هشام استيتو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
للعدالة جناحان لا يمكن أن تحلق دون إحداهما، وواهم من يعتقد أن جناح المحاماة ترف زائد، وهو الجناح الذي حقق التوازن باستمرار، وأبدع في تجويد التراث القانوني ومنح الروح للنصوص الرتيبة التي لم تكن لتفعل دون مساهمتها في تسليط الضوء على نص مغمور وتشريع مهجور.إن المحامي كان باستمرار طليعة المجتمع في النضال ضد الاستبداد وكرامة الشعوب والذود عن مقدراتها والدفاع عن السيادة الوطنية، في تشبثه المستميت بالحق كمعطى كوني طبيعي غير قابل للتصرف، لذلك نجد حتى في الأنظمة الأكثر استبدادية وجود خطوط حمراء لا يستطيع صناع القرار فيها تجاوزها لارتباطها بالمحاماة ولعلمهم اليقيني بأنها خطوط حارقة لا يمكن المغامرة ولو بالتفكير في الاقتراب منها.
هل يمكن أن نشطب جهاز القادة بالقوة من الخارطة المجتمعية لأسباب غامضة؟المغرب البلد الذي تتربص به الدوائر، منذ فشل الأعداء في رهانهم على انهياره من الداخل قبل العقد الاخير من القرن الماضي، وبتصاعد وتيرة المكائد المدبرة له من جواره المعادي هو الآن في أمس الحاجة لتجنيد داخلي لمختلف قواه الحيّة في وجه ما يُحاك ضده.
والمحامي هو مناضل عضوي بطبيعته نجده يستشهد في معارك الكرامة ضد الاستعمار في العراق وسوريا ومصر والمغرب ولبنان وفلسطين، ونجده يقدم سنوات عمره في سجون الاضطهاد في مختلف المناطق وهو في ذلك يجسد أروع الملاحم التي خلدها التاريخ ويعد بتقديم الكثير في المستقبل.في عالمنا العربي تفاوتت وضعية المحاماة من دولة إلى أخرى وتأثرت بسياقات اجتماعية وثقافية واقتصادية لكن ما كان جامعا هو المسافة التي وضعتها السلطة السياسية من مهنة المحاماة حفاظا على حدود معينة من التوافقات من أجل استمرار فعالية مرفق العدل من جهة وللحفاظ على الاحتياط الاستراتيجي الذي تزخره به مهنة المحاماة؛ تحسبا لما يمكن أن يهدد كيان المجتمع بما يعني ذلك من قوة بشرية مشبعة بقواعد الحجاج ، ومفعمة بالقدرة على الإبداع في المناورة الخلاقة والمبادرة القيادية التي يمكن أن توجه باقي القطاعات الأخرى عند الحاجة.فهل يمكن لدولة واعية أن تغامر بكل هذا الرصيد وتعمد إلى اضعافه؟
وهل يمكن أن تكون بقدر كافٍ من الكفاءة المهارية إن سعت في تعطيل هذا الجسم الحقوقي والضارب في كبرياء الحق بوجودية لا نكاد نجدها إلا عند القادة بالفعل؟ وهل يمكن أن نشطب جهاز القادة بالقوة من الخارطة المجتمعية لأسباب غامضة؟المغرب البلد الذي تتربص به الدوائر، منذ فشل الأعداء في رهانهم على انهياره من الداخل قبل العقد الاخير من القرن الماضي، وبتصاعد وتيرة المكائد المدبرة له من جواره المعادي هو الآن في أمس الحاجة لتجنيد داخلي لمختلف قواه الحية في وجه ما يحاك ضده.
لكن يوجد من يغرد خارج السرب ويخلق التشويش على السلم الاجتماعي بشكل يبدو أنه صادر عن نية فطرية تفتقر للنضج السياسي، ومصابة بعمى الألوان وتحسب أنها تحسن صنعا لكنها تأتي على تراكمات إيجابية حقوقية ومجتمعية وتعمد إلى هدمها غير مقدرة عواقب ما تصنع بمختلف مكونات الشعب المغربي.
هنا لن أتحدث عن ضرب القدرة الشرائية للمواطن المغلوب على أمره، ولا رداءة الخدمات الصحية وانعدامها، ولا الاستنزاف المباشر لجيوب الناس من خلال عدم الشفافية في مقايسة أسعار المحروقات ولا التطبيع مع الاحتكار في قطاعات الصيد البحري والفلاحة ولا اللجوء إلى الضرائب كمنفذ لسد العجز المالي ولا حالة البنية التحتية المتهالكة ولا إطلاق العنان لمسلسل التفاهة المدعوم بسلبية الدولة، ولا غير ذلك مما نتخبط فيه بشكل يومي، لأن مناسبة المقال هو تسليط الضوء على ما يراد بمهنة المحاماة.وللنطلق من الشكل قبل بحث الجوهر، هذا الشكل المحكوم بمبدأي الاختصاص والتشاركية، كانا سائدين حتى في أعتى سنوات الرصاص إذ لم يكن لتفكر الدولة في تعديل صياغة ولو فقرة في نص قانون ذي صلة بمهنة المحاماة دون مشاركة جمعية هيئات المحامين بالمغرب في ذلك، لنجد أنفسنا اليوم بعد سنوات من النقاش حول مشروع قانون المحاماة أمام مسودة متسربة من وزارة العدل تحمل فضاعات حقيقية حول المحامي وطريقة ممارسته لمهنته، وعلاقته بالمحاكم وأجهرته المهنية.ومن باب النكتة الإخبارية فلعلكم يوما ستجدون في محاكم المغرب طيفا من أصحاب البذل السوداء، هذا ينوب في قضايا دون الأخرى وهذا له صفة دون زملائه وكل يحمل نيشانا يميزه وكأننا في جهاز ارتقائي تنعدم فيه المساواة والندية بين مكوناته.مشروع صيغ بليل وغفله عن أصحاب الدار في مخالفة واضحة للدستور المغربي الذي نص على مبدأ الديمقراطية التشاركية وضع في زمن يوجد فيه محام حارس للأختام.
مشروع لم يحترم حتى ما تحقق من مكتسبات مهنية وحقوقية ويزج بالمحاماة في زاوية وضيعة ضمن ماكينة جهاز العدالة.ما يعقد الوضع أكثر هو عدم توفير بنية تحتية للتكوين المهني في وقت يتم فيه ضخ الألف من المنتسبين الجدد لمهنة المحاماة بمبرر أن من طلب إجراء امتحان الأهلية لمزوالة المهنة هذه السنة هو النقيب الرئيس لجمعية هيئات المحامين بالمغرب، وكان هذا هو مبرر وزير العدل المغربي عندما وجه إليه الانتقاد بخصوص هذه النقطة، الأمر الذي نفته جمعية هيئات المحامين بالمغرب وأعلنت اثره تعليق التعامل مع وزارة وهبي. وما زاد الطين بلة هو مشروع قانون المالية لسنة 2023 الذي أقر تدابير تعد بالفعل عائقا أمام مجانية مرفق القضاء.في مغرب اليوم العلاقة بين المحامي ووزارة العدل خاصة والحكومة عموما؛ ليست على ما يرام ، والوضع مفتوح على التصعيد وهو الأمر الذي يضر بصورة المغرب حتما، وكل ذلك بسبب طيش سياسي ورعونة تنظيمية غير محسوبة تمتح من نظرة دونية لدور المحامي وتقدير سلبي للمحاماة، الأمر الذي يطرح سؤال لمصلحة من يتم إفراغ المحاماة بالمغرب من محتواها؟
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة