جريمة القتل بين التجريم  والتبرير والتمجيد .. من حمورابي الى أبي جاسم

جريمة القتل بين التجريم والتبرير والتمجيد .. من حمورابي الى أبي جاسم

آخر تحديث : الخميس 29 سبتمبر 2022 - 12:11 مساءً

د. توفيق آلتونجي 

roundcube 1 - قريش
توفيق التونجي

انّ جريمة القتل، اي إهلاك شخص بريء بوحشية وباستخدام الشدة والعنف وشتى الطرق والالات والاسلحة، تلك الجريمة التي حدثت و تحدث بصورة عامة في جميع المجتمعات الانسانية، عبر التاريج الانساني، كانت ولا تزال تعتبر عملية قتل وجريمة شنيعة يحاسب القاتل عليها وفق القوانين المرعية السائدة في الدولة، في ذلك العصر، وذلك الاوان، و كان جزاؤها الاعدام (العين بالعين والسن بالسن). ونرى ان نصوص تجريم ومعاقبة الجناة في عملية قتل البريء في قوانين حمورابي الرافيدينية والقوانين الفرعونية المصرية القديمة، هي كما عليها في معظم الديانات السماوية والعقائد الاخرى. ونرى كذلك ان الانسان، كان يقدم ابناء جلدته من البشر كضحية وقربان في بعض الحضارات القديمة، واقرب مثال على ذلك محاولة تقديم ابو الانبياء ابراهيم لابنه اسماعيل قربانا، الا ان القتال عند الخصام والمنازعات والحروب عبر مسيرة التاريخ اضاف الكثير الى روح قبول وتقبل البشر لمبدأ قتل الاخر،  اما الاعدام كعقاب للقائم بجريمة القتل فأقرته معظم الاديان السماوية.

image1664204595804.png

ورغم ان الاعدام يعتبر اقسى العقوبات، لكنه لم يتمكن من ردع المجرمين ولا منع وقوع الجرائم. وبقى البشر على سجيتهم، يتقاتلون منذ جريمة ابناء ابونا ادم، حيث قتل قابيل اخيه هابيل وبقى حائرا ماذا يفعل بجثته، حتى شاهد الغراب يدفن ميته، فدفن اخيه ووارى جسده التراب، كما تذكر النصوص القديمة.

ان قبول هلاك البشر وفنائهم عن طريق الاقتتال والحروب وقتل الاخر كانت نتيجة مباشرة للتنافس بين الشعوب من اجل السيطرة والحكم والاحتلال ومن اجل عوامل اقتصادية، وسياسية او ثأر وخصومة بين ملكين 

أوحروب اخرى دينية الصبغة احيانا، واحيانا أخرى كما هي الحال عليه اليوم، خصام وخلاف بين قادة دولتين. نحن نعرف ان استخدام الشدة والعنف في الحروب لم يؤدِ قطعا الى انتصار الشعوب المتحاربة، لانه وببساطة لا يوجد منتصر في الحرب والخسارة نسبية تتوزع على الطرفين، والمنتصر في الحرب ربما سيصبح خاسرا يوما ما في المستقبل، وربما يحكمه ويحتل ارضه. هؤلاء المحتلين هم الاعداء الذين هزمهم يوما ما في الماضي. كما كان عليه الصراع بين الامبراطوريات، وان جيوش العالم يعتبرون قتل الخصم او العدو نوعا من الدفاع عن الوطن.

وهناك تجارب اثبتت ان الانسان له قابلية لتنفيذ اوامر بالقتل، خاصة اذا كان الامر صادر من مرؤوسه وقائده، اي ان المسؤولية ستلقى على من اصدر الامر وليس على من نفذه، وان الجاني في هذه الحالة، في واقع الامر، هو مسلوب الارادة امام القانون، ولا يقدم للمحاكمة ما لم يثبت عكس ذلك.

الجدير بالذكر ان الفرد يتضامن كليا مع الجماعة في عملية القتل، لانه ببساطة قاتل مثلهم. وهذه الخاصية 

اي تحويل الفرد الى قاتل يجيز القتل متضامنا مع الجماعة استخدم من قبل الانظمة القمعية والبوليسية في قتل حتى بعض اعضاء المجموعة نفسها فيما بينهم، وتوزيع الجريمة على المجموعة هروبا من المسؤولية.

تذكر كتب التاريخ، كيف اجتمع الكفار لقتل الرسول في بداية الدعوة الاسلامية بمجموعة من الرجال القتلة ينتمون لعدة قبائل كي تتوزع المسؤولية ويضيع الحق. وتستخدم جماعة من الجناة هذا المبدأ كحيلة يلتفون بها على الجريمة لحد الان، حين يبدأ القاتل  بإتهام رفيقه بالقتل ورفيقه يتهم الاخر، والذي بدوره يتهم الرابع وهلم جرا وبذلك يضيع الحق. ويبرأ القانون الجميع في نهاية الامر. قديما كان العدو مرئيا وتنازله بشجاعة نداً لند ووجها لوجه، أما أن تكون غالبا أو مغلوبا، ولكن هذا قبل ان يكتشف الانسان المسدس (الفرد، الطبنجة) كي يتعادل الخصمان حتى لو كان احدهم جبانا. وكانت المبارزة بالسيف اكثر نبلا من اسلحة و قنابل العصر الحديث. ويبقى القاتل، قاتلا مهما كانت الدوافع والاسباب والقتل سلوك غير انساني ولسبب بسيط هو وجود العقل والمنطق الرادع عند الانسان الذي يساعده، على حل المشاكل المستعصية 

والخصام، بالحوار دون الحاجة الى اللجوء الى استخدام الشدة والعنف والقتل. واعتقد جازما ان الولادة والممات أمران مطلقان يخصان الخالق سبحانه وتعالى، لهذا، حتى احكام الاعدام قد تلغي من قوانين العديد من دول العالم المتحضر. وقد دار جدال فلسفي حول القتل واسبابه إبان وبعد الحرب العالمية الثانية. اراد البعض مثلا اعتبار الشعب الالماني اكثر دموية وعدائية  يقبل استخدام الشدة والعنف وقتل البشر بكافة الوسائل المتاحة. لكن طبيبا نفسانيا امريكيا اجرى تجربة خلال الحرب العالمية الثانية، اثبت من خلالها، ان معظم البشر يمكنهم القتل اذا اتى الامر من جهة او سلطة حاكمة. وذلك عن طريق ممثل قام بالدور واعطى الطبيب الاوامر للمشاركين باعطائه شحنة كهربائية صغيرة اول الامر ثم رفع درجة الشحنات، والممثل يؤدي دوره ويلتوي من جراء الشحنات الى ان وصلت الشحنة الى درجة تؤدي فيها الى موت الشخص.

 الغريب، ان الجميع وافقوا على اعطاء الشخص تلك الشحنة المميتة. طبعا للشخص نفسه اي الممثل الذي لم يكن مربوطا بالاسلاك الكهربائية وكان يمثل دور الضحية.  اي ان الجاني ها هنا لا يتحمل نتيجة فعله، 

image1664204595858.png

حتى لو كان القاتل، بل يرى ان الجماعة قد أطاعت أمرا سلطويا.  كما هو عليه في الجيش والا كيف يرمي طيار قنبلة نووية على مدينة ويقتل الملايين. رد الفعل الجماعي نراه كثيرا واطاعة الجماعة العمياء تبقى فوق كل اعتبار، وان تأثير الجماعة كبير حتى على الشباب الذين ينظمون كاعضاء في مجموعات اجرامية منظمة احيانا، وحتى على الاطفال في دور الحضانة.  خذ مثلا وانت تمشي في الشارع في يوم ممطر رافعا الشمسية التي تقيك من المطر، وترى معظم من لديهم شمسيات قد فتحوها. بعد برهة توقف المطر سترى ان الجميع يستمرون في رفع الشمسية، وصدفة قد يكتشف احدهم توقف المطر، فيغلق الشمسية لكن الاخرين يستمرون الى ان يكتشفوا هم كذلك توقف المطر 

(الحشر مع الناس عيد).

 كذلك نرى في ابحاث الطبيب النفسي البروفيسور دونالد يوين كاميرون في اثبات السلوك العنيف للبشر، رغم النقد الذي وجه اليه حول دوره في التعاون مع الجهات الامنية الامريكية. 

هل الجندي الذي يقتل، مجرم ام بطل؟

الحقيقة ان القاتل هو قاتل، مهما كانت الاسباب والذرائع. واذا امعنا في النص المقدس حين يذكر لنا سبحانه وتعالى في سورة فاطر (بشر القاتل بالقتل ولو بعد حين) هذا المبدأ رادع للقاتل الذي يقتل مع سبق الاصرار والترصد.

التطورات الحديثة في علم الجينات وتحليل الحامض النووي  DNA مكنت المحققين من حل اسرار وألغاز العديد من جرائم القتل التي كانت سابقا تقيد بإسم مجهول. هذه التقنية التي تربط مباشرة القاتل عمليا بالضحية وعملية القتل ولا تقبل الشك بل ساعدت كذلك على حل لغز العديد من الجرائم القديمة كذلك.

هناك بلدان كالعراق فيها اعداد هائلة من جرائم القتل المسجلة باسم القاتل المجهول. العراق اصبح ساحة تجرى عليها التجارب من سيارات مفخخة واحزمة ناسفة ومجازر جماعية وقتل على الهوية.  هذه الجرائم اخذت منحى جديدا مع احتلال العراق وسقوط النظام البعثي عام 2003. في حين كنا نسمع فقط بجرائم الحكومة المنظمة في السجون والمعتقلات ودوائر الامن.

المجتمعات الشرقية وبصورة عامة تمجد القوة، وكم من ضحية نرى الناس قد تجمعوا عليها واشبعوها ضربا دون ان يعرفوا سببا لذلك ،سيرا على مبدأ الحشر مع الناس. في بداية الجمهورية وبعد ثورة الرابع عشر من تموز ساد العراق نوع من الارهاب وبات البعض كالكلب المسعور يبحث عن ضحية من حي الى اخر. لا تزال ترى جموع الناس يهجمون على غرفة في محطة القطار سجن فيها احد الاغوات (من عشيرة سورجي) وكان الجمع يحاولون اخراجه لقتله. وكانت بنت ناظر المحطة سامحها الله الاكثر غضبا وصراخا هستيريا وواعية لاستخدام الشدة. وعرفت لاحقا بان ذنب الرجل كان  فقط كونه احد الاقطاعيين الاغنياء(آغا)  من العهد 

الملكي (البائد اي ابيد عن بكرة ابيه). هذا كان عام 1959 والحالة أسوء اليوم. حيث يحكم الناس على الامور بمجرد قرائتهم لخبر او سماع وشاية حاسد او تقرير رفعه احد الحزبين او المخبرين المتعاونين مع السلطات الامنية دون تقديم الجاني الى القضاء كي ينال عقابه حسب القوانين المرعية في البلاد. اما في ايامنا هذه فان الاعلام الالكتروني وتطور وسائل الاتصال الاجتماعي الحديثة، بما تحتوي من برامج يمكن عن طريقها تلفيق وتزوير الاخبار والصور والافلام اصبحت ومع الاسف مسرحا خصبا للمتخاصمين.

الناس يصدرون الاحكام دون محاكمة او حتى تقديم دليل والبعض يمجد تراث العنف في شخصية الفهلوي (ابو جاسم،  البلطجي) حامي الضعفاء في التراث الشعبي العراقي.

التاريخ مليء باسماء شخصيات يعتبرون رموزا وابطالا وطنيين. الا ان دراسة عميقة لتراثهم وافعالهم تبين لنا انهم كانوا مجرد مجرمين قتلة وسفاحين. 

لا يوجد مبرر عقلاني لجريمة القتل. القاتل قد يكون مريضا نفسيا او فيه خلل عقلي لهذا ينصح بوضعه في 

المصحات والعناية به من ناحية ومن ناحية اخرى درء خطره عن باقي البشر. التاريخ يخبرنا انه كان بين هؤلاء من هم من فاقدي العقل والمجانين المهوسين، ممن وصلوا حتى الى قيادة شعوبهم. وتلك هي الطامة الكبرى.

انا اعتقد قارئي الكريم، ان القائد الحكيم والانسان السوي لا يدعو الى الحرب ويتجنب حدوثها مهما كان السبب والمسبب.

الأندلس

كلمات دليلية
رابط مختصر

عذراً التعليقات مغلقة

WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com