الجنة هنا ولا أحد يدري
أحمد الشريف
ـ هل هناك سبيل للخروج من هذه الحيرة وتلك المتاهة ؟ سؤال لم يجد إجابة واضحة عليه, وعندما ألح أرسلوه إلى رجل يعالج الرجال والنساء بالسحر والكلمات وأشياء أخرى .
وهو فى الطريق إلى الرجل عاد بالذاكره لأيام الطفولة وإلى ذكرياته مع أمه وأبيه وجده الصوفى الذى لم يتزوج إلا بعد أن تجاوز الخمسين عاماً .
كان الجد يملأ البيت بالبخور والتواشيح والأناشيد والابتهالات الصوفية ؛ كى تعم الأنوار وتلتقى وتصفو الأرواح , وفى ليلة الجمعة كان يأتى المريدون ويجتمعون بغرفة مكشوفة للسماء ويبدأون حلقة ذِكر ومناجاة وتلاوة لآيات معينة من القرآن وأحاديث نبوية , حتى أذان الفجر .
استمر الحال حتى رحل الجد ومن بعده الأب والأم.
ورث عن جده وأبيه وأمه شهوة مكبوتة زادها أنه كان الولد الوحيد المدلل، والذى كان ينتقل من بيت إلى بيت من بيوت العائلة والجيران فنشأ وتربى فى محيط الفتيات والنساء اللائى كن يلعبن معه : يقبلنه, يحتضنه, ويراهن عاريات أو وهن يلعبن مع بعضهن البعض ويمسكن بأجزاء من أجسادهن, كانت إحداهن, شديدة الغُلمة تختلى به بين الأشجار وتداعب عضوه الصغير وتحكه بفرجها وهى تتلفت حواليها, ثم دخل المدرسة وبسبب رقته, وسامته وانزؤاه وتفرده عن باقى التلاميذ , كانت بعض المعلمات يتعاطفن معه ويدللنه بشكل خاص وكانت أجملهن تجلسه على حجرها كقط صغير, بعد ذلك صار يحتك أكثر بالفتيات والنساء ويجلس أيضاً مع الشباب والرجال ويسمع أحاديثهم وحكاياتهم ومغامراتهم .
ما أن وصل إلى بيت الشيخ الذى اشتهر بأعمال السحر وعلاج البدن والروح حتى رأى عدداً من الرجال والنساء والفتيات، جلس بأحد الأركان لحين انتهاء الشيخ ورحيل أخر الزوار .
سأله الشيخ ماذا يريد ؟ فصمت، فسأله عن اسمه فأخبره, هنا انفرجت أساريرالشيخ وقال بصوت عالٍ : ” سمعت عن جدك الصالح وأعماله رحمه الله”, بعد تعليق الشيخ عن جده جاء دوره بالكلام والبوح فتحدث لدقائق إلى أن فرغ فابتسم الشيخ ونظر إليه بعمق ومكر وقال : ” أيه رأيك لوتشتغل معى ؟ ” لم يتوقع إجابة الشيخ هذه عن الأسئلة الجمة التى تؤرقه وتحيره .
ـ معي يمكن تجد إجابة لأسئلتك وراحة لحيرتك !
بات يعمل مع الشيخ وصار الشيخ يصطحبه بجولاته فى المدن والقرى والأماكن النائية, كان الشيخ مترعاً بالحيوية وفائض القوة, يعالج النساء اللائى مسهن الجن والرجال الذين اصيبوا بحالة عجز جنسى بليلة العرس أو حديثى الزواج ويقوم بعمل التعاويذ الخاصة بالفتيات اللائى يرغبن بالزواج أو النساء اللائي هجرهن أزواجهن, لكن ما لفت انتباهه أن الشيخ كان يقوم بطقوس غريبة ويفوه بكلمات وجملاً ليست عربية, كان الشيخ له علاقات وتواصل مع جماعات صوفية من المغرب وفارس والهند وتركيا، وأخبره أن له أقرباء وأهل وأصدقاء ببلاد شتى .
أثناء الجولات بين المدن والقرى كان هو والشيخ يمرون قرب الترع والجداول التى تروى الحقول والمزارع , كان يرى الأشجار والمياه ويشخص بناظريه إلى الأفق البعيد المطرز بقوس قزح, يشعر بالتناغم والتناسق فى الطبيعة وأن روح الله الحانية تتجلى برموزها وجمالها .
قال الشيخ بعد أن لاحظ غبطته بالطبيعة : ـ العالم كله جميل !
هز رأسه موافقاً الشيخ ومؤمناً بكلامه فأستطرد قائلاً : ” لكنك لم تجرب ولم تتأمل وتعيش بشكلٍ كاف مع الكائن الحامل للطافة والنعومة وجمال الروح” , تفاجأ بكلام الشيخ المصحوب بابتسامة.
ـ أى كائن ياشيخى ؟
ـ المرأة !
أجابه الشيخ وهو ينظر إليه بتلك النظرة الدنيوية الماكرة .
إبان صحبته ورحلاته وجولاته مع الشيخ عرف عشق وولع شيخه بالنساء, تجلى هذا بسبب كثرة خلوته بهن وكثرة نكاحه إياهن, فلايكاد يخلو يومه منهن, ويردد دوماً قول الجنيد: ” أحتاج الجماع كما أحتاج القوت ” , كان الشيخ يقوم خلال خلوته بالنساء بأشياء معينه تمكنه من ممارسة الجنس معهن بيسر وضمن تلك الأشياء قوله أثناء معالجتهن أن الجن يأمره ويأمر المرأة بذلك وأنه بهذه الطريقه ستنال ما تبتغى بأن تتزوج من جديد إذا كانت أرملة أو ترزق بأطفال إذا كانت عاقراً وأو أموالاً وذهب مدفوناً تحت منازلهن وأن حارس المقبرة من الجن لن يفتح لها باب الكنز ويعطيها إلا بعد معاشرة الشيخ, وأيضاً بعض طرق التنويم المغناطيسى للسيطرة على الفتاة أو المرأة العنيدة والتمكن من معاشرتهن دون رفض أو مقاومة, وفى أوقات كان يعطيهن حبوبا تفقدهن توازنهن ويصبحن نصف نائمات ،كى يستمتع بحركاتهن غير المتوازنة وكلامهن المشوش, وكان مع نوعية معينة من الفتيات والنساء يتعمد تشغيل القرآن عبر جهاز كاسيت صغير يحتفظ به ثم يردد دائماً أن هذا حِصة من العلاج الروحانى.
المرأة بالنسبة للشيخ صورة من صور التجلى التى يظهر فيها الله؛ ولذلك فالرجل وهو يحب المرأة يحب الله فى الحقيقة, لأن فناءه بجسدها هو مظهر وشكل للتعبير عن حب العارف لله, لأن الرجل حين يضاجع المرأة يندمج فيها بكليته كما لايندمج فى شىء آخر, ويدلل على كلامه بالأنبياء فهم أفضل الناس وأصفى الناس قلوبًا لكثرة الجماع .
عندما حاول مجادلة الشيخ وقال إن من الضرورى والواجب الشرعى معرفة وموافقة الفتيات والنساء على المضاجعة وأن يكون هذا ضمن إطارالشرع, قال الشيخ أن هناك أسراراً فى هذا الطريق الوعر ومراحل ومقامات لايعرفها سوى الخاصة .
ـ جدى لم يفعل هذا ولم يعتقد بهذه الأفكار !
علّق بحدة معترضاً على آراء وقناعات الشيخ والذى صمت برهة وأجابه بهدوء وغضب مكتوم : ” لا تكن مرآة لغيرك, كان لجدك طريقه , ولى طريقى, ويجب أن يكون لك طريقك”
وكى يكون له طريقه كان يجب أن يجتاز مراحل ومقامات يقطعها السالك ؛ ليصل إلى بحر الأسرار وشاطىء النجاة , ورغم طول ومشقة الطريق لكن فيه مقامات ومحطات يحبها كما يحب شيخه ومرشده على الرغم من عدم قدرته على فض مغاليق شخصيته واختلاف آراءه وطريقته وتجربته الوجدانية واسلوبه الغريب .
وصلا هو وشيخه إلى إحدى المدن القريبة من شواطىء البحر الأحمر، وقضيا ليلتهما بأحد بيوت معارف وأصدقاء الشيخ,
وصباح اليوم التالى، انطلقوا مع جمع كثير بسيارات وباصات قديمة إلى قرية ولى البحر والجبل حيث الاحتفال السنوى بمولد العارف بالله حيث يلتقى الشيخ بمريديه وحواريه ومعارفه الذين يأتون من دول عدة للاحتفال وإقامة طقوسهم الخاصة .
بعد أن اقتربوا من القرية رأوا آلاف المريدين والزائرين وعلى امتداد البصر وحول الضريح والمسجد القريب نصبت الخيام . الجبال تحيط بالمسجد والضريح, ضجيج وأصوات عالية وزحام وطعام وشراب وعشرات من المداحين والشيوخ واحتفالات لاهية . نصبت خياماً كثيرة جمعت الناس من الخواص والعوام وأرباب الملاهى والغوانى والحواة, كما أقيمت خيمة للفقهاء والعلماء مختلفى الطباع والتوجهات, يرى مئات من أصحاب العمائم الخضراء والحمراء، وطواقى بيضاء على رؤوس البعض وسبح صغيرة وكبيرة حول أعناقهم : رجال ونساء من المجذوبين والمجذوبات يتمايلون يميناً ويساراً ويطوحون أجسادهم للخلف والأمام ومنهم من يسقط على الأرض ومنهم من يستمر فى الدوران والرقص, وهناك من يستمر فى الإنشاد وترديد التواشيح والأدعية .
باعة الحلويات ولعب الأطفال والأعشاب فى كل ركن, ويوجد موائد طعام وشراب مجانى, مكان تجد فيه كل شىء حتى التوهان والانعزال عن كل شىء, ومع ذلك شاهد صوفيين حقيقين يشعرون بلذة الصفاء والفرح والحبور بعد أن ألقوا بأنفسهم فى بحار أنوار الحقيقة المتلالئة وألقوا الأفراح والأتراح تحت أقدام الليل, ورغم ذلك ازدادت حيرته وتعددت الأسئلة بداخله وأحس ضرورة أن يسأل شيخه ومرشده عن مايحدث, وهل يمكن أن تتجلى الأنوار والفيوض والنفحات الإلهية والعرفانية فى هذا المكان وبين هؤلاءالناس ؟ كانت إجابة الشيخ عليه بذكر ماقاله الجنيد: ” إن كل مايجمع العبد بين يدى الله فهو مباح”
كان جالساَ مع شيخه بإحدى الخيام يتحدثان ويسمعان بذات الوقت الجلبة والضجيج والحركة بالخارج, ثم دخل رجلاً من أتباع ومحبى الشيخ وهمس بأذنه بشىء فقال الشيخ : لابأس .
بعدها ولج الخيمة امرأتين منتقبتين, أشار لهما الشيخ أن يجلسا فجلسا, ثوان وأزاحت إحداهما النقاب عن وجهها فظهر وجه رجل مكتمل الرجولة بشارب كث وملامح حادة وعينان حائرتان متعبتان.
سأل الشيخ ـ إيه الحكاية ؟
أغتصب الرجل ابتسامة ظهرت على وجهه وأمر من بجواره بإزاحة النقاب فبان وجه امرأة تسر العين ذات جمال فائق الحسن : وجه أبيض ممتلىء مستدير, عينان سوداوان واسعتان, فم صغير بشفاه حمراء كالتوت البرى, وخصلة من شعرها انسابت من تحت غطاء رأسها وتدلت على حاجبها .
لقد أضاءت الخيمة بنور الجمال والأنوثة .
ـ يالها من روضة مشتهاة !
تمتم الشيخ ثم سأل الرجل مرة ثانية عن حكايته وماذا يريد ؟
نظر الرجل للمرأة فغطتْ وجهها وخفضتْ رأسها فى استحياء.
الحكاية أن الرجل كان يعمل فى أحد السجون ورغم أنه لم يفكر قط أويحلم بماحدث وغير حياته وقلبها رأساً على عقب إلاأنه حدث. فى أحد أيام عمله كان يجلس بسيارة الترحيلات وجواره سائق برتبة عسكرى, كانا فى انتظار الحكم بإحدى القضايا المتهمة فيها امرأة بقتل زوجها, ما أن انتهت المحاكمة حتى خرجت المتهمة وسلمت له من قبل الحراس ليأخذها إلى السجن كى تنتظر عدة أيام فى انتظار جلسة ثانية, وما أن شاهد المرأة وهي تركب السيارة حتى تغير وتبدل كل شىء, وبدلاً من الجلوس كالمعتاد جوار السائق ذهب وجلس فى الخلف مع المتهمة, كانت الشوارع مزدحمة والطريق طويل، تكلما معاً وعرف تفاصيل قضيتها، وقالت له أنها لم تقتل زوجها بل اتهموها بذلك لأنها لم تكن تحبه وأن أهلها أجبروها على الزواج منه بسبب أمواله وممتلكاته, عرف منها أيضاً أن جلسة المحاكمة الثانية ربما تكون الأخيرة قبل الحكم عليها .
ما أن فرغت من حكايتها حتى وصلت السيارة إلى السجن فسلمها لحارسات سجن النساء وعاد إلى المكان الذى يعمل فيه بسجن الرجال .
كان أول شىء فعله أن سأل أحد زملائه عن قضية المرأة فأشار له نحو كومة من الدوسيهات على رف .
التقط أحدها وبدأ يفتش بعينيه حتى وجد صورتها وتحتها كلمة المتهمة , كانت ملامحها مختلفة قليلاً, وجوار صورة المتهمة صورة القتيل : وجه رجل يميل للقبح والدمامة.
جلس مدة يفكر ويحدق بالصورتين ويسترجع وجهها وطريقة كلامها وشعورها العميق بالظلم وكرهها لأسرتها وحتى لجمالها الذى كان سبباً لما هى فيه وما ينتظرها من مصير كئيب مخيف . يوماً بعد يوم أقتنع أنها ضحية، وحتى لو كانت قتلت ذلك الرجل, فالدنيا لن تخسر شيئاً بقتل رجل قبيح دميم الملامح, لكن الحياة ستخسر كثيراً بموت هذا الجمال وهذه الأنوثة الفائقة.
جاء اليوم الذى كان عليه أن يستلمها من سجن النساء إلى المحكمة , وقد أعد كل شىء لهذا اليوم .
قال لنفسه : ” مش أول ولا اخر مرة مسجون يهرب” , لقد سمع وعرف عن تهريب المساجين من سيارات الترحيلات : قتلة, تجار مخدرات وإرهابيين, بل هناك هروباً جماعياً وصل إلى أثنى عشرة هارباً, وأخر هذه المحاولات كان أشبه بالمسخرة فقد هرب أحد تجارالمخدرات وفر من الحراسة الأمنية بعد جلسة تجديد حبسه أمام المحكمة تاركاً القيود الحديدية بجوار سيارة الترحيلات, وكل ماحدث أنه تم تحويل الضابط وأمين الشرطة للتحقيق, لذا كانت خطته جاهزة.
كان العسكرى يقود السيارة وجانبه أمين شرطة, أما هو فجلس معها فى الخلف, وبحاسة المرأة شعرت أن هذا الضابط أحبها وأنه يفكر فيها وفى قضيتها وأن هناك شيئاً يمكن أن يحدث, وقد حدث بعد أن سألها عن صحتها وكيف أمضت وقتها ورويداً رويداً مسك يدها فلم تسحبها بل انسابت دموعها ببطء على خديها فاحتضنها وقبلها وتأكد أن قراره هو الصواب فأخرج من كيس كان معه ملابس وطلب منها أن تلبسها ثم تنتقب, بعد ذلك ضرب بيده على الحاجز الذى بينه وبين السائق وأمره أن يتوقف قليلاً, بعد أن توقفت السيارة نزلا منها وابتعدا وغاصا معاً فى الزحام وهربا من مكان لمكان حتى وصلا إلى هنا .
ـ إيه المطلوب مني ؟
سأل الشيخ بعد انتهاء الرجل من حكى حكايته, فرد الرجل مستعطفاً الشيخ أن يساعدهما من خلال معارفه وعلاقاته كى يهربا خارج البلاد .
ـ لاأحب ماهو ضد القانون والسلطة .
أجاب الشيخ بصوت خفيض متردد, فنظر الرجل إلى المرأة طالباً منها أن تزيح النقاب ثانيةٍ من على وجهها فأزاحته فحضر مقام الجمال وأضاء بنوره الخيمة فشهق الشيخ وطأطىء رأسه ثم قال : ” من أجل هذا الجمال تتكسر القيود وتتلاشى القوانين وتتجسد معارج جديدة للروح والحياة “
وصل فى منتصف الليل إلى خيمة فى الساحة بداخلها عدداً كبيراً من الرجال والنساء الذين يتكلمون لغات أخرى مع العربية .
دخل هذه الخيمة بعد أن سمع تراتيلهم وأناشيدهم ورأى حركاتهم وتمايلهم مع الإيقاع .
كانت بعض النسوة يلبسن الصوف, وإحداهن وهى الأكبرسناً تلقى كلمة أو جملة بين الفينة والأخرى وهى تتمايل يميناً ويساراً, تتكلم العربية الفصحى بلكنة أهل المغرب ويعاونها رجل ويكرر ما تقوله بلغات مختلفة .
سمعها وهى تقول : ” عند نزول الليل يرخص بالقيام بما تشاء والاختلاط بمن تشاء ” , ثم أطلقت بخوراً وعلت الحناجربالمناجاة والأناشيد فعادتْ المرأة تقول:” لايحل لامرأة تؤمن بالله أن تمنع فرجها إلاعلى أبيها وابنها, ويحل لها إباحته لمن سواهما ” , كان ينصت بانتباه وقليل من الاندهاش, وبعد ساعة حل عليه التعب فأسترخى فى ناحية من الخيمة وكانت أخر جملة سمعها قبل أن يستسلم للنوم , : ” الغيرة على شىء دون الله لايجوز للعارف والسالك “
أحس وهو نائم أن جسداً أنثوياً يضطجع خلفه, عندما حاول أن يتحرك لم يستطع؛ فقد أصبح بين امرأتين, المرأتان تزيدان فى
الاحتكاك بجسده المتعب فيحس بالدفء بالنعومة وبطراوة وامتلاء الجسد الانثوى, هل هذه ماتسمى خلوة الصوفى بالعروس ؟ التي وراءه التصقت به بقوة, لكنه حتى الآن لم ينتصب ! أدخلت المرأة يدها فى سرواله وبدأت تداعبه , ثوان وقبضت بكف يدها وأصابعها الطرية على خصيته وعضوه الذي انتصب، وتصاعدت النشوة من مسام جسمه ،وشعر كأنه يغوص فى أنهاراً من الأجساد الأنثوية حتى وصل إلى ذرى من اللذات وتكشفت له أحوالاً من الدنيا والناس وأسراراً من السعادة الدنيوية كانت خافيةٍ عنه .
فى اليوم التالى وهو جالس تحت نتوء من الجبل المحيط بالضريح والمسجد سانداً رأسه على صخرة، ويرى بين لحظة واخرى الناس أسفل الجبل وهم بالساحة يحتفلون ويسعون وينشدون والأضواء تتلألأ فكر فى هذه الأشياء وفى شيخه : ماذا لوكان شيخه على صواب ؟ فى أوقات يحس أن له نظره ورؤى ثاقبه وأنه يتطلع إلى الأشياء والخطوب من برج شاهق؟ هناك شيوخ غير شيخه يعذبون أرواحهم وأجسادهم ويعيشون فى أوهام وخيالات يصنعونها بل يعشقونها, فهل يتحقق الخلاص بالوهم والخيال ؟
أغمض عينيه كى يستعيد الأناشيد والابتهالات والموشحات التى سمعها بجلسة السماع أول المساء, وقد شعر بعدها أن روحه تتحرر وتصفو وتعلو بعيداً عن ما حوله ومكابدات النهار .
غاب عن كل شىء وهو يسترجع جلسة السماع حتى سمع هاتفًا بمنتصف الليل يدعوه أن يسير فى طريقه وحيداً وأن يترك السفن الهينة خلفه وأن يبتعد عن المشهد ليراه جيداً وأن لايحكم سريعاً على مايراه ويسمعه :
ـ الظاهر غير الباطن,لافصل بين الخالق والمخلوق وإذا غصت عميقاً سوف تدرك أن العاشق والمعشوق والعشق واحد .
فى الصباح نزل من فوق الجبل واجتاز الساحة إلى الطريق الرئيس, بعد أن أعطى ظهره لكل شىء بالمكان وحتى شيخه.
سار وحيداً بطريق أشبه بالصحراء, وبعد ساعة من السير وقفت بمحاذاته سيارة، سأله سائقها إن كان يريد الركوب معه حتى مشارف المدينة فوافق .
وصل إلى مكان استطاع من خلاله مشاهدة البحر, اقترب أكثر فرأى مياه وتلالاً رملية وشواطىء ممتدة .
مياه البحر شفافة ومتعددة الألوان, قال لنفسه هذا مكان تهوى إليه الأرواح وتسكن فيه الأجساد, وكعادة العارف وعلامته أكل ماوجد وسكن حيثما أدرك .
دامت خلوته بالمكان أياماً وليالٍ حتى أتاه الهاتف وهو مستلق على تلة رمل بيضاء محاطة بشجيرات التين .
ـ العزلة ليست سفينة والبعد عن الناس لايجدى, عد إلى جدك لتجد العلامة .
فتح عينيه بطيئاً ثم أغلقهما ثانيةٍ ليسمع أكثر, لكن لم يسمع شيئاً .
بقى ساعات بمكانه وقبيل الغروب وقف على قدميه وتحرك ليبدأ رحلة طويلة .
فى هذه الرحلة قرر التجوال فى سائر البلاد ومعرفة ولقاء الناس, وأن لايفكر بحياته السابقة ويترك الدخان يتصاعد من أطلالها, لكنه لم يقدر على نسيان ماحدث معه فى الخيمة بين المرأتين ، فقد بات سفراً ولغزاً ومقاماً روحياً لاسلطان له عليه, ولكن ماحدث هل كان علامة من علامات الطريق أم مقاماً دائماً كى تتخلص الروح من سجن الجسد ؟ لقد تلاقت الشفاه وسائرأعضاء الجسم بشغف وجموح وكانت الآهات والصرخات كأنها مناجأة وصرخات درويش مجذوب سقط أرضاً من النشوة والوجد, هل وضحت الرؤية الآن وآن لهذه الروح القلقة المعذبة المتأججة أن تعرف نعمة الراحة بعيداً عن القلق والاضطراب ؟ أم أن الأشياء الغامضة تزداد غموضاً ؟ لقد نصحه الهاتف بالعودة إلى جده : ” أين أنت الآن ياجدى ؟ وماذا تفعل ؟ وهل يمكنك أن ترانى وتشعر بى وتدلنى ؟ ألم تكن تردد ياجدى أن الطرق إلى الله كعدد أنفس بنى أدم” , إذاً فطريقى إليه سيكون نابعاً من نفسى .
أصبح يرى إشارات باتجاه الخيمة التى اضطجع فيها بين المرأتين تارة وتارة صوب الشوارع والساحات الملآنه بالناس والضجيج والرموز, لكن من أين يبدأ, وأى من هذه الإشارات يمكن أن تحمل السعادة الروحية ومباهج الحياة معاً ؟ راح يصل الليل بالنهار ويجوب البلاد ويسمع من الناس ويسألهم, ومن أجل رحلاته باع ماكان يملكه، مرت أياماً وشهوراً إلى أن صار معروفاً عند الناس , يساعد من يحتاجون للمساعدة خاصة الروحية والمعنوية منها ويحاول من وقت لآخر التوقف عند محطات فى الطريق الشاق الطويل ليتمعن ويدقق فى أشياء ومراحل عدة كان قد قطعها وظهرت له أنوار لاتعد، ثم ألقى بنفسه فى لهب الأجساد الأنثوية كى يذوب بحرارتها ويتحرر من رق أغلال الجسد ويصل لتلك القوة الخفية ويعرف نفسه ومبدأه ومنتهاه .
كان كشيخه يظهر المودة والمحبة للنساء ويستخدم المسك والبخور ويقيم لهن ومعهن حلقات الذِكر ليسقط الحرج والكلفة, وكان كأنما يشرب شراباً سحرياً يجعله يسرح ويشرد فى الملكوت الأعلى حباً وشوقاً, وعرف لماذا يتغنى أهل الله بالمرأة باعتبارها كائن لطيف ناعم جميل يحصلون منه على وفرة وزيادة من المحبة والوصف البديع للحسن والجمال.
وفى كل مرة يندمج ويذوق كانت تنحل العقد وتنفك الطلاسم ويصل إلى منابع الحب وسبل المعرفة والوجود و فى ليلة تشبه ليلة الخيمة وبعد أن سقطت الجساد الأنثوية أرضاً من التعب والشوق صار يتحسس أجسادهن حتى استحالت الأجساد بحراً ساجى الأمواج وتحول الهواء لسفينة تشكلت بهيئة شجرة خضراء والشجرة فتحت ذراعيها له ثم أمتصته بداخلها كما تمتص الجذورالماء, وصعد صعد صعد إلى ساق وفروع وأغصان الشجرة فتفتقت الأغصان فيضاً من البراعم والزهور والنور للسالكين .
* * * *
القصة خاصة لصحيفة قريش -ملحق ثقافات وآداب -لندن
حسني حسن منذ سنتين
الإيروتيكية والصوفية، أو فلنقل الإيروتيكية الصوفية؛ إنه عالم أحمد الشربف المفضل والخاص جداً. وفي هذا النص، كما في عديد نصوصه الأخرى، سوف نتقصى أثر خطواته، الطامحة إلى العرفان، الوالجة في حمأة الشهوات واللذائذ الجسدانية، في محاولة مستحيلة لإدراك حقيقة الذات. إنه التوق إلى التسامي والتعالي الروحاني عبر الذوبان والفناء في أوقيانوسات الجسد الأنثوي. كم هو رهيب ومخيف ذلك الجمال، كما يعبر دوستويفسكي، وكم هو ملح عنيد هذا النشدان للأعالي.