الدكتور محمد عياش
– كاتب وباحث سياسي
“ظاهرة” أخذ زمام المبادرة الفردية ، التي ظهرت في الفترة الأخيرة في الأراضي المحتلة على عاتق عنصر الشباب المتعلم ، والمثقف والواقف على آخر التطورات التقنية والتكنولوجيا التي تخبرك في كل لحظة بجديدها وابتكاراتها .. والتي وحدها كافية لإشغال هذه العناصر الشابة عن القضايا المفصلية ومقارعة الاحتلال الصهيوني – إلا في فلسطين – الاستثناء له كلمة الفصل .
شباب بعمر الورود تتسابق للشهادة في سبيل الوطن ، تعشقها عشقا ً كعشق الأرض للماء في عز الصيف ، يحملون هم الوطن والأمة العربية والإسلامية على أكتافهم ، لتلقين العدو الصهيوني الذي يتزود بأسباب القوة والاستقواء درسا ً من دروس الشهادة والتضحية في سبيل الأجيال القادمة وتأمين الحياة الكريمة لهم بعيدا ً عن المهانة والجرائم التي ترتكب بحقهم مع كل صباح .
رسالة الشهيد عدي التميمي ، بطل شعفاط ، التي خطها بنفسه في 11 / 10 / 2022 ، تبعث على الأمل في مستقبل القضية الفلسطينية العادلة ، وتأكيده على أنه سينال الشهادة عاجلا ً أم آجلا ً ، وتذكيره للشباب الفلسطيني من بعده أن عمليته الأولى ستكون نقطة في بحر هادر ، محرضا ً على الاقتداء به ، وما يثير الإعجاب ، أنه أطلق النار على الجنود من مسافة صفر وهدوء وسكينة غير مسبوقة لتدخل بعدها الآلة العسكرية المدججة بأعتى صنوف السلاح في حيص وبيص ، وتبدأ المطاردة والاستنفار العام وحالة الخوف التي بدت على ضباطهم قبل جنودهم ، والتعليمات الصادرة من أعلى القيادة بالبحث المضني عن الشهيد التميمي ، ومؤازرة الشباب بابتكار فكرة حلق الرؤوس للتعمية والتمويه وضياع المحتل ، كل هذا صدقا ً ما يجعل المرء يشعر بقرب الخلاص من الكيان الصهيوني .
ذاق شعبنا الفلسطيني منذ احتلال أرضه ذرعا ً من الاحتلال البغيض وركب الموت في سبيل الحياة ، وسطر تاريخ الصراع أروع البطولات ، حيث تمرس وامتهن ، واجترح وابتكر طرق لا تخطر على بال ، ومرونة وملائمة وانسجام مع كل الظروف القاسية ، وفي ظل الدعم الغربي المطلق بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وقراراتها المجحفة بحق أهلنا في فلسطين ، يستمر في الجديد ضاربا ً كل سياسة الصلف والغطرسة وراء ظهره ، معتمدا ً على الله وعلى إمكانياته ليفاجأ عدوه ويحرمه من الراحة ، جاعلا ً منه لصا ً سارق مارق متأهبا ً في حماية ما سرق ونهب .
يعتبر الشهيد التميمي من الجيل الثالث ، الجيل الذي لم يعايش مرارة الاحتلال منذ البداية ، والتي راهنت غولدمائير على أن الأجيال القادمة سوف تنسى القضية وبالتالي من السهل على الاحتلال فرض السيطرة والهيمنة على كامل التراب الفلسطيني ، ويكون احتلالا ً باردا ً بصبغة اقتصادية بعد إغراق الوطن بالمشاريع الاقتصادية والتي من خلالها تتأقلم الأجيال مع الواقع ، وإبعادها عن العنف الذي وحسب زعمهم لا يغني ولا يسمن من جوع .
كل شاب أو شابة هو الشهيد عدي التميمي ، وهو الذي أشار بنفسه إلى هذا الجيل ، وهو متأكد أنه قرأ المزاج العام وعايشه ورفاقه ومدرك وعنده اليقين بأن هؤلاء من الشباب والشابات لديهم الاستعداد لابتكار الطرق والمحاولات لتوجيه الضربات لهذا الكيان الذي يحاول أن يثبت نفسه على أرض غريبة عنه وعن أجداده ، هذا الهدوء وهذا التصميم الذي بدا على الشهيد التميمي ، هو الرأي العام الفلسطيني ، أعتقد كل الاعتقاد أن هذه العمليات ستكون أكثر وقعا ً على الاحتلال ، لأنها تنفذ ببرودة أعصاب وهدوء وتخطيط وتنفيذ ، وعلم النفس أدرى بهذه الحالة وتشخيصها ، سواء ً من حيث النتائج أو الاستمرار على نفس الوتيرة من العمليات المزلزلة .
الشعب الفلسطيني ليس سمك سلمون يذهب للموت من أجل الموت ، بل يعشق الحياة بكرامة وعزة نفس ، عندما ينظر الشباب إلى العالم ويقرأ القوانين عن حقوق الإنسان ، والديمقراطية المتبعة في معظم البلدان ، والرفاهية والمنافسة في المحافل الدولية ، كل هذه الصور ، يصطدم بها مع كل حاجز أمني للقوات الصهيونية التي تنغص عليه الحياة ، مع استمرار الحصار الجائر على قطاع غزة ، ومع نجاح الاحتلال بتذكية الخلافات بين الفصائل الفلسطينية ، لا بد من كلمة فصل ، وهذه الكلمة انطلقت بعزيمة الشباب ، وقادم الأيام تحمل البشرى بالنصر .
عذراً التعليقات مغلقة