مَن يملك التراث الثقافي؟
هشام استيتو
خبير حقوقي، ومحلل سياسي، من المغرب
الحركة البشرية غير لازمة لمكان، وتتحدى جميع الحواجز الطبيعية والمصطنعة، وهي ذات نطاق شامل يتقاطع مع تفاصيل الحياة بشكل أفقي وعمودي، وبالتالي فهي حركة تمتاز بالعمومية والتطابق مع الطبيعة.
هذا التطابق لا يدركه أحيانا العقل السياسي الذي تتحكم فيه بالأساس عناصر وطبيعة هذا العمل وتعمل على توجيهه، في أرقى المدارس السياسية الأصيلة، التي تفرز مناعة ذاتية تعصمها عن الزلل في المواقف، عكس السياسة العبثية الغير الموجهة ببنية فكرية سليمة أو المستندة فقط إلى نزوة غير مدروسة تقدم أثارا عكسية وخيمة.
في العقد الأول من القرن الماضي، اعتمدت النازية بشكل مفرط على النظرية الثقافية لتحديد موقفها الدولي، إزاء الإنسان عموما واتجاه المجال بشكل أقل تطرفا لكن ورغم ذلك جنت على نفسها ألمانيا النازية ما لم يدبره لها محيطها الدولي.
في أفريقيا كثيرا ما كان عامل الملكية الثقافية مؤججاً للحروب الطاحنة الأهلية والدولية، في إثيوبيا وروندا والزايير ومناطق من الساحل والصحراء وغرب إفريقيا.
بالمقابل يمكن رصد موقف معتدل من عناصر التراث الثقافي يتسم بالإقرار والاحترام دون الانزلاق المتطرف إلى بث مزاعم حول ملكيته بمنطق يحترم التاريخ والجغرافيا ويقر حدودا واضحة بين الوطني والاقليمي والدولي الأممي، كما هو الحال في الموقف الدستوري المغربي من المكون الافريقي للثقافة المغربية، والذي لا يمكن لأحد في مالي أو السنغال أن يسجل أي مزعم حول المساس به، وهو الموقف الصاعد من واقع مغربي معيش تتفاعل فيه الموسيقى الطوارق مع هندام منطقة نهر السنغال مع رموز دينية وأدوات حياتية من أصول نيجيرية.
في أفريقيا كثيرا ما كان عامل الملكية الثقافية مؤججاً للحروب الطاحنة الأهلية والدولية، في إثيوبيا وروندا والزايير ومناطق من الساحل والصحراء وغرب إفريقيا.
ضمن هذا الحد ، يمكن التميز بين الاعتزاز الثقافي وهو أمر مشروع ، وبين زعم متطرف بالامتلاك، وهو أمر يمكن أن يأخذ الموقف إلى مسارات غير محمودة وغير محدودة الأثار والعواقب.
الاعتزاز الثقافي يمتح من دراسات مشروعة حول التأثير الوطني في بعده التاريخي على وضعية التراث الثقافي الأن دون زعم ملكيته، تحت طائلة الوقوع في براثن الأخطاء السياسية ذات الأثار العكسية المربكة للسياسة الوطنية.
وبالتالي نعتز في المغرب بابن خلدون وآثاره في فاس دون أن ننتقد وجود تمثال للرجل في تونس، ونعتز بكون أرضنا تضم رفاة أبو عبد الله الصغير، دون أن نصادر حق بلدية غرناطة في تخليد ذكرى الرجل، ولا يمكن أن نصادر حق العالم في تسمية المحيط الأطلسي بهذا الاسم لأنه أسم جغرافي وطني للب المغرب وعموده الفقري ومخه الهيكلي، تماما كما لا أحد في بريطانيا يثير أي حساسية في تسمية خط الطول غرينتش بهذا الاسم أو يزعم ملكيته الحصرية له.
عندما أجد كمغربي أحد عناصر ثقافتي في سياق أممي أو إقليمي أحس بالفخر، لكن لا يمكن لي أن أجهر بالامتلاك أو أصادر حق الغير في استعمالها، قبل أن أناقش مزاعمه حولها.
إن ما فعلته وزارة الثقافة المغربية بخصوص استعمال شركة عالمية للزليج المغربي كأيقونة للملابس الرياضية للمنتخب الجزائري؛ يندرج ضمن المواقف المتسرعة التي لم تصدر عن عمق سياسي ولا دراسة تقنية ولا صبغة ثقافية حتى، وهو ما جر على هذه الوزارة انتقادات داخلية واسعة النطاق.
والمثير في هذه الانتقادات هو طبيعتها الحرة رغم حساسية الموقف إزاء الجار الجزائري بسبب مواقفه المتطرفة من قضايا المغرب وحشر أنفه مباشرة فيها.
ولولا يقظة المغاربة ووعيهم بمفهوم التراث الثقافي لكان للأمر بعد آخر، إذ أن حرية نقد الموقف الغير الثقافي الصادر عن وزارة الثقافة هو الذي قطع الطريق على خصومه في كسب نقاط على حسابه.
وهذا من التجليات الإيجابية لهامش الحرية الذي نتمتع به، كما أنه من عناصر الإجماع الوطني حول قضايانا المركزية، وتوصيف صادق لمناعتنا الذاتية التي تفرز صدقية موقفنا المختلفة وثباتها.
ورب نزق وزاري يمكن أن يبرز عناصر قوتنا للعالم.
مقال خاص لصحيفة قريش – لندن
عذراً التعليقات مغلقة