*عارف العضيلة
يُحكى أنه في اليوم الأول من أب أغسطس لعام 2005م نقل كبير سجّاني الرئيس العراقي السابق صدام حسين له خبر وفاة الملك فهد بن عبدالعزيز. فبدا صدام حسين متأثراً للغاية وأكتسى وجهه بعلامات الحزن والأسى ..
فبادره السجّان (طبعاً على ذمة الراوي) بسؤال مباشر: (هل حقاً تأثرت وحزنت لوفاة الملك فهد) .. فكان رد صدام حسين بلكنته العراقية (وعلى ذمة الراوي أيضاً) قال: (يا أبه هاي الملك فهد أبو فيصل هاي صديقي ورفيقي وأخي) .. ويستمر الحوار الذي ينقله الراوي الذي لا نعلم له أسماً أو رسماً .. لكن الناس يتناقلون حكايته هذه. وأنتشرت إنتشاراً واسعاً في مختلف الأوساط الإجتماعية والمجالس والصوالين.
يستمر الحوار ليقول السجّان مخاطباً صدام حسين: (أنت تزاملت مع الملك فهد وعملتما سوياً في فترات زمنية طويلة. فمن كان أذكى وأدهى في دهاليز الحكم والسياسة؟!).
فكان ردّ صدام حسين (طبقاً للرواية المتداولة): (الملك فهد طبعاً أذكى وأدهى مني كثيراً).
فأستغرب السجان وقال: (صدام أنت من تصف نفسك ببطل القادسية وحامي البوابة الشرقية وحاكم للعرب .. فكيف تقول إن الملك فهد أدهى منك) .. فكان رد صدام حسين سريعاً ومفاجئاً حيث قال بلكنته العراقية: (يا أبه لما حاربت إيران .. الملك فهد وقف وياي. وكل دول العالم وقفت وياي .. ولما حاربت الكويت الملك فهد وقف ضدي. وكل دول العالم وقفت ضدي. عرفت الآن إن الملك فهد أذكى وأدهى مني).
الصدفة وحدت الزمان بين الزعيمين ليمارسا شؤون السياسية والحكم منذ العام 1975م .. ومن المفارقات أيضاً أن الملك فهد هو خامس ملوك المملكة العربية السعودية وصدام حسين هو خامس رؤساء الجمهورية العراقية.
إلى هنا تنتهي الرواية .. التي لم يؤكدها أو ينفيها أحد .. لكنها تتناول تصور موقف سياسي وإجتماعي بارز .. وهي العلاقة القوية بين الزعيمين العربيين الملك فهد بن عبدالعزيز في الرياض .. والرئيس صدام حسين المجيد في بغداد ..
لا أحد ينكر المكانة السياسية الكبرى التي يتمتع بها الملك فهد. وما يحظى به من مكانة عالمية وإحترام دولي وعربي. نظير خلقه العالي وحكمته وحنكته السياسية وحرصه على قضايا العرب والمسلمين. ومن هنا كانت منطلق علاقة صدام حسين بالملك فهد.
عمل الزعيمان في السياسية خلال فترة متزامنة. فالملك فهد تولى الحكم في العام 1982م. بينما مارس سلطات واسعة بدءاً من العام 1975م بتفويض وتوكيل مباشر من شقيقه الملك خالد .. فتولى الفهد شؤون ملفات سياسية شديدة الحساسية والأهمية منذ أن كان ولي لعهد الملك خالد.
بينما تولى صدام حسين الحكم رسمياً سنة 1979م. وتولى شؤون الرئاسة بشكل فعلي حين كان نائباً للرئيس منذ العام 1975م.
وهذا يكشف أن الصدفة وحدت الزمان بين الزعيمين ليمارسا شؤون السياسية والحكم منذ العام 1975م .. ومن المفارقات أيضاً أن الملك فهد هو خامس ملوك المملكة العربية السعودية وصدام حسين هو خامس رؤساء الجمهورية العراقية.
هذان الزعيمان نشأت بينهما علاقة من نوع خاص. فحين نعود إلى شؤون التاريخ والسياسية نكتشف أن علاقتهما كانت أقوى من السياسة. فإضافة إلى الملفات السياسية التي عملا بها بشكل مشترك فقد سخرا جهودهما لخدمة شعبهم والأمة العربية ..
فمنطقة نجد السعودية الواقعة وسط المملكة العربية السعودية ترتبط بعلاقات أزلية وعريقة مع العراق .. ففي عدد من مدن العراق وخاصة الزبير أقامت المئات من الأسر النجدية. التي مارست التجارة والزراعة وعملت في مجال الثقافة والإعلام وغيرها من المجالات .. ووجدت في العراق كل محبة وتقدير .. وعشائر وقبائل العراق الكبرى لها إمتدادات إجتماعية أصيلة بالمملكة العربية السعودية ..
هذه المعطيات وغيرها كثير جسدت العلاقة القوية بين السعودية في الجنوب العربي والعراق في الشمال العربي .. فكانت هذه أحد أهم المرتكزات للعلاقة السياسية والشخصية بين الملك فهد والرئيس صدام حسين المجيد ..
ومن أغوار التاريخ أيضاً نجد أن أخر دولة وأخر زيارة خارجية للرئيس صدام حسين كانت إلى المملكة العربية السعودية وتحديداً إلى مدينة حفر الباطن في شمال شرق السعودية وذلك في أبريل من العام 1990م أي قبل غزو الكويت بثلاث شهور تقريباً .. وأخر حاكم ألتقاه صدام حسين خارج العراق كان الملك فهد، كان ذلك في المخيم الربيعي للملك فهد في مدينة حفر الباطن السعودية.
وتظهر معالم العلاقة الحميمية بين الزعيمين للعلن حين ترأس صدام حسين القمة العربية الإستثنائية في بغداد أواسط العام 1990م .. فكان صدام حسين في إستشارة دائمة وعلنية مع الملك فهد تنم عن تقدير وإحترام .. وحين يطرح أي مقترح أمام الزعماء أو يطلب رأياً مباشره يخاطب الملك فهد .. ويقول: (ما رأي أخي الملك فهد .. وماذا ترى أن نعمل؟!) ..
بالتأكيد هذه العلاقة التي بلغت ذروتها تأثرت كثيراً وساءت بعد ما حدث في الثاني من أب أغسطس 1990م .. ففي ذلك اليوم حاول الملك فهد الإتصال هاتفياً على صدام الذي بقي يتجاهل الرد على مكالمات الملك فهد .. خجلاً من المواجهة نتيجة الخطأ الذي أرتكبه .. ولكنه وفي وقت متأخر أتصل على الملك فهد وخجلاً أيضاً لم يتحدث معه بشؤون الغزو وأكتفى بالقول: (سوف أرسل لك عزت الدوري لينقل لكم كافة التفاصيل)..
لعل صدام حسين هنا لم يتجرأ خجلاً ومهابة وتقديراً للملك فهد أن يتحدث معه عن حماقته الكبرى والتي يرفضها الملك فهد جملة وتفصيلاً.
إلى هنا أنقطعت العلاقة بين الزعيمين. وأنتهت حكاية التعاون والإنسجام والصداقة والأخوة التي نشأت بين إثنين من أبرز الساسة العرب في القرن العشرين .. على الرغم أنه في عالم السياسية يندر جداً أن تنشأ علاقات المحبة والأخوة بين الساسة. حيث المصالح هي فقط المتحكمة في العلاقات بين الساسة والدول.
بعد تحرير الكويت مارس الملك فهد ضغطاً على أمريكا بالتوقف عن مشروعهما في غزو العراق وإسقاط صدام حسين. بالتأكيد ليس حباً بصدام بل حباً بالعراق وشعبها من أجل أن تبقى العراق في وحدة وإستقرار وتماسك .. ومنع وصول الفوضى والإضطرابات إليه.
وحين أنطلقت ثورة في الجنوب العراقي كان الموقف السعودي والعربي بضرورة الحفاظ على إستقرار العراق وحمايته من التدخلات الأجنبية التي تحمل أجندات هدفها دمار العراق والأمة العربية.
وبالتأكيد نختلف مع صدام حسين كثيراً ونراه السبب المباشر بالحال الذي وصل إليه العراق والأمة العربية اليوم .. ولكننا ومنعاً لأي تفسيرات وتأويلات نؤكد أن هذا المقال لا يمجد صدام حسين .. بل هو سرد تاريخي .. لعلاقة نشأت بين زعيمين عربين كبيرين لم يتم إبرازها من قبل.
عذراً التعليقات مغلقة