“إنسانوفوبيا” للأديب المغربي عبد الكريم ميمون حرش
” تحت المطر يمشي..
كل الجسد تبلل إلاّ القلب “
عبد الكريم بولعيون
المبدع المغربي عبد الكريم بولعيون له نصيب من نَسبه :
(عيونُه كثيرة ، عين يتفلسف بها، فيمتع تلامذته، باعتباره أستاذَ فلسفةٍ ،متألقاً جداً، وعينٌ بها يرصد واقعَنا المعيش، وعين بها يبدع، ويمتع القارئ عموماً) ، والحق أن هذه العيون الثلاثة سببٌ كافٍ للإقبال على جديده الماتع ” إنسانوفوبيا”، فيُقرأ بشغف وحب) .
يناضل حملةُ الأقلام من أجل الحرية، والسلام ،والديمقراطية، وإشاعة الجمال في السلوك اليومي المعيش؛ تكريساً لقيمٍ جميلة ، يعمل المبدعون ، من أجلها، على التقاط مفارقات تُسيجها سلوكات فردية وجماعية في تناغم عجيب ( لكن شاذ)،وفي ظل واقع متردٍ .. كل ذلك بهدف التعرية، وفضح المستور من خلال نصوص تشهد على أن هناك رقابةً فنية، وأدبية، تمنح الرؤية للقارئ من خلال فتح كوات، نهاراً، ينفذ منها نسيم عليل، وليلاً عبر ضوء ينير الدروب للبصير والأعمى معاً… هذه “الرؤية” ضرورية ولازبة للإنسان ، و مهما خبا فتيلُ هذه الرؤية، أحياناً، ( وما أكثر ما تخبو في الأزمنة الرديئة! ( يتحمل المبدع ثقلها، حين يعمل على إشعالِ نسيسها، جزءً، جزءً حتى تتوهج .. والمبدع المغربي عبد الكريم بولعيون حين أصدر كتابه الثاني “إنسانوفوبيا”، بعد “صرخة في وجه كورونا”، كان يعي مهمته وهو يكشف عن تناقضات الإنسان في صراعه مع الحياة : مع الإدارة ،والتعليم،والزواج، والصداقة ، والغش، والميراث، والانتقام، والرقابة، والتملق، والاستغلال، وإدمان التلفزة، والرجولة، والذكورة، والمحاماة، والنميمة، وأزمة السكن… “، كان يدرك أن القلم ترياق، وأن القصة القصيرة جداً “روشتة” دواء. ورغم أنه يُقر بأن أضمومته الجديدة هي قصص قصيرة هزلية، لكنها ، في العمق، عالم من انكسارات، وهزائم الإنسان، التي لا تمل ولا تكل.
المبدع المغربي عبد الكريم بولعيون له نصيب من نَسبه :
(عيونه كثيرة ، عين يتفلسف بها، فيمتع تلامذته، باعتباره أستاذَ فلسفةٍ ،متألقاً جداً، وعين بها يرصد واقعَنا المعيش، وعين بها يبدع، ويمتع القارئ عموماً) ، والحق أن هذه العيون الثلاثة سبب كافٍ للإقبال على جديده الماتع ” إنسانوفوبيا”، فيُقرأ بشغف وحب).
الكاتب عبد الكريم خص أضمومته الأولى لموضوع كورونا، واختار للثانية مساراً مختلفاً سبر به أغوار النفس الإنسانية، تدعمه، في ذلك، ثقافة فلسفية عميقة لموضوعات ذات صلة بما يراكمه الإنسان ( هذا الكائن المجهول) من الماء إلى الماء ، من صبر يدفع ثمنه غالياً، وهو يغرق في وحل ” الحياة”.
“إنسانوفوبيا” هو عنوان أضمومة الكاتب المغربي عبد الكريم بولعيون ، في جنس القصة القصيرة جداً؛ في الأول استرعاني العنوان، ولفت نظري، ورأساً فكرتُ في كتب كثيرة آثر أصحابُها “الإنسان ” لتكون أمَّ الباب، في مؤلفاتهم، كما يقول النحويون، استحضرتُ أيضاً بالمناسبة كتاب ” الإنسان ذلك المجهول” لصاحبه ألكسي كاريل Alexis Carrel، وهو يعد من الكتب الأساسية في القرن العشرين ، ثم إنه خول لصاحبه الفوز بجائزة نوبل ؛ ويبدو لي أن قصص “إنسانوفوبيا” لصاحبها عبد الكريم بولعيون تلخص التالي :لكي يكون الإنسان في أعلى مستواه الحضاري ، رغم ندوبه يجب أن يبستم دائماً، ويدير ظهره لمآسٍ لا نهاية لها. لكن هذا لا يعني ،البتة، إعلان هزيمته، فهو يمكن أن يهزم كما يقول همنجواي، لكنه لا يُقهر أبداً. فكثير من قصص بولعيون عبر ت عن هذا المعنى الجميل .
في الأدب، والفلسفة، والسينما أعمال كثيرة احتفت بالإنسان، باعتباره لغزأ محيراً، وكائناً مجهولا فرض “حقيقته” على الباحثين، والأدباء، والفلاسفة، وأهل السينما، والفنانين . الإنسان “تحفة” في فرحه، و حزنه، وغضبه، وبخله، وجوده، وقسوته، وطيبته، وألمه، وسعادته، وتعاسته،.. ليس منه اثنان في هذا ، فما أشد ارتباط الإنسان بحقيقة الإنسان مزيفة كانت أو عارية ،أوافتراضية، أو حقيقية أو صادمة ! ، لكن هل يدرك الإنسان بأنه وراء زيف هذه الحقيقة، أو حقيقتها؟.. ومع ذلك يبدو لي أن الإنسان سبب رئيس في سعيه لهذه الحقيقة، كما الزئبق ، إذ كلما تحققتْ له تراه يبتعد. إنه ” الإنسان ذلك المجهول “.
يقدم المبدع المغربي عبد الكريم بولعيون في كتابه الجديد ” إنسانوفوبيا” صوراً جميلة عن ” الإنسان التحفة ” في كبسولات (86 قصة قصيرة جداً) جميلة، وبديعة ، وشائقة، تدعمه لغة كاشفة عن ارتفاع ضغط الإنسان في واقع متورم ، ومريض، وغير عادل.
كل كبسولة من ” إنسانوفوبيا” هو “إنسان” وجها لوجه مع الذات، مرة، ومع الآخر مرات ، يتملى نفسه في المرآة، غير مصدق ما آل إليه عصره الذي هو جزء منه،
الإنسان، في المجموعة مسدس كاتم الصوت ، به يرصد بولعيون صوراً شتى لانتكاساته : في الحب، والبحث عن لقمة العيش، والحلم، والزواج، والمرض، والميز العنصري، والتصابي، والغربة، و الفقر ،والإرهاب، والهجرة، والموت ،والتدين، والوظيفة، والبيت، و(…)، وهي تيمات/Des thèmesأو حقائق عالجها بفنية ، وكشف الغطاء عنها من خلال نصوص قصيرة جداً، استطاع أن يرسخ في الأذهان، من خلالها، أن الإسنان ، رغم هذه الأورام في جسده، يقاوم ليس ليعيش، بل كيف يصح أن يعيش،
كل نص في المجموعة للأديب المغربي عبد الكريم بولعيون رصاصة ، تنطلق من مسدسه بِدَعَة ، لا لتردي القارئ قتيلا ، بل لتمنحه تأشيرة الابتسامة في وجهِ زمنٍ وحش ، تهبه ،بدل الموت، العيش مع سيناريوهات محبوكة تلخص صراع الإنسان مع الحياة ضمن “جينيريك” ، كما الأفلام، يضم لائحة صور الإنسان، دون اسم، فيها من البداعة ما يمنح القارئ تأشيرة الدخول لعالم يسكنه ” إنسانوفوبيا”.
عذراً التعليقات مغلقة