الدكتور محمد عياش
تعتبر عدالة القضية الفلسطينية من أوضح الواضحات ، فهي تسير وفق التاريخ المستقيم ، أي بمعنى أنها اكتسبت تعاطف العالم تقريبا ً ، أقصد الشعوب وليس الحكومات ، والزخم الأكبر الذي يغذيها هو ما عبر عنه الشهيد كمال ناصر بتصريحاته التي تميزت بالنكتة والدعابة عندما قال :” سوف تبقى القضية الفلسطينية حية ؛ اتكلوا على القومية الإسرائيلية ” .
إن الصراع الفلسطيني مع الكيان الصهيوني ، صراع وجود لا صراع حدود ، والذين راهنوا على القوى الكبرى وساروا تحت رعايتها ظنا ً..؛ سينالوا أو سيتمكنوا من إجبار هذا العدو على الاعتراف لهم ببعض الحقوق ، ويضمنوا العيش الآمن ، قد أصابهم من الخيبات ما أصابهم والدليل توقف العملية التفاوضية لأكثر من عشر سنوات ، والسلطة الفلسطينية للأسف ملتزمة بالاتفاقيات والتفاهمات و «إسرائيل» ماضية بسياسة الإلغاء والإقصاء والتنكر ، بل وزادت الطين ماء باستباحتها للقدس وللضفة الغربية والعدوان على قطاع غزة مع اقتراب الانتخابات أو بدونها !
كشفت الحرب الأخيرة التي شنتها «إسرائيل» على غزة في بداية شهر آب / أغسطس والتي سمتها بعملية ‘‘الفجر الصادق’’ ، مستهدفة مواقع لحركة الجهاد الإسلامي الفلسطيني ، ولا سيما ذراعها العسكري ، سرايا القدس ، وكانت نتيجة العدوان استشهاد 48 فلسطينيا ً من بينهم 16 طفل و 4 سيدات ، وإصابة 360 آخرين بحسب وزارة الصحة في القطاع ، واستشهاد تيسير الجعبري قائد المنطقة الشمالية ، وخالد منصور قائد المنطقة الجنوبية ؛ بأن الكيان الغاصب أمام مقاومة راديكالية متشددة لا تقبل بأنصاف الحلول .
حركة الجهاد الإسلامي فصيل فلسطيني تأسس عام 1981م ، فصيل راديكالي متشدد ، لن أخوض في تفصيلات النشأة والبدايات ، لأنني معني بالوضع الراهن أكثر ، لأن طبيعة العدو هو التعامل مع المستجدات ، وفي أرشيفه سجل حافل بالمفاوضات التي قصد منها فقط المفاوضات ومضيعة للوقت وهدرا ًللمال ، والحرب الأخيرة أفرزت نوع من التعامل الصهيوني مع القضية لجهة المقاومة ، إذ أنها – حيّدت حركة حماس – عن الهجوم بالرغم من دخول الأخيرة في غرفة عمليات واحدة مع الجهاد وسميت بـ ‘‘وحدة الساحات’’ .
أعتقد كل الاعتقاد أن «إسرائيل» نجحت إلى حدٍ ما بشق العصا بين الفصيلين ، وأن المكر في المرة القادمة سيكون مخزيا ً تماما ً في سياسة الاستفراد ، لأن حماس كان يجب عليها الدخول في المعركة منذ إعلان الحرب على حركة الجهاد ، حتى تفوت على قادة الاحتلال فرصة التفكير مرة ثانية باستهداف فصيل دون آخر . لكن كما قالوا في الأمثال : حساب السرايا غير حساب القرايا ؟!!.
نحن أمام نموذج ناجح من المقاومة ، وخط مستقيم لا عوج فيه ، خط لا يقبل الهدنة أو التفاوض وحتى التفكير في الاعتراف بالعدو الذي يحتل الأرض ، نهج يؤمن بحتمية النصر ولسان حاله يؤكد الآية الكريمة في سورة التوبة 123 يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قاتلوا ٱلَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ ٱلْكُفَّارِ وَلْيَجِدُواْ فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَٱعْلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ .
غالبية الشعب العربي عموما ً والفلسطيني خصوصا ً ، كان يعول على الحالة البلشفية لحماس في القطاع ، إلا أن الحركة اتجهت إلى المأسسة والمشاركة مع السلطة في القيادة ، وهذا ما ترفضه الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي الذي يسير وفق الرؤية الصهيو- أمريكية ، واتضح فيما بعد أن واشنطن وإسرائيل أرادتا من خلال هذا الاندماج ضرب الحركتين بعضهما ببعض بسبب اللهاث وراء السيطرة والتحكم بالمؤسسات الفلسطينية سواءً في الضفة أو في القطاع .
الأمل كل الأمل بالجهاد الإسلامي ، وإستراتيجيتها المقاومة حتى تحرير كامل التراب الفلسطيني والقدس عاصمة أبدية للعرب وللمسلمين ، وأتمنى من بقية الفصائل اليسارية واليمينية أن تغلب المصلحة العامة والشاملة ، وأن تفوت الفرصة على الكيان الصهيوني من سياسة الاستفراد ، وأن توحد الساحات بغرفة عمليات واحدة يقودها الهدف الحتمي والاستراتيجي ، دحر الاحتلال الصهيوني وإعادة قطعان المستوطنين إلى البلاد التي تقاطروا منها آباؤهم وأجدادهم ، لأن هذه الأرض عربية فلسطينية ، وجذورها كنعانية ، وامتدادها وعمقها عربي وإسلامي والمحور المقاوم الذي يتوق للنصر المؤزر والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
عذراً التعليقات مغلقة