العلاقة بين اللغة و مفرداتها والانتماء القومي
الاحقة (چي) في القاب اسماء ابناء الرافدين
د. توفيق آلتونچى
” لوگال كالاما Lugal Kalama لقب الملك باللغة السومرية وكان أول من استخدم هذا اللقب هو الملك (لوگال زاگیزي) اي الرجل العظيم. “
اللغة كائن حي وتجري عليها جميع القوانين التي تخص الكائنات الحية من ولادة وتطور الى الزؤال و الممات . نكاد ان نفهم نصوص كتابات مر عليها قرن من الزمان دون اللجوء الى قاموس وهذه خاصية جميع اللغات. الاستثناء الوحيد نراه في النصوص المقدسة. التي لم تجرى عليها اي تغير وبقت محافظة على شكلها المكتوب والمسموع رغم مرور الاف السنين . لكننا
نحتاج اليوم طبعا الى من يفسر لنا تلك النصوص. الكلمة والمفردة اللغوية تستخدم للتعريف عن انتماء الفرد كصفة ملازمة للاسم تسمى اللقب. نرى ذلك جليا في القاب العراقيين اليوم.
ارض العراق جغرفيا بلاد الرافدين دجلة و الفرات، كان ولا يزال متحفا للشعوب والعقائد واكتشف على ارضها الكتابة ولاول مرة وعاش ويعيش على ظهرانيها العديد من الاقوام ينتمون الى عقائد و قوميات اثنية مختلفة عبر التاريخ الانساني. تغيرت اللغة الرسمية للحاكم عدد من المرات خلال الحقب التاريخية التي مرت بها بلاد الرافدين. نتيجة مباشرة لاحتلال شعوب واقوام لارض الرافدين. لكن المفردات التي وصلتنا من تلك اللغات عبر الزمن كثيرة وتاخذ حيزا كبيرا في لهجاتنا العراقية. لا يعرف تماما اللغات التي تحدث بها عامة الشعب لكننا نعرف اللغة التي كتبت بها تلك اللغات من النصوص الدينية في المعابد وعلى الجدران والتماثيل ومن اثار الحضارات العراقية القديمة في اور و بابل و اشور . ربما لم يتحدث العامة اللغة الدينية التي كانت حكرا على طبقة رجال الدين والحاكم كتابة او قراءة. هذا الاختلاف بقى لحد يومنا هذا يلاحظ في تنوع اللهجات بين المدن العراقية وحتى احيانا بين ابناء نفس المدينة
واحيائها. ناهيك عن وجود لغة فصيحة واحدة وهي لغة القران الكريم ولهجات متنوعة متعددة. نرى تاريخيا ان هناك مصطلحات تبين هذا الاختلاف كتسمية العراق الاعجمي و العربي بينما هناك لهجات مختلفة و متباينة تماما كما هي عليها في اللهجة الموصلية والبصراوية والبغدادية والشرقية و البدوية والدليمية وحتى غجر العراق لهم لهجتهم الخاصة بهم فيما نرى التحدث بالعربية يختلف بين المسيحيين واليهود العراقيين.
هذا بالنسبة للعربية اما اللغة الكوردية فليس هناك لحد اليوم لغة موحدة لهذا الشعب بل نرى ثلاثة فروع الشمالية و الوسطية والجنوبية. فنرى في عشرات لهجاتها اختلافات جوهرية في المفردات والقواعد وفروق في نطق الكلمات بين حديث ابناء المدن والقرى الكوردستانية. كنتيجة للتباعد الجغرافي و الاحتكاك بلغات الشعوب المجاورة و انظمة العشائر والهجرات وامور اخرى كثيرة. امثلة على ذلك ( السورانية ، الظاظائية، الكرمانجية ،الهورامية، الفيلية، الكورانية..) .
اللغة التوركمانية تختلف كذلك اللهجات فيها ( هذه اللغة الاقرب الى الاذرية عنها عن التركية من ناحية القواعد و المفردات) واعتبر لهجة كركوك كلغة موحدة و ثقافية الى نهايات عام ٢٠٠٢. بينما نرى ان اللغة
التركية الاستانبولية هي لغة المثقفين والتعليم في الوقت الحاضر وفرض على التوركمان سياسيا بل ازال وادى الى امحاء اللغة التوركمانية الاصلية في الاعلام والنشر (ميديا) و في التدريس في المدارس والاي باتت الآن تعتمد النظام التعليمي السائد في تركيا و كما اشرت خاصة بعد عام ٢٠٠٣. يعتقد اليوم الكثيرين، ( راي الشخصي من الخطأ اعتبار جميع لهجات اللغة التوركمانية هي فروع للغة التي يتحدث بها اتراك تركيا الحالية بل ارى في اللغة تستوفي جميع الخصائص في القواعد والمفردات والاصوات خصاص اللغات الحية) تلك اللغة اي التركية التي يتدث بها الاتراك اليوم تتطورت بعد اعلان الجمهورية التركية وتغير الابجدية الى الاتينية بعد ان هجر الجمهوريين اللغة العثمانية القديمة وما يسمى (اللغة العثمانية القديمة) وتم اختيار لهجة مدينة استانبول كلغة رسمية للجمهورية الفتية (لهجة استانبول مخففة في اللفظ للكلمات اصواتها مطعمة باللاصوات phonitik من اللغة اليونانية ولفظ الكلمات التركية لشعوب دول البلقان مما يعطي اللغة طابعا موسيقيا مغاير لما علية الالفاظ الاصلية القادمة من اواسط اسيا المغولية الخشنة) حيث نشاهد قلب اصوات احرف كثيرة كي تخفف كما في حروف ( خ
ع،غ،ح،ط،د). اما الهجات المناطقية فبقت متمايزة ومختلفة يتحدث بها العامة في كافة انحاء تركيا كما هي عليها في شرق و جنوب الاناظول ولهجات البحر الاسود . تلك اللغة العثمانية القديمة لا تزال تدرس كلغة تراثية في مدارس و الجامعات التركية. وبتغير الاحرف الهجائية الى الاتينية تم امحاء ملاين الكتب والمخطوطات التي كتبت ابان اكثر دهر من الزمان من تراث سلجوقي- عثماني ، ما عدا القليل اليسير من الكتب التي ترجمت كتابة الى الاحرف الاتينية.
اما في العراق فنرى التوركمان يتحدثون بعدد من اللهجات ( لهجة طوز، لهجة كركوك، لهجة اربيل وضواحيها، لهجة تلعفر.. ). ومن مدينة الى اخرى وحتى من قرية الى اخرى ونرى لهجات خاصة بالمسيحيين السريان مختلفة كذلك (كلدانية، اشورية) تعود الى اصولها الارامية الشرقية كتابة ونطقا. كما لليهود لهجتهم العراقية الخاصة بهم.
بقى ان نعلم بان احد خصائص الالقاب (الكنية) في الاسماء العراقية تتمايز بخاصية الاحقة (چي) التي ذكرتها حيث تلفظ وتكتب بشكل مغاير لحرف (الجيم) وتوضع ثلاث نقاط تحت حرف الجيم للدلالة على صوت الاحقة ، الاحقة تاتي على الاكثر بعد اسم المهنة
او الصنعة والاشتغال وتليها للدلالة على مهنة او عمل الشخص او عائلته او عمل صاحب اللقب. لا ريب ان حرف الجيم غريب على العراقيين ولا وجود لهذا الصوت اي الجيم في اللغة السومرية مثلا. بقى ان نعرف بان في اللهجات العراقية الجنوبية الحالية ولهجات ابناء الخليج تقلب الجيم الى الياء ( ريال- رجل، دياي- دجاج.. ).
لا توجد اي علاقة بين هذه الاحقة و اصول الفرد القومية او حتى العقائدية. غير ان البعض ومن عدم معرفة او جهل وربما نتيجة التعصب القومي السلبي الاعمى يربطون بين الامرين اي اللقب و القومية. وتلك خاصية نراه في ابناء شعوب تلك الدول ذو الانتمائات الثقافيه التعدديه. لا ريب ان ربط اللغة بالقومية محبب عند القوميين العروبين بصورة خاصة وهم اي القوميين يفتخرون بالماضي وتاريخهم التليد العاطفي دوما وبعيدين كل البعد عن حوادث الحاضر الواقعية . كقولهم ( كل من تحدث العربية، عربي) كما هو كذلك علية القوميين من الكورد و الترك. لكن لا يوجد اي ارتباط مطلق و عضوي بين اللغة والقومية والا كان كل من تحدث اللغة الانگليزية ك (لغة ام ) تحول الى
انكليزي القومية كذلك. وكذلك بالنسبة لنصف مليار من المتحدثين وذوي الثقافة الاسبانية الاتينية في الامريكتين هؤلاء اللذين لا ينتمون عرقيا الى الشعب الاسباني بل ان تلك اللغة هي لغة المحتل ( المستعمر) اساسا و تحولت الى لغتهم الثقافية مع الزمن. نرى اليوم انتشار للمهاجرين في معظم انحاء العالم وابناء واحفاد هؤلاء لا يعرفون لغات اجدادهم ولا حتى ثقافتهم احيانا فقد اندمجوا وانصهروا في بيئة وطنهم الجديد. هذا ما نراه في المجتمع الامريكي و الاسترالي والكندي ومجتمعات اخرى اصول ابنائها التاريخية مهاجرة. فلغتك او العائلة اللغویه التي تنتمي اليها لغتك ليس دليلا ابدا على قوميتك او اصولك الاثنية والعرقية بل وببساطة تمثل هويتك الثقافية.
هناك كذلك لغات محببة كما هي عليها الفارسية فهي تحولت من ايام الفردوسي و شاهنامته كلغة شعرية الى لغة الحاكم في ايران مهما كان قومية الحاكم ( الصفويين، القاجار، الاذرين… وهم من ارومة الاتراك) وتاثر بها اللغة التركية العثمانية وشعراء ما يسمى ب ( شعر الديوان). طبعا هذا ينطبق على شعوب عديدة اخرى يتحدث ابنائها بلغات المحتل كما هي عليها
شعوب دول القارة الافريقية. اما دولة العراق ذو التركيب الثقافي التعددي فابنائها يستخدمون هذه الاحقة في القابهم عربا، كوردا وترك.
هذه الاحقة (چی) نجده اليوم في القابهم، التي تاتي من اللغة التركية وتلي المهنة وقد تكون المهنة ماخوذة من اللغات العراقية وحتى من لغات اجنبية ( پنچرچی، فیترجی، بوصطاچی، بلانصچی).
باعتقادي ان تلک الاحقه ارثا ثقافيا تعود الى ايام الدولة العثمانية. لاننا لا نجدها في اسماء العرب و القابهم تاريخيا. وصوت الحرف ( چ) لا يوجد في اللغة العربية الفصيحة. حيث يستدل العرب الى انتمائهم العشائري والعائلي باستخدام القابهم بناء على اسماء القبيلة او العشيرة، التسمية للمنطقة الجغرافية، العاهة، الشهرة، الشكل العام، الصفة، اسم احد الاجداد، الانتماء الطائفي والعقائدي وامور اخرى كثيرة. المهم في الامر ان یتم تميز و تعريف تلك العائلة من غيرها واحيانا اعطاء العائلة درجة نبيلة او دينية.
نرى ان العرب يهتمون كثيرا في تاكيد انتمائاتهم العشائري- المناطقي و العائلي في القابهم وتميز ذلك في القابهم . اللقب الذي ينتمي اليه الشخص مهم لذا يضاف
الاحقة (ي) الى الاسم كی یتحول الی صفه وحتى الكورد والترك بداوا باستخدام الياء في الوصف. کما نرى ذلك في الاقاب العربية؛
الجبوري، النعيمي، الخزرجي، الجواهري، المشهداني، الحجازي، العبيدي، اليماني، الزبيدي، الشمري، العراقي، الوهابی، البخاري، الهاشمي، المصري، البلداوي، التميمي، الحديدي، الجنابي، الدليمي، العسكري٠، الانباري، الكركوكي، اليماني، الجادري، الخالدي، البصري، المالكي،الحمداني، الزيدي الناصري، الحنفي ، الصالحي، السعودي، الامامي، العزي، الشدادي، السماوي، النعماني، الخرائي، الواسطي، الولائي …..
نرى كذلك هذه الاحقة العربية الوصفية في اسماء اقوام اخرى ك الكورد ؛
زندي، الوندی، الهموندي، داوودي، دوسكي، هوليري، صاليي،طالباني، الكاكئي،دلوي، جباري، زيباري، گرمياني، دهوكى، کیوستاتی، القامشلي، خانقینی، شواني، الوندي، البرزاني، العفريني، الجزراوي، الدهوكي، الكرمنشاهي،المهابادي، شاخواني….
و عند الفرس؛
افتخاري، يزدي، رضائي، خامنئي، طالقاني، اصفهاني، محمدي، بختياري، شيرازي، سيستاني، خوئي، ناضري،
كفائي،حسيني، اراكي….
والترك ؛
اورفلي، کوپرلی، سيرتلي، حمزلي، الداقوقی، ،البياتي،التحافی، استانبولي، درسيملي، جزرلي، عنتابلي، سيواسلي، امرلي، سندي … والشعوب الاخرى.
اما الاحقة (چي) فهي كما ذكرت ترمز على الاغلب الى مهنة الشخص كما في؛
چخماخچي، اطرقچي، القبانچی (گبانچی)، شكرچي، بيشكچي، پوخچي (چشمجی)، توتنچي، سامانچی، گهوچی، مدلکچی، مطهرچی، مقصچی، نوبتچی، تیلچی، ارضحالچی، كوزچي، الچرخچي ،چايچي،شوربچي، پاچچي، اوطرقچي ، داميرچي، یایچی، قلنچي ،الكروانچي ، النيشانچی، الحلوچی، الدامیرچی، الچایچی، العربنچی، الچادرچی، ، الاشچی، التونچي، بغوانچي، اوتچی، عربنچي، عبایچی، قلمجی، قندرجی، کرخانچی، کلکچی، علوچی، پنچرچی، خزمتچی، دوشمچی، دو غرماچی، ساعتچی، طوبچی، پوصطچی، پصوانچی، چوخچی، چرخچی، نفطچي،حمامچي، بامبوخچي، مغازچي…..
ان هذه الالقاب رغم انها تركية الرنين الا انها لا تدل على اصول الشخص القومية الترکیه او الانتماء العشائري. اي لا يتحول الشخص الى تركي لكون لاحقه لقبه من اللغة التركية.
لكني كما اسلفت ان هناك جهلا بين الناس ومع الاسف الشديد حتى بين بعض المثقفين وحاملي الشهادات العالية في ربط تلك الالقاب مع الانتماء القومي الى درجة احتقار الشخص بمجرد كونه حاملا لاحد تلك الالقاب باعتبار مهنة الشخص وضيعة کما یدعون ( لا توچد قط مهنه في الدنيا يمكن ان توصف ب وضيع) ومع الاسف الشديد. وحتى ربط اللغة بالقومية غير واردة.د اي اللغة التي يتحظث بها الشخص لا علاقة لع بنسبه واصوله العرقية وساوضح ذلك لاحقا.
الفقر الثقافي قد يكون وراء عن عدم ادراك هذه الحقيقة خاصة عند حملة الفكر القومي السلبي الذين بدأوا في نعت كل شيئ باسم قوميتهم ولم يستثنى الحيونات والنباتات والجبال والوديان وحتى الملبس و المشرب.
ولا ريب كما قال العرب بان ” اصل الفتى ما قد حصل” وليس بالانتماء الى عائلة لغة قوم او بلد او ما يحمل من لقب او يمتهن من مهنة. وكما اسلفت بان
المجتمعات التعددية الثقافية تكون بوتقة حضارية بحوارها، متماسكة تتداخل فيما بينها الانساب من لغات الاقوام و عقائد لتعطي نكهة بديعة للتكوين الثقافي للشعوب.
قد يكتشف الكثيرون اليوم انهم ينتمون فقط لغويا و ثقافيا لشعب ما ولكن اصولهم العرقية في نقيض الى ذلك. نرى ذلك جليا بين شعوب شمال افريقيا بين الامازيغ و البربر والاقباط والليبيون. الانتماء الثقافي يكون احيانا انتماء الى مجتمع ما او ثقافة ذلك المجتمع كما في قولنا للشخص بان ثقافة فرنسية او حتى مصرية او مغربية فالانتماء الى ثقافة مجتمع معين لا يعني قط الانتماء العرقي الى قومية تلك الثقافة. لكن مع التطور العلمي اصبح اليوم من المستطاع معرفة الانتماء العرقي للافراد عن طريق تحليل الحامض النووي للبشر (دي ان ئي DNA) ومعرفة الاصول الحقيقة لانتماء البشر دون العودة الى لقب الشخص او اسمه. انذاك قد يكتشف المرء الحقيقة ان من كان يعاديهم طوال السنين هم في الحقيقة أقرباء ومن نفس عائلته و قوميته. اذن ان تركيب الشعب العراقي بكافة قومياته متداخل و مختلط وليس غريبا ان يكون الشخص الذي يدعي بانه عربي من اصول فارسية،
تركية، كردية وحتى هندية وهذا نتيجة للحوار الحضاري الذي جرى بين الشعوب على ارض العراق خلال دهور عديدة.
عذراً التعليقات مغلقة