الدكتور محمد عياش
– كاتب وباحث سياسي
تغلب على المحاولات المتكررة لما يسمى المصالحة بين الفصائل الفلسطينية ، العاطفة الجياشة ، التي وعلى ما أعتقد ويعتقد الجميع لن تفيد في عالم السياسة ، أي ، العاطفة ، فلو كان هناك نيات صادقة لإنهاء الانقسام بالمطلق لأعلن كل فصيل قبل تلبية الدعوة من الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عن مبادرة جذرية تنهي هذه الحالة المخزية التي وصلت إليها القضية .. لكن كما يقول المثل البريطاني الشهير ، عند النيات الطيبة تولد النيات الخبيثة .
وقع أكثر من أربعة عشر فصيلا ً فلسطينيا ً يوم الخميس أكتوبر / تشرين الأول 13 / 10 / 2022 في العاصمة الجزائرية / الجزائر ، على وثيقة «اتفاق الجزائر» وإصرار الرئيس تبون على توقيعها بقصر الصنوبر الذي أعلن فيه الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إعلان الدولة الفلسطينية 1988م وعاصمتها القدس الشريف .
لو كنت إنسانا بعيد كل البعد ، وقليل المعرفة عن القضية الفلسطينية ورأيت الصور التي جمعت بين الرئيس تبون وممثلي الفصائل ، سيتبادر إلى ذهني أن هذا الاجتماع له وجه اقتصادي بالدرجة الأولى ، أو اجتماع رؤساء البنوك ، لأنها تحولت للأسف لتأثير التجاذبات وتقاطعات المصالح الدولية ، وغياب الهيئة العسكرية لتتناسب وحساسية القضية التي تنحسر شيئا ً فشيئا ً مع ظهور أحداث خطيرة على الأرض كالحرب الروسية – الأوكرانية ، والأمراض التي تفتك بالبشر ناهيك عن الاحتباس الحراري وخلاف الدول الصناعية الكبرى .
مخرجات وتوصيات اتفاق الجزائر لم تأت بجديد ، لأنها تكرس الهيمنة المطلقة لحركة فتح على مؤسسات منظمة التحرير ، وترفض رفضا ً قاطعا ً المساس في تطويرها أو إعادة هيكليتها ، وبالتالي فإذا طرأ أي جديد أو أي التزام فذلك يقع على حركة حماس من إنهاء هيمنتها على قطاع غزة الذي تتحمل وزر الحصار حسب زعم حركة فتح ، وإخضاعها لما تراه مناسبا ً المنظمة .
إن الدعوة لإجراء انتخابات المجلس الوطني داخل وخارج فلسطين ، تعتبر المحك الرئيس لتجاوب الفصائل لعملية المصالحة ، إذ يعتبر المجلس الوطني الفلسطيني الواجهة لمنظمة التحرير ، ومن خلال إعادته يعد ورقة ضرورية لإبقاء القيادة والريادة لحركة فتح صاحبة الشأن بذلك .
نأمل كما يأمل الرئيس تبون ، إنهاء الخلافات والاختلافات ، ووضع القضية الفلسطينية على السكة الصحيحة ، وانطلاقها بخطوات واثقة ، وتصويب البوصلة نحو الهدف الرئيس قيام دولة فلسطين على الأراضي الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف ، لن يتم ذلك إلا عبر توحيد الجهود والصفوف وتكاتف الأخوة للتخلص من ربقة الاحتلال الصهيوني البغيض ، واحترام كل فصيل لبرنامج الفصيل الآخر .
ندرك أن الفصائل الفلسطينية عندما تتلقى دعوة من أي دولة عربية أو غير عربية ، بخصوص ملف المصالحة ، فإنها لا ترفض ذلك عسى ولعل أن تكون هذه المرة أي الدعوة تكون مميزة عن سابقاتها ، وتخرج بمقررات جدية وملموسة ، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح ، لماذا لا تتفق الفصائل الفلسطينية ؟ .
الجواب على هذا السؤال الذي يتطلب التعجب والاستفهام وربما الاعتراض ، مع العلم بأن قضية فلسطين يُجمع غالبية الكرة الأرضية على عدالتها ، إلا وكما قلنا أنها تتميز بالعاطفة ، والعاطفة لا مكان لها في السياسة ، فالولايات المتحدة الأمريكية تضع فيتو على المصالحة الفلسطينية ومن وراءها إسرائيل ، وهذا الفيتو له آليات ، ومن آلياته ، تعدد الدول التي تتدخل بالشؤون الداخلية للقضية الفلسطينية من حيث الدعم المعنوي والمادي ، وحسابات المجتمع الدولي ، لاسيما فيما يخص اليمين الفلسطيني المرفوض ، واليسار الذي وجُد فقط لمناهضة اليمين ، وهنا كلمة السر في إبقاء الوضع على ما هو للأسف .
نشكر الجزائر شعبا ً وقيادة ً على جهودها المبذولة ، وتمنياتها بإحداث القفزة التاريخية ، وإغلاق الباب نهائيا لملف المصالحة . أما المصالحة أعتقد بأنها بعيدة كل البعد عن تحقيقها بالوقت الراهن ، لأنها وفي نظري تتطلب برامج وخطط محكمة ، بالإضافة إلى قناعة داخل البيت الفلسطيني بضرورة إدماج الفصائل مع بعضها البعض باعتبار الهدف مشترك ، والمكاشفة الحقيقية فيما بينهم بخصوص طريقة وكيفية تحرير فلسطين واستثمار الوقت والمال في سبيلها .
عذراً التعليقات مغلقة