الدكتور محمد عياش
الحرب الدائرة بين روسيا الاتحادية ، والغرب برأس الحربة أوكرانيا ، سوف تحل محل الحدث الشهير وهو سقوط «جدار برلين» في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 م ، لما لهذا الحدث من تحولات محورية في تاريخ البشرية ، وعلى ما يبدو أن هذه الحرب ستطول كثيرا ً حسب الاعتقاد الغربي السائد ، والذهاب بالاقتصاد الروسي إلى الحضيض ، بينما الأهداف الروسية مختلفة كل الاختلاف ، إذ تريد موسكو من هذه الحرب إنهاء الأحادية في حكم العالم ، والاعتراف الدولي بالثنائية وأنها جديرة بإرث الاتحاد السوفيتي على خلاف بعض التصريحات الغربية ومساواة روسيا ببعض الدول الغربية من ناحية الناحية الاقتصادية .
قال وزير الدفاع الأسترالي ريتشارد مارليس، أن الحرب الدائرة ستطول ، وعلى روسيا أن تدرك ما معنى استطالة الحرب في إشارة إلى الاقتصاد الروسي الذي سيعاني كثيرا ً حسب زعمه ، بالوقت نفسه تصدر التصريحات من دول الاتحاد الأوروبي بأنها استعدت لكل السيناريوهات ، وأن الشتاء لن يكون قاسيا ً كما ترغب روسيا ، وما زاد الأمر تعقيدا ً التسريبات من خطي الغاز نورد ستريم واحد واثنين ، مع الشك أن هناك أيادٍ خفية عبثت وقامت بهذا الفعل لتسريع وقف الإمدادات الروسية ، وإلغاء العقود المبرمة ، والتهيئة الكاملة للمواجهة بكل الصُعد .
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ، تحدى الغرب في مشهد احتفالي بالكرملين بضم أربع أقاليم في 30 / سبتمبر أيلول 2022 وهذه المناطق هي / خيرسون – زاباروجيا – دونيتسك – لوغانسك / ودخل كعادته بفتح الأبواب الذهبية الشامخة مع التصفيق ، والثقة التي بدت عليه تقول أن هذا الإجراء دائم ولا عودة عنه بتاتا ً .
هل أقدم الرئيس الروسي على هذه الخطوات أي الحرب وضم المناطق الأربعة ؛ من غير حساب دقيق للمآلات والنتائج ؟ هذا السؤال يجيب عليه الوضع الأوروبي ومحاولاته لتأمين البدائل ، والإجراءات التقشفية التي صدرت من أغلب الدول الأوروبية تحسبا ً واستباقا ً
الرئيس الأمريكي جو بايدن رفض هذا التوقيع وقبله الاستفتاء ، وأعلن عن حزمة عقوبات جديدة ، ودعا إلى اجتماع عاجل لمجلس الأمن لإدانة الضم والذي فشل بسبب استخدام موسكو حق النقض ، وأعتقد كل الاعتقاد أن هذا الاجتماع روتيني ، لأن العمل يتطلب خارج أروقة مجلس الأمن فيما يخص المؤامرات وإدارة المعركة بالتحشيد وزيادة التحالفات وحزم العقوبات ، لأن واشنطن بصراحة أرادت من المعركة أن تكون تقليدية بعيدة عن التهديد بالسلاح النووي ، مع العلم أن روسيا حددت شروط استخدام السلاح النووي .
في البداية كان التحشيد على الحدود الأوكرانية للجيش الروسي ، وإجراء مناورات ، وإبراز القوة ، كان كفيلا ً بذهاب الرئيس الأوكراني إلى الكرملين متوسلا ً طالبا ً الطاعة والرضا ، لكن ما جرى لم يكن بالحسبان ، إذ استقوى زيلينسكي بالولايات المتحدة الأمريكية ، وبعض الدول الأوروبية وحثها على قبول كييف في حلف الناتو بأسرع وقت ، إلا أن الاتحاد الأوروبي طالبه بالتريث ، ما جعله يشعر بخيبة الأمل ، ومع ذلك لم يقطع علاقاته معهم بل استمر بإلحاح طالبا ً المعونة والإسناد ، والدعم العسكري .
السؤال المهم ؛ هل أقدم الرئيس الروسي على هذه الخطوات أي الحرب وضم المناطق الأربعة ؛ من غير حساب دقيق للمآلات والنتائج ؟ هذا السؤال يجيب عليه الوضع الأوروبي ومحاولاته لتأمين البدائل ، والإجراءات التقشفية التي صدرت من أغلب الدول الأوروبية تحسبا ً واستباقا ً ، وطريقة التحريض الأمريكية المستمرة وتهديداتها للدول الأوروبية ، وتفعيل ما يسمى نظام العقوبات والالتزام بها ، بالرغم من الضرر الناجم عن ذلك ، وأيضا ً النظر إلى ضم جزيرة القرم 2014 ، واكتفت حينها واشنطن بالشجب والإدانة والاستنكار .
إن المناطق الأربعة وجزيرة القرم تساوي مساحتها ، كمساحة البرتغال تقريبا ً ، وبالتالي فإن ضم هذه المناطق لروسيا يعتبر كخط دفاع أمامي في مواجهة الناتو ، والذي ربما في الأيام القليلة سوف يقبل أوكرانيا كعضو ضمن صفوفه ، ومن ثم تبقى الحرب مستمرة برسم الاستنزاف والتوتر الذي سيرافقه محاولات غربية للقضاء على روسيا «إرميتيكيا ً» أي بعد عزلها دوليا ً كما ورد على لسان بعض الجنرالات في البنتاغون .
وفق المعادلة الجديدة والتي مفادها ، الحرب الروسية – الأوكرانية ، ستحل محل سقوط جدار برلين ، لأن هذه الحرب ستغير معالم ومرتسمات كثيرة ، ولاسيما التلويح الروسي بالسلاح النووي ، يعني ذلك بأن بوتين جاد في استخدامه لضرورة الحفاظ على المكتسبات ، وحماية كل الدول التي تسير وفق فلك السياسة الروسية الرافضة للهيمنة الغربية ، وربما تحركات بوتين وخطواته تشبه الذئب الذي لا يهرول من دون فريسة مؤكدة ، أي لا يضيع جهوده هباء منثورا ً .
عذراً التعليقات مغلقة