سمير خلف الله
الجزائر
إن سياسة التقتيل الهمجي ، والإيغال في الوحشية وسفك الدماء . لن تضمن بقاء هذا الكيان ، أو تضمن له استمرارية الوجود في الزمن . طالما أنه كيان استعماري ، تلفظه الجغرافيا ويتبرأ منه التاريخ . فهو كمن يبني بيته في وسط الطريق ، فإن هو لم يرحل طوعا فإنه سيرحل رغما عنه . وهذا هو المصير الحتمي ، لكيان العصابات الصهيونية . طالما أن كل العرب والمسلمين وأحرار العالم ، يرونه مجرد كيان غاصب . ووضع شاذ وضعت فيه فلسطين المحتلة ، ولا بد من أن يصحح في يوم ما . خاصة وأن القوة التي يستند إليها ، ومهما كان شكلها ، لن تضمن له هي الأخرى ، البقاء وهذا ما يخبرنا به التاريخ .
إن سياسة التقتيل التي يتبعها الكيان الغاصب ، في حق الشعب الفلسطيني . وخاصة استهداف قيادات الصف الأول ، كخليل الوزير ومبارك الحسنات والشيخ ياسين . صحيح أن هذه السياسة ربما توقف ، سير المقاومة بعض الوقت . ولكنها لا ولن تستأصلها من جذورها ، لكونها نابعة من الشعب وبنت للشعب ، والشعب حاضنتها الطبيعية . منذ مظاهرات القدس 1920 ، مرورا بكل الثورات الفلسطينية ، وإلى غاية مقاومة عرين الأسود وما بعدها . إن سياسة اغتيال القيادات ، لن تفيد الكيان الغاصب في شيء . سوى أنها تغذي كرة الحقد والرفض ، وتجعلها أكبر وأكبر . وتذكي جذوة المقاومة ، وكل قيادة تغتالها يد العصابات الصهيونية . ستخلفها في حينها ، أو بعد وقت قصير أو طويل ، قيادة أكثر صلابة وشراسة . وتصميما وعزما على ، طرد العدو الغاصب ، الذي أثبت عبر ممارساته الاجرامية . بأنه يستحيل التعايش معه ، ومن يقبل بذلك ، فهو كمن يرضى بأن يتعايش . مع أفعى سامة تقاسمه بيته ، أو ضبعا غادرا مهما حاول ، إظهار خلاف ما يبطنه . فطبيعته الغادرة هي من ، ستقود زمام أمره في الأخير .
وللتدليل على أن سياسة الاغتيالات ، لا جدوى منها . فلنا في الاستعمار الفرنسي للجزائر ، خير مثال . فهذا الأخير مارس سياسة ، القمع والتنكيل بالجزائريين . شعبا ومقاومة لبث الرعب في نفوسهم ، والقضاء على روح المقاومة بداخلهم . بهدف إجبارهم على الخضوع والخنوع ، وقبول احتلاله لبلادهم كأمر واقع مفروض لا بديل عنه . فهذه هي إرادة السيف والسكين ، صحيح أنه قضى على قيادات المقاومة الرسمية . كأحمد باي في قسنطينة ، والباي حسن في بايليك الغرب ، والباي بومرزاق في التيطري . وهزم الأمير عبد القادر ، ونفاه بعد أن سجنه إلى سوريا . وما نفعه هذا المنحى في شيء ، ذلك أنه سرعان ما ، ظهرت قيادات جديدة . من الشعب كالشيخ المقراني والحداد وبوعمامة ، وكلها قيادات قادت مقاومات شعبية باسلة . ولولا سياسة المستعمر الإرهابية ، والمتمثلة في الإبادة الجماعية والأرض المحروقة . ولو أنه كان يقاتل كالجزائريين بشرف ، لما حقق نصرا أو بقي بالجزائر لغاية 1962 . وهذا ما نراه في فلسطين الأبية ، من مقاومة باسلة كان آخر تجلياتها كتائب عرين الأسود . صحيح أن المحتل الغاشم الفرنسي ، وكنتيجة لعدم تكافئ القوى ، وهو المستند على الثورة الصناعية . والمحتل الصهيوني المتكأ هو الآخر ، على الآلة العسكرية الغربية . المستندة بدوها على منجزات ، الثورة الصناعية الثالثة والرابعة . ستكون له الغلبة على المدى القريب ، كما كانت للفرنسي من قبله ، ولكنها لن تكون له أبدا على المدى البعيد .
نعود ونقول ها هي فرنسا الاستعمارية ، كالكيان الغاصب بفلسطين ، قضت على معظم القيادات الجزائرية . الفاعلة على الساحة ، في القرن التاسع عشر ، قتلا ونفيا وتشريدا . ولكن بعد مدة لا تكاد تذكر من عمر الزمن ، سرعان ما نبتت من رحم الشعب قيادات جديدة . واصلت قيادة المقاومة ، بنفس عزيمة الآباء والأجداد . ومتسلحة بما استجد على الساحة الدولية ، من وسائل كفاح ونضال لم تعرفها المقاومات السابقة . وها هم المقاومون الجزائريون ، يتسلحون بنفس أسلحة العدو . سواء على المستوى السياسي أو العسكري . ذلك أن أسلحة القرن 19 قد فشلت ، ولم تمكنهم من طرد المحتل واستعادة السيادة الوطنية المغتصبة . وتعلموا أن الفرقة هي سبب ، استعبادهم وانتصار المتغلب عليهم . فتوحدوا تحت قيادة واحدة ، فحققوا الهدف المنشود . ذلك أنهم جميعا كانوا ينشدون هدفا واحدا ، ألا وهو استقلال الجزائر . ولكن خلفياتهم الأيديولوجية ، كانت مختلفة وهي من أحدثت شرخا . متفاوت العمق بين مختلف تيارات الحركة الوطنية الجزائرية ، وكذلك فعلت وسائل نضالهم . وعلى الفلسطينيين اليوم أن يتمثلوا ، التجربة النضالية الجزائرية . المتمثلة في توحيد الصفوف ورصها ، لتحقيق هدفهم المشترك . ذلك أنهم بوحدتهم ، ستكون أيديهم جميعا على عدوهم . وفي حال فرقتهم ستكون أيديهم ، على بعضهم البعض مما يضعفهم ، لصالح المحتل الغاصب . ولا محالة سيستنجد به ، هذا الطرف أو ذاك ، ويتخذه حليفا ضد أخيه . وفي هذا المسلك ضياعهم جميعا ، وهذا هو سبب ضياع الأندلس قبل عدة قرون . إن فرقتهم ستدخلهم في حالة من التحارب والتطاحن ، التي تصب في صالح العدو . ذلك أنه من المفروض عليهم ، أن يوجهوا جهودهم لقتاله وطرده من فلسطين ، وإذا ما تحاربوا عندها من سيقوم بطرده ؟ . وسيرقص هذا العدو المحتل طربا ، فمن من المفروض أن يطردوه ، استنزفوا قواهم في صراع داخلي عبثي . سيجعله ينفرد بهم كل على حذا ، مما سيضمن له البقاء أطول مدة ممكنة . لأن كل الجهود التي من المفترض ، أن توجه لمقاومته ها هي توجه إلى صدور الإخوة الأعداء . وعلى الجميع هنا أن يتنازل لصالح فلسطين ، فهي المقدس الذي يعلو ولا يعلى عليه . وهنا فقط سيضمن الفلسطينيون ، طرد الغزاة واستعادة ، وطنهم المسلوب ، كما فعل الجزائريون من قبلهم . فالغزاة الصهاينة يستمدون قوتهم من فرقتهم وتفرقهم ، ويطيلون في عمر كيانهم نتيجة التحارب الفلسطيني الداخلي .
علما بأن الكيان الغاصب مخطأ ، في سياسة استهدافه للزعماء الفلسطينيين . ذلك أن القضية لا تتعلق بهذا الشخص أو ذاك ، وإنما الأمر يتعلق بفكرة ، والفكرة لا تزول ولا تموت بموت صاحبها . وخاصة إذا ما كانت لديها ، حاضنة شعبية تستند إليها ، كما هو الحال مع المقاومة الفلسطينية . وها هي فرنسا الاستعمارية ، تأسر قادة الثورة الجزائرية . في عملية قرصنة ولصوصية جوية جبانة ، وإرهاب دولة كما يفعل الكيان الغاصب اليوم . ظنا منها أن التخلص من قادة الثورة ، سيجعلها تسحقها وتنهيها في أقرب الآجال . وخاب أملها حتى بعد أن تمكنت ، يدها الآثمة من القادة الذين فجروها . وعلى رأسهم مصطفى بن بولعيد ، وديدوش مراد والعربي بن مهيدى وبن عبد المالك رمضان . ولكن كل هذا ما فادها في شيء ، بل تأججت الثورة أكثر . وهو عين ما يحدث في فلسطين المحتلة ، فقتل الشيخ ياسين لم ينه وجود حركة حماس . واغتيال المهندس محمد الزواوي التونسي وغيره ، لم يحل دون تطوير المقاومة الفلسطينية من قدراتها . التي كان الكيان الغاصب يسخر منها ، وها هي صواريخها تقيم توازنا في الرعب . إذ أن كل التجمعات السكانية الصهيونية ، أصبحت تحت رحمة صواريخ المقاومة .
وكل ما يفعله الكيان الغاصب ، لن يكون حصاده سوى تدحرج كرة الحقد والرفض واللفظ . وحفر خندق بين الفلسطينيين ، أهل البلاد وأصحابها الحقيقيين والشرعيين ، الذين ستعود لهم مهما طال الزمن . وبين الغزاة الذين هم ، راحلون عنها حتما . إنه خندق يماثل ذلك الذي حفرته فرنسا ، بينها وبين الجزائريين بعد مجازر 08 ماي 1945 . والذي انتهي وكما تنبأ جنيرالاتها ، وعقلاؤها بعد أن امتلأ بالجثث . ذلك أنه لا حل مع كيان أو محتل استيطاني ، سوى لغة المقاومة فهي اللغة الوحيدة التي يفهمها ويرضخ لها . ونتيجة للمقاومة رحلت فرنسا عن الجزائر ، وكذلك سيكون الأمر في فلسطين المحتلة . ذلك أنه بعد مجازر دير ياسين ، وكفر قاسم وصبرا وشاتيلا ، ومحارق غزة والضفة الغربية . أكد العدو الغاصب ، بأنه لا مجال للتعايش معه . لأنه لا يؤمن إلا بالنظرية الصفرية ، كل شيء أو اللاشيء . وحتما لن يطال شيئا ، كما هو حال الاستدمار الفرنسي ، من قبله في الجزائر . وإن هو اليوم يعيش أزهي أيام مجده ، فما بعدها إلا الأفول . تماما كما عاش الاستعمار الفرنسي في الجزائر ، أزهي أيامه . وبلغ قمة مجده بين سنتي 1870 و 1919 ، وبعد هذا التاريخ بدأ في الانحدار صوب الهاوية . التي حاول تلافيها بكل ما امتلك من سبل ، ولكنه كان يعاند التاريخ الذي قال فيه كلمته . وكما فشلت فرنسا في تحويل ، الجزائر إلى مقاطعة فرنسية ووطن لقطعان المستوطنين . فكل الدلائل والمؤشرات تدل ، على أن المشروع الصهيوني في فلسطين المحتلة . سيلقى نفس المصير ، مهما أعمت العيون الضعيفة ، تلك الأنوار الساطعة المنبعثة من الكيان الغاصب .
ذلك أن التجربة الأمريكية مع الهنود الحمر ، لا يمكن إعادتها في فلسطين المحتلة . ولا كذلك تجربة المحتل البريطاني ، في جنوب إفريقيا وأستراليا . والجواب ربما نجده ، عند المؤرخ الفرنسي لوروا بوليو الذي يقول بأن : ” جميع البلدان التي أسست مستعمرات أنشأتها في أقطار شاغرة فارغة أو قليلة السكان أو أقطار سهلة الغزو تكثر فيها الأراضي المهملة لا أرباب لها ولذا كانت غنيمة باردة سهلة الاغتصاب لا يسكنها إلا أناس قلائل بدائيون متخلفون ” وما هذا الوصف يصدق على فلسطين المحتلة ، فما سكانها ذابوا في المحتل الغازي . وتبنوا دينه ولغته وثقافته ، كما هو الحال في جنوب إفريقيا مثلا . ولا في فلسطين المحتلة تكونت أمة ، مختلفة الأعراق والأديان ، ولا هي في طريقها صوب هذا التشكل . وإنما لدينا غزاة ، يحتلون الأرض بحد السيف والسكين . وشعب يناضل لاستعادة ، ما سلب منه .
وهنا لا بد من الحديث عن اللعنة ، التي أصابت المشروع ، الفرنسي الاستعماري في الجزائر . لعنة المقاومة الجزائرية الباسلة ، التي هددت هذا المشروع بالفشل والزوال . صحيح أن سياسة التقتيل الهمجي ( الإبادة الجماعية ) ، أكسبت فرنسا جولة . ولكن الحرب لم تنته ، لأن هذه الأرض لها أهلها . وهم ما ماتوا أو اندثروا ، حتى يرثهم الغزاة ، وكذلك الأمر مع الفلسطينيين اليوم . والخطأ القاتل الذي ارتكبه الصهاينة ، كما الفرنسيون من قبلهم . أنهم أقاموا مشروعهم الاستعماري ، فوق أرض لها أهلها وأصحابها . ولا علاقة لها ببقية المستعمرات الأخرى ، التي كانت خالية من السكان ، أو شبه خالية فنجحت مشاريعهم . وكما أنهى الجزائريون ، حلم فرنسا وكابوسهم في الجزائر . وهزموا أعتى مجرمي حربها ، كلاكوست وبيجار وديغول . فكذلك سيفعل الشعب ، الفلسطيني شعب الجبارين . وعليه متى يفهم الكيان الصهيوني ، بأن الأمر الواقع المستند إلى القوة . لهو اغتصاب ، وما كان حقا مشروعا . ذلك أنه وكما قيل ، فالحق الذي يزول بزوال القوة ليس حقا . وإنما هو مجرد عدوان واعتداء ، ويوما ما لا محالة سيرحل ، متى فقد القوة التي يستند عليها . إن القوة وحدها لا تكفي لصناعة الحق ، ترى أين هي روما التي حكمت ، في يوم ما نصف سكان العالم ؟ . وأين هي بريطانيا الإمبراطورية ، التي كانت لا تغرب عنها الشمس . ؟
إن رهان الصهاينة على الاستخدام المفرط للقوة ، لفرض الأمر الواقع وتركيع الفلسطينيين . قد أثبتت الأيام عدم جدواه ، ذلك أنه كلما استخدم اليهود القوة الغاشمة ، وكلما أوغلوا في سياسة التقتيل والدماء الفلسطينية ، وكلما أثخنوا في الجسد الفلسطيني . كلما ازداد الفلسطينيون ، اقتناعا باستحالة التعايش مع الكيان الغاصب ، على أرض فلسطين . لأنه كيان احلالي ، الفلسطيني الجيد في نظره ، هو الفلسطيني الميت . كما كان الحال مع المستعمرين الفرنسيين في الجزائر ، والأمريكيين البيض مع الهنود الحمر . ولذلك فلا غاية له سوى إبادة الفلسطينيين ، حتى يطمئن على حيازة فلسطين . إلى الأبد ولكن أمر إبادتهم مستحيل ، كما كان الحال مع الجزائريين من قبلهم .
علما بأن سياسة التقتيل الصهيونية ، هي عين ما حدث في الجزائر المستعمرة الفرنسية، ما بين 1830 و 1962 . ففرنسا هي الأخرى ، وفي غفلة من التاريخ ، كان اجرامها مضاعفا لما نراه اليوم في فلسطين . فيومها لم تكن هناك لا صحافة ، ولا كاميرات تصور ولا منظمات دولية تراقب . وإن ضرب الصهاينة ، بكل ما سبق ذكره عرض الحائط ، فهذا ما سوف يعجل بنهاية كيانهم . خاصة في ظل فشل كل مشاريع ، ومحاولات التسوية منذ العام 1948 وإلى اليوم . وهو عين ما حدث في الجزائر ، ففيها فشلت كل المشاريع السياسية ، التي طرحها المستعمر . ليضمن بقاء أسطورة الجزائر الفرنسية ، كإصلاحات 1919 واصلاحات سوستال ولاكوست ، أو مشروع بلوم فيوليت وسلم الأبطال . وهو عين ما يحدث في فلسطين اليوم ، وفي هذا خيرها ، لأنه يؤكد مقولة ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، التي أثبت التاريخ صحتها . وهذا ما سيجعل الفلسطينيين ، يتبنون خيار الكفاح المسلح . كإخوانهم الجزائريين من قبلهم ، وهو الرهان الوحيد والخيار الأسلم ، لاسترداد فلسطين كل فلسطين من البحر إلى النهر .
علما بأن الجزائريين لم يضعوا السلاح ، من 1830 وإلى غاية 1962 . وكانت استجابتهم في مستوى التحدي ، الذي فُرض عليهم وهدد وجودهم . بعد أن غيب بالقوة ، دولتهم ولو إلى حين . وكذلك الفلسطينيون إننا نراهم اليوم ، يواجهون التحدي الذي فرضته عليهم ، العصابات الصهيونية بإيجابية . وهي إيجابية تثير الرعب في نفوس ، الصهاينة وحماتهم والمنافحين ، عن مشروعهم والمتعاطفين معهم ، والاعجاب والفخر في نفوس أحرار العالم . يحدث هذا في ظل الفارق الرهيب ، في ميزان القوة لصالح الغزاة . وهو فارق سيتحطم على صخرة العزيمة الفولاذية ، للشعب الفلسطيني التي لا تلين ولا تنحني . وعلى صخرة إصراره على استعادة ، كل شبر من فلسطين السليبة ، وإنهاء الكابوس الصهيوني . وتكذيب الادعاء الزائف ، القائل بأن فلسطين ، وطن اليهود القومي وأندلس ثانية . كما كذبت المقاومة الجزائرية الباسلة ، قبلها مقولة الجزائر المقاطعة ، الفرنسية وطن الكولون .
وعليه فمن يرصد ويتابع ، التجربة النضالية الفلسطينية ، يراها شبه متطابقة مع أختها الجزائرية قبلها . ولهذا فإن زوال الكيان الصهيوني ، ما هو إلا مسألة وقت ، فمصيره الحتمي هو نفس مصير أكذوبة الجزائر الفرنسية . ولهذا فإنه يتوجب على الفلسطينيين الأحرار ، أن لا ييأسوا أو أن يضعوا أسلحتهم . وعليهم أن يستنزفوا قوة العدو ، وأن يؤكدوا له بأن وجوده في فلسطين ، مجرد وجود عابر مثله مثل وجود كل الغزاة الذين سبقوه . وأن تل أبيب ستسقط كما سقطت ، قلعة مسعدة ( ماسادا ) من قبلها . كما يتوجب عليهم أن لا يعترفوا به ، هما كان حجم الاغراءات المقدمة أو الضغوطات الممارسة عليهم ، لإجبارهم على الاعتراف بالكيان الغاصب . وعليهم أن يقاوموا بكل الأسلحة المتاحة ، حتى لو اضطروا لافتكاك السلاح من يد الغزاة ، كما فعل الجزائريون من قبلهم . وأن يكون كل من إبراهيم النابلسي وعدى التميمي ، والشيخ ياسين وعز الدين القسام نموذجا يحتذى به .
وهذا النوع من المقاومة الفردية ، ( إبراهيم النابلسي نموذجا ) ، عرفته الجزائر المحتلة . وهو من كان يُذكر الغزاة الفرنسيين ، بأن وجودهم في الجزائر غير مرحب به ، وأنهم راحلون عنها طال الزمن أو قصر . وإن بقوا فيها كالرومان أكثر من ثلاثة قرون ، وكذلك الأمر مع الغزاة الصهاينة . وهذا النوع من المقاومة ، ضرب الأسس والخرافات ، التي بنيت عليها الجزائر الفرنسية في مقتل . وكذلك تفعل المقاومة الفلسطينية اليوم ، فهي تعمل ببطء ولكن بفعالية . على تفكيك مختلف الزيوف ، التي بني عليها الكيان الغاصب ، ومعها تفكيك الكيان ذاته . إن هذه المقاومة قد أكدت بالدليل القاطع ، حتى لمنظري الصهيونية . بأن فلسطين التاريخية ، ما كانت ولن تكون وطنا قوميا للصهاينة . ولا هي الأرض التي تفيض لبنا وعسلا ، وإنما هي مقبرة لمشروعهم الاستعماري . وهذا ما يخبرنا به ويؤكده التاريخ الفلسطيني ، الضارب في أعماق التاريخ مع كل محتل جاءها غازيا . وما تؤكده تجربة النضال الجزائري ، التي لا تزال تؤكد للفلسطينيين ، بأن طرد الغزاة طريقه الأوحد والوحيد هو الكفاح المسلح . ولينعتهم العدو بما شاء ، فكذلك فعل الفرنسيون مع الجزائرييين . ولعل أهون ما وصفوهم به ، نعت الإرهابيين والقتلة . وها هم اليوم أبطال في نظر كل العالم ، وعاصمتهم قبلة لأحرار العالم ، وكذلك سيكون الحال مع الفلسطينيين والقدس . وكم من أحرار الجزائر ، من نعتته فرنسا بالخارج عن القانون و ( المنافڤي ) ، أي الإرهابي الخائن بتعبير اليوم . وعلى رأسهم مسعود بن أزلماط بمنطقة الأوراس ، علما بأن الجزائر عرفت ، مئات الآلاف من إخوان أزلماط . ولولا الخوف من الإطناب ، لذكرنا أخبار الكثير منهم . وهو نفس الأسلوب الذي نراه في فلسطين اليوم ، مع فارق بسيط هو أن الفدائيين في الجزائر ما قبل الثورة . كانوا يتخذون من الجبال قلاعا لهم ، أما المقاومين الفلسطينيين فيتخذون من البلدان القديمة عرينا لهم . للاختلاف الجوهري في طبيعة التضاريس ، في كل من فلسطين والجزائر .
وهذا الأسلوب وكما خلخل ، المشروع الاستيطاني الفرنسي في الجزائر . ومهد للثورة التحريرية الكبرى ، بمحافظته على جذوة المقاومة مشتعلة ، فكذلك تفعل المقاومة الفلسطينية اليوم . التي تتخذ من البلدات القديمة ، كما هو الحال في نابلس ، أو من المخيمات منطلقا لها . وكما هدّت المقاومة الجزائرية ، الفردية والجماعية . المشروع الفرنسي من أسسه ، فكذلك تفعل أختها الفلسطينية . صحيح أن النتائج لا ترى على المنظور القريب ، ولكنها على المدى البعيد ، ستقوض المشروع الصهيوني .
فها هم نخبة الجيش الصهيوني ، نراهم يفرون من حجارة ، المقاومين الفلسطينيين ، مثل الجرذان المذعورة . ويهرولون يعانقهم الرعب ، ليحتموا بمدرعاتهم ومجنزراتهم ، تلك التي من دونها هم لا شيء ، أو هم والعدم سواء . كفي بأن روحهم المعنوية أصيبت في مقتل ، وانهزموا نفسيا . وعندما يجد الجد ويتحدث الرصاص ، فهم حتما سيسلمون أسلحتهم طلبا للسلامة والنجاة . فهم لا يساوون شيئا في سوق الرجال ، فما بالك بساحات القتال والنزال . أما ما يسمى زورا بإسرائيل ، فسيتركونها لمن غرر بهم ، وأتى به إلى أرض الجبارين .
وها هي المقاومة قد أقنعتهم ، بأن لا ملجأ لهم في فلسطين ، مع أن الفارق في القوة يقاس بالسنوات الضوئية . وها هم يتزاحمون أمام أبواب السفارات الأجنبية ، طمعا في اكتساب جنسية ثانية تكون طوق نجاتهم . وبها يضمنون أوطانا جديدة ، في أوروبا وأمريكا وأستراليا . ويكفي المقاومة فخرا ، بأن الهجرة اليهودية العكسية ، قد بدأت حتى وإن كانت لا تزال محتشمة . فضربات المقاومة ، ستسرع حتما وتيرتها . وهذه المرة لن يلقيهم العرب في البحر ، بل هم من سيركبونه . بعد أن اكتشفوا زيف المشروع الصهيوني ، الذي جعل منهم مجرد وقود لأوهام رواده . ويكفي المقاومة فخرا ، بأن قرابة المليون مُعْـتَدٍ . يفكرون في ترك سفينة الغزاة ، التي بدأت تباشير غرقها يلوح في الأفق . وأنهم بدؤوا يحزمون أمتعتهم ، تمهيدا لرحلة بلا عودة ، بعد أن أقْبِر الحلم الصهيوني .
إن المقاومة الفلسطينية ، كأختها الجزائرية . بدأت تقطف ثمار كفاحها ، وما ذهبت دماء الشهداء هدرا . وإن كان البعض يصف المقاومين ، بالمتهورين والمجانين ، الذين سيلقون بالشعب الفلسطيني إلى التهلكة . فكذلك قالها من قبلهم المنخرطون ، في المشروع الاستعماري الفرنسي في الجزائر . أما قيل عن العربي بن مهيدي ، ورفاقه في السلاح بأنهم مجانين . أما سخروا منهم ، تحت حجة أنه من المحال هزم فرنسا وحلفائها . وهي نفس الحجة نجدها ، عند المنهزمين أمام المشروع الصهيوني . فحسب اعتقادهم يستحيل ، على الفلسطينيين ، هزم الصهيونية وحفائها . ولكن من كان يتصور هزيمة روما وبيزنطة ، ولكن التاريخ قال كلمته ، وكذلك الحال مع الكيان الغاصب . وكما هزمت المقاومة الجزائرية ، المتسلحة بقوة سلاح الحق الذي لا يهزم . فرنسا الاستعمارية المتسلحة ، بقوة الباطل والإفك ، فكذلك ستفعل أختها الفلسطينية .
إن سياسة جزّ العشب لن تفيد العدو في شيء ، فها هي فرنسا الاستعمارية . في كل مرحلة من تاريخ وجودها في الجزائر ، تقضي على الزعامات الجزائرية . زعامات سرعان ما تتجدد ، بظهور زعامات جديدة . فبعد قضائها على زعماء المقاومة الرسمية والشعبية ، ظهرت زعامات جديدة متمثلة في الشيح بوزيان والمقراني ، على سبيل التمثيل لا الحصر . وبعد تمكن المحتل الفرنسي ، من القضاء على هذه الزعامات . خلفتها زعامات جديدة متمثلة ، في كل من عبد الحليم بن سماية ، والأمير خالد والشيخ الونيسي . وهم بدورهم سيسلمون المشعل ، إلى عباس فرحات والشيخ ابن باديس ومصالي الحاج . ومنهم سيتسلمه الشباب الثوري ، الذي أكمل المهمة وعلى يديه تحقق حلمهم جميعا . والمتمثل في استعادة الجزائر ، من الغزاة المحتلين وطردهم ، وهذا ما نراه يحدث في فلسطين .
ولا يهمنا في شيء ، ذلك التطبيع المتعدد الأوجه . والتغنّى بالمحتل حتى وصل الحال ، بالبعض إلى تمجيده والتغزل به ، فيما يسطِّـرون من أباطيل وزيوف . فهذا كله عرفته الجزائر المحتلة ، ومعها كل المستعمرات . ولقد أخبرنا بذلك المفكر الكبير ، مالك بن نبي ولكنه يبقى أدبا مغشوشا ، لا يعبر عن روح ووجدان الأمة والشعب ، وحقيقة موقفها من المحتل . لأنه مجرد ظواهر صوتية وفقاعات ، سرعان ما تذهب أدراج الرياح . كما أخبرتنا عنه دراسة للدكتور عبد الله حمادي ، وفيها ذكر بأن سيل ذلك الأدب المزيف لم ينقطع ، حتى أثناء الثورة التحريرية الكبرى . فهو يصادفنا في تلك الجرائد والإذاعات ، المتحدثة باسم المحتل الفرنسي . ولكنه لم ينفعه في شيء ، ولم يستطع بواسطته تثبيت وجوده في التربة الجزائرية ، ولا خلق رأى عام جزائري يكون حاضنته التي تضمن استمرار وجوده . فكانت الثورة الجزائرية ، بمثابة الإعصار الذي جعل سلطتها ، على الجزائر والجزائريين هباء منثورا . وهو من راهن عليه ( الأدب المغشوش ) لخلق ، جيل وقوة ثالثة ، يحكم بهما الجزائر التي أدارت ظهرها للمشروع الاستعماري ، ويرجع بهما الزمن إلى ما قبل 1919 . ولم يبق الأمر عند هؤلاء المثقفين المزيفين ، بل تعداه بل تعداه حتى للطبقات الدنيا . التي أغدقت هي الأخرى وكما يقال عسل الكلام ، على المحتل قدر ما استطاعت . لنيل رضاه وتحصيل المغانم والمكاسب ، حتى أنها كانت تصف ، فرنسا الاستعمارية بالأم الحنونة على الجزائريين ! ؟ . وصدعت حناجرها بهذا الزيف ، في الأسواق والتجمعات الشعبية ك ( الّزرد ) . تملقا للمستعمر علها تنال ، بعض ما يتساقط من فتات موائده المسمومة . وطواها هي الأخرى الكفاح الجزائري ، كما تطوى الرمال زبد البحر . ولذلك فإنه لا يمكن للمحتل الصهيوني ، التعويل كثيرا على المطبعين ، مهما كانت مجالات هذا التطبيع . أو مستوى الخيانة التي انخرط فيها بعض القادة العرب ، ومعهم بعض فئات وشرائح شعوبهم .
وها نحن وبعد ستين عاما من استقلال الجزائر ، فإن البعض لا يزال في محاولة بائسة ويائسة . التسويق زورا وكذبا ، عبر مختلف عمليات التزوير والتدليس ، والتلفيق والتجني على الحقيقة ، للوجه الإنساني الزائف للمحتل الفرنسي . وكما فشل أجدادهم أيام الحقبة الاستعمارية ، وكشفت شمس الثورة حقيقة وجهه القبيح . فكذلك تفعل اليوم المقاومة الفلسطينية ، مع العدو الصهيوني الغاصب . ولن تفيده في شيء كل مساحيق ، العملاء والخونة ، ولن تُجَمّل وجهه القبيح ، أو تجعله فردا من العائلة .
صحيح أن هذه الخيانة قد ضمنت ، للمحتل الفرنسي البقاء في الجزائر أمدا قصيرا . ولكنها لم تضمن له ، البقاء فيها إلى الأبد . وكذلك الحال مع كيان الصهاينة وعملائه ، فالخيانة والعمالة للمحتل الفرنسي . بدأت منذ أن وطأت ، أقدامه الأراضي الجزائرية . حتى أننا نجد بأن الكثير من الجزائريين ، قد عرضوا عليه خدماتهم ، وبعثوا له الوفود والرسل ليقبل عمالتهم . وعلى رأس هؤلاء كان الباشآغا بن ڤانة ، الذي ساهم مساهمة فعالة . في القضاء على مقاومة الزعاطشة ، والتنكيل بقادتها تقربا للمستعمر . ومنهم من وقف في وجه المقاومة الوطنية ، وكان سببا في انهزامها لصالح المحتل . وقام بتصفية رموزها لصالح الغزاة ، كما هو الحال مع الڤائد لخضر بن أحمد المقراني . في منطقة القبائل هذا الذي قتل الشريف بوبغلة . ونفس الأمر يتكرر في أية بقعة من الجزائر ، تطأها أقدام الغزاة الهمجية . والأمر ذاته نجده في القرن 16 ، يوم قام الإسبان بغزو السواحل الجزائرية ، ولن نتوسع في هذا الموضوع تفاديا للإطناب .
وهو عين ما نصادفه ، أينما حل الغزاة . كما هو الحال مع العميل ، دييم في الفيتنام الجنوبي . أو مع عملاء النازية ، في فرنسا خلال ح ع 2 . وكل هؤلاء لم يفيدوا المحتل في شيء ، بل ها هي اللعنة تطاردهم في قبورهم إلى يوم الناس . ومعهم فرق الحركى من الجزائريين ، الذين وقفوا إلى جانب مغتصب أرضهم وجلاد شعبهم . إن هذا لهو قانون تاريخي ، لا مكان في صفحاته ، لا للمحتل ولا لأذنابه .
ولئن كانت الآلة الدعائية الصهيونية ، صوتها اليوم عاليا ، إلى درجة تغييب الحقيقة ، والسعي الحثيث لوأدها ، واغتيالها وتجريم أصحابها . ورغم هذا فإننا نجد التاريخ ، دوما يصحح مساره . فها هم إسبان اليوم يستحون ، ويتوارون خجلا من محاكم التفتيش ، عار أجدادهم وعار إسبانيا . ويتبرؤون منها ومن تاريخ بلادهم الأسود ، ونراهم في كتاباتهم ينصفون الموريسكيين ، خاصة والأندلسيين عامة . ويفضحون حجم الظلم الذي لحقهم ، من قبل الغزاة الصليبيين القادمين من الشمال . وهو عين ما يفعله بعض اليهود اليوم ، ممن يفضحون جرائم الصهيونية ، في حق الفلسطينيين . ويساهمون مع شرفاء العالم في تسريع وتيرة ، تفكيك هذا الكيان المعادي للإنسانية جمعاء ، والمضاد للطبيعة والفطرة البشرية . ولذلك لا يمكن للصهاينة ، أن يعولوا كثيرا على هؤلاء العملاء . فمصيرهم كمصير من سبقوهم في الجزائر ، يوم كانت مستعمرة فرنسية . وها هو التاريخ يحاكمهم بقسوة ، ويجردهم من كل معاني الشرف والكرامة . وكذلك الأمر مع العملاء العرب والفلسطينيين ، ممن يقضون الليل والنهار يحرسون أسيادهم الصهاينة ، وكيانهم المزيف .
أمّا مقولة بعض المطبعين العرب ، ممن ادعوا بأنهم طبعوا حماية للشعب الفلسطيني . وليوقفوا آلة التقتيل الصهيونية الهمجية ، في حق الشعب الفلسطيني الأعزل . فهذا كلام مردود ، على أصحابه جملة وتفصيلا . ذلك أن التاريخ يخبرنا ، بأن الحقوق تفتك من العدو ، بالقوة في ساحة النزال . وما من عدو أعاد ، المظالم لأصحابها هدية ومنة منه . وكلامهم السابق ، لهو فضيحة وعار ومسبة . ويدل على أنفس حقيرة وسفيهة وعديمة الشرف ، وكيف لا وأصحابها انبطحوا لجلادهم . كما تفضح مدى جبن وحمق وجهل ، وتفاهة وضحالة بضاعة أصحابها . كما أن صاحب هذه السردية ، ممن ارتضى بالدنية . لهو إنسان جاهل ، فكيف غاب عنه . بأن العدو الصهيوني ، كغيره من الغزاة المتغطرسين ، لا يفهم إلا لغة القوة . ومن أراد إيقاف إجرام الصهاينة ، في حق الفلسطينيين . فما عليه سوى ارتداء كفنه ، ومعانقة البندقية . هنا فقط سيردع هذا المحتل ، الغاصب والمتجبر والمتغطرس .
كما أن صاحب هذه السردية ، جاهل بأحداث التاريخ . فها هي الدولة العثمانية تعترف وتقر ، ومعها كل البلدان العربية والإسلامية ، الموجودة يومئذ باحتلال فرنسا للجزائر . فهل هذا الاعتراف أرجع ، ولو للتافه من حقوق الجزائريين المسلوبة ؟ . أم أنه جعل الغزاة يتمادون في بطشهم ، وتنكيلهم وتقتيلهم للجزائريين ، طوال ذلك الليل الاستعماري الطويل . كلا إن العكس هو ما حدث ، فقد استفردت فرنسا الاستعمارية . المتكئة والمستندة على جبروت ، آلتها العسكرية بنت الثورة الصناعية . آلة عسكرية متوحشة ، سخرتها للتنكيل بالجزائريين . الذين لم يجدوا سوى الحجارة والعصى ، للدفاع عن أرواحهم وأعراضهم ، وأموالهم وبلادهم المسلوبة .
وخلت الساحة لفرنسا حتى أن ضباطها ، أصبحوا يتفننون في المجازر ، ويقيمون المحارق للجزائريين . إذا ما الضجر ، والملل عانقا يومياتهم . فهل هذا الاعتراف أوقف ، عمليات تقتيل الجزائريين ؟ . كلا وألف كلا لقد كادت فرنسا الاستعمارية ، أن تفنى الجزائريين . وما صدها وحال دون تنفيذ هذه الجريمة ، سوى المقاومة الجزائرية الباسلة . فهي من أرغمتها على تعديل ، سياستها في كل مستعمراتها . فحولت أسلوبها من الاستعمار الاستيطاني المباشر ، إلى أسلوب الحماية والانتداب وغيرهما . بعد أن كادت المقاومة الجزائرية ، أن تفشل مشروعها في الجزائر ، وفي عموم إفريقيا . فمتى يفهم عملاء الصهاينة وأذنابها ساسة كانوا أو مثقفين أو عوام . بأن ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة ، مقولة صدّقها التاريخ ، وكذّب ما دونها من مقولات زائفة .
وما تجبر الصهاينة بفلسطين المحتلة ، إلا نتيجة جبن المطبعين ، واعترافهم المخزي بالكيان الصهيوني . هذا الذي نراه يمد في رجليه ، قدر ما يستطيع . طالما أن الساحة خلت له ، وآمن جانب من جلدهم ولا يزال يجلدهم . ومن اتخذهم أعداء ، ولا يزالون كذلك في نظره ، حتى وإن لعقوا أحذيته ، أو استباح حرمة بناتهم ونسائهم . وها هو هذا الكيان يرتدى زورا ، رداء الفارس الهمام . والمقاتل المغوار والبطل ، الذي لا يشق له غبار وادعى أنه من الكبار . مستغلا جبن وانبطاح بعض العرب ، وهرولتهم أفرادا وجماعات ، صوب بيت الطاعة ، وتقديم فروض الخنوع والولاء للعدو . تماما كما شجع اعتراف البعض ، بالاستعمار الفرنسي في الجزائر . على تماديه في جرائمه المرتكبة ، في حق الشعب الجزائري . حتى أننا في كل يوم وساعة وثانية ، من عمر ليله البغيض في الجزائر تصادفنا ألف وألف جريمة ، ومجزرة ومحرقة . حتى أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ، أقر بصعوبة الاعتراف بجرائم بلاده في الجزائر . لأنه سيتحتم عليه في كل ، يوم وساعة ودقيقة وثانية ، تقديم اعتراف بجريمة ما ، ارتكبتها دولته في حق الجزائريين . جرائم نستطيع عد نجوم السماء ، ولكننا لا نستطيع عدها . تلك الجرائم التي دونها التاريخ ، ويبقى شاهدا عليها ليوم الدين . وهي من كانت سببا ، في خروجه المذل من الجزائر . وكذلك سيكون الحال ، مع الصهاينة الغزاة . وإن كنا لا نشك في استقلال فلسطين القادم كحتمية تاريخية ، إلا أنه يحز في النفس أن جيلنا . لن يرى فلسطين الحرة المستقلة ، أو أن يعايش يوم استقلالها ، وكسر قيودها ورحيل العصابات الصهيونية عنها .
عذراً التعليقات مغلقة