا دعى اللّه سيدنا إبراهيم لذبح خروف؟
دون الخروف تصحّ فى الإسلام التضحية بالبقر والإبل والماعز لكن من المستحب شاة بشروطها.
فى كل قارات العالم توجد خرفان تتأقلم مع طبيعة المكان فى حين أنه باقى المباح بالتضحية به يتطلب مناخات خاصّة لتربيته … الابل مثلا لا تتأقلم مع المناطق الثلجية الباردة وكذا مع المناطق الغابية الكثيفة او الجبليّة.
الاغنام تتكاثر بسرعة ويستحيل انقراضها.
استحب الإسلام التضحية بالذّكر منها (الخروف) ضمانا لتكاثرها.
هل الإسلام تاريخ بمستقبل؟
فريضة الحج تمثيل فرديّ لتاريخ ومستقبل الإنسان يقوم بها المسلم فى عمل “مسرحيّ” يمثّل فيها ماضى غيره ومستقبله فكرا وعواطفا من نزول سيدنا آدم بالكعبة وصولا الى القيامة (يوم عرفة) مرورا بقصص آل سيّدنا إبراهيم عليه السلام (زمزم والسعي بين الصفا والمروى) وخاتم الأنبياء محمّد صلى الله عليه وسلّم (الصلوات وخطبة الوداع …الخ) والطّواف بالكعبة الذى لم ينقطع عنها حتى زمن عبادة الأوثان.
فريضة نحر الإضحية يوم العيد تقليد وتمثيل بفكر وعواطف لمن يعلم لقصّة سيّدنا إبراهيم من الحلم الى النحر.
الإسلام دين يسقط التاريخ على الحاضر فى أيّام معدودات تأكيدا لأهمّيته وبلا نفي للإضافة الدّائمة له محرّضا على العلم والعمل والإنتاج والإبداع والنّقلات الحضاريّة النوعيّة المحقّقة لرفاه الإنسان سواءا كان مسلما أو مؤمنا أو دونهما.
المشكل اليوم ان وعي المسلمين بالتاريخ سطحيّ ساذج لا تفاعليّ فاعل.
يحترم الاسلام قانون الحركة والتغيير الدّائم والتطوّر التفاعلى لغايات نعلمها وأخرى لا يعلمها الاّ الله.
يقول تعالى : مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا … والخير منها هي الأفضل والأرقى.
والله أعلـم.
Sad.ser@hexabyte.tn
عذراً التعليقات مغلقة