علي حسين زينل: الخاطرة وشعرية البوح
بقلم: احمد الحاج
“كنت انساناً قابعاً خلف ذاتي بقلب طير أخضر لا يركن ولا يهدأ في أي حال، يكتم تحت جناحيه المكسورين إيلام جرح بليغ يئن طوال الوقت، يفتش عن موطن متروك هناك كوخاً بصمت المقابر يرقد في ظلام الليل، يرزح تحت تقلب الأقدار والأهواء، ووطأة الهمج، ورعونة الأشباح”.
بهذه العبارات الشعرية المنطلقة من أعماق وجدانه وجوهر كيانه، عبر القاص والروائي علي حسين زينل عن اختمارات النفس وتطلعات الروح لحياة مضى عليها أكثر من نصف قرن ونيف، مازالت تنبض بالحب والبهجة والتطلع لتحقيق الحلم الذي طالما راوده في العيش بحرية وهدوء وسلام، عندما يحدثك عن مشهد في الزمن الماضي البعيد تجده يتكلم عن كل شاردة وواردة فيه بصوت هادئ واسلوب بليغ حتى تشعر وكأنك جزء من هذا المشهد، أو انك تعيشه في اللحظة، فالرجل يمتلك ذاكرة قوية وخزين معرفي كبير ولغة رصينة، ومما يشد المتلقي لنصوصه هو عملية التلطيف التي يقابل بها الشر بالخير، فهو يستبدل الحرب بالسلم، والشظية بالوردة، والحقد بالحب.
وعندما تتطلع في سيرة الكاتب زينل، تجد رغم تخصصه العلمي البحت في علم الجيولوجيا والمياه الجوفية وحرفيته في العمل، إلّا أن الأدب كان حاضراً بين مشاريعه العملية وبحوثه العلمية، لذا نجده قد كتب القصة القصيرة والرواية والخاطرة، وإذا كان الكاتب قد التزم بهيكلية القصة والرواية في مؤلفاته السردية، فالأخيرة من الصعب بمكان الالتزام بنصها وهو الذي يمتلك كماً هائلاً من المعرفة والخزين اللغوي، كما شكلت الخاطرة لديه عبارة عن تفريغ نفسي لما يعتمل في ذاته، فجاءت نصوصه عبارة عن انثيالات نفسية لذاته الخاطرة تقترب أحياناً من القصة الواقعية وتبتعد عنها في أحيان أخرى، وحسب ما أفاد زينل في معرض حديثه عن كتابه الأخير فإنه قد كتب كل خواطره أثناء ما كان يكتب رواية، وحسناً فعل في مشروعه هذا كي يتجنب التداخل الاجناسي بين النصين.
ولو بحثنا في معنى كلمة خاطرة لغة واصطلاحاً، نجد أن الخاطرة لغة هي: خطر الأمر بباله وعلى باله، أي مرّ أو ذكر بعد النسيان، واصطلاحاً: إسم لما يتحرك في القلب من رأي أو معنى، وتكتب لحظة حدوث شيء أو بعده، لذلك تعرف نصياً على أنها إحدى الفنون النثريّة المنتشرةِ في العصر الحديث، تُصنف في الأدب بين الشّعر الحُر والِقصةِ القصيرة، فهي لا تلتزمُ بوزنٍ ولا قافية، يجري نصها بعفويةٍ وتبتعدُ عن الإسهاب والتفصيلات، وتُعبر عن فِكرة وإحساسٍ معين يَجول في خاطرِ كاتبها، فالخاطرة حالةٌ شعوريةٌ خاصةٌ بالكاتب في قالب أدبي بليغ، وتمتاز بكثرة المُحسّناتِ البديعية من صورٍ واستعاراتٍ وتشبيه، فقد يكون مسجوعًا وبهذا تكون الخاطرة قد جمعت بعض خصائص الشّعر أيضًا، أيْ الموسيقى الداخلية، وقد يتفاوتُ حجمُها بين طولٍ وقِصَر؛ فهناك الخاطرة القصيرة والخاطرة المتوسطة والخاطرة الطويلة.
وفي كتابه الأخير المعنون “القلب لا يصمت، خواطر لا تكبح” الصادر عن دار ماشكي للطباعة والنشر والتوزيع في الموصل بطبعته الأولى عام 2022، نجد أن الكاتب علي حسين زينل قد جمع فيه كماً هائلاً من النصوص المتخاطرة تنوعت موضوعاتها ومضامينها، تشد القارئ باسلوبها وعفويتها وسبكها.
من الجدير بالذكر أن الكاتب قد صدرت له عدة مؤلفات في حقل السرد هي:
- “الأفق الأحدب”، مجموعة قصصية، 2016.
- – “مملكة الرماد”، رواية، 2017.
- – “ذاكرة جبل”، رواية، 2019.
- – “القلب لا يصمت، خواطر لا تكبح”، خواطر، 2022.
كما صدر كتاب نقدي عن منجزه السردي لمجموعة من النقاد بعنوان “شعرية الأداء الروائي لمنجز علي حسين زينل عام 2021، وبعد هناك في جعبته الكثير ليقوله ويكتبه وينشره.
عذراً التعليقات مغلقة